سباق حرب الصواريخ

03:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: بنيمين زرزور

غاب مصطلح سباق التسلح عن بؤرة اهتمامات العالم ما يقرب من 33 عاماً بعد توقيع معاهدة الحد من انتشار الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى بين موسكو وواشنطن؛ حيث خمدت نيران الحرب الباردة في ظل القطب الواحد ودخل العالم مرحلة من التعايش السلمي، لكن ما يجري حالياً يؤكد أن نار سباق التسلح التي تحت الرماد مرشحة للاشتعال في أي وقت.
ساعد تفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق، على تجاهل خطر سباق التسلح لفترة قصيرة إلى أن عادت روسيا بوتين كقوة منافسة للتفرد الأمريكي، وتعاظم الدور الصيني على الساحة الدولية، حتى بات الأمريكيون يخافون شبح الصين التقني والغول النووي الروسي. وقد اضطر الأمريكيون لإعادة حساباتهم وتغيير مواقفهم في ظل إدارة الرئيس ترامب الذي رفع شعار: «أمريكا أولاً»، وقرر في الثاني من فبراير/شباط 2019 الانسحاب من المعاهدة ليؤجج سباق تسلح نووي قد يكون متعدد الأطراف ولا يقتصر على مواجهة روسيا كخصم وحيد.
وتتابع فصول التصعيد الأمريكي تارة، مع الصين التي تحرض عليها دولاً حليفة لواشنطن في آسيا، إما بربطها باتفاقات دفاع مشترك أو بحشد قواتها البحرية قريباً من بحر الصين الجنوبي، وتارة مع روسيا.
وفي أحدث فصول المشهد، أعلنت الخارجية الروسية، في بيان صدر بداية أغسطس/آب الجاري، أن روسيا سترد، بشكل عاجل، على نشر أمريكا للصواريخ في أي منطقة سواء كانت نووية أو غير نووية.
وأكدت الوزارة في البيان الذي صدر بمناسبة ذكرى انسحاب أمريكا من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى، أن موسكو سترد على الفور على نشر الولايات المتحدة للصواريخ النووية وغير النووية في أي منطقة.


تصعيد جديد


ويتهم الروس خصومهم الأمريكيين بوضع خطط حثيثة للانتهاء في أقرب وقت ممكن، من تطوير صواريخ كانت محظورة سابقاً بموجب المعاهدة المذكورة، وأنهم أجروا تجارب ميدانية لتلك الصواريخ، ما يعني تملص واشنطن من الامتثال للقواعد التي فرضتها المعاهدة.
وأشارت تقارير روسية إلى أن واشنطن ستنشر صواريخ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كمرحلة أولى، وليس من المستبعد نشرها في أوروبا في مراحل لاحقة.
ولا شك في أن نشر الصواريخ من جديد يعد تصعيداً خطراً قد يقوض الأمن الإقليمي والعالمي، ناهيك عن إثارة جولة جديدة خطِرة من سباق التسلح، وهو ما تعتبره روسيا تهديداً مباشراً لأمنها يتطلب رداً فورياً.
وفي تطور لا يقل أهمية فيما يتعلق بمخاوف الروس، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر بداية الشهر أيضاً، أن الولايات المتحدة وبولندا اتفقتا خلال مفاوضات على إرسال 1000 جندي أمريكي إضافي إلى بولندا ما يرفع العدد الكلي إلى 4500 جندي أمريكي، وهو ما يكفي لتأكيد نوايا واشنطن ومخاوف موسكو في آن معاً.
وفي إطار التصعيد الروسي نشرت روسيا أول مجموعة من صواريخ «أفنجارد» التي تفوق سرعتها سرعة الصوت أضعافاً، دون أن تكشف عن موقع نشرها، بينما توقع خبراء نشرها في منطقة جبال الأورال.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «إن الصواريخ تنطلق بسرعة تفوق سرعة الصوت 20 مرة، وتضمن لروسيا تفوقاً في هذا المجال. وزودت الصواريخ بنظام توجيه يزيد قدرتها الفائقة على المناورة، ما يجعل التصدي لها أمراً مستحيلاً».


صواريخ تتجاوز سرعة الصوت


ويعتقد خبراء التسليح، بأن تباهي بوتين له ما يبرره، ذلك أن روسيا قطعت أشواطاً على طرق تطوير صواريخها التي تفوق سرعة الصوت. و يرى هؤلاء أن الصين تطور أنظمة مشابهة، بينما تبدو الولايات المتحدة متأخرة عنهما. ويشكل الإعلان الروسي بداية لمرحلة خطِرة من سباق التسلح.
وسبق لروسيا أن اختبرت صاروخاً يعمل بالطاقة النووية اسمه «بوريفيستنيك»، وآخر يحمل اسم «كنزال»، وذلك في إطار إحياء برامج الصواريخ من الحقبة السوفييتية بتمويل سخي.
وتطور كل من الولايات المتحدة والصين نوعاً جديداً من الصواريخ الفائقة السرعة. ويعتقد بأن الولايات المتحدة والصين قد قطعتا خطوات كبيرة في هذا المجال وسبقتا روسيا، لكن الإعلان الروسي عن «كنزال» أظهر العكس. وتقول روسيا إن الصاروخ دخل الخدمة وهو قادر على المناورة حتى عندما يحلق بسرعات فائقة لتفادي أنظمة الدفاع الجوي. ويرى الخبراء أن امتلاك روسيا لهذا الصاروخ يعطيها الأفضلية في توجيه الضربة الأولى.
وبدأت الولايات المتحدة، التجارب على صواريخها فائقة السرعة عام 2010 وكانت آخر تجربة فاشلة لها عام 2014؛ إذ تم تدمير الصاروخ بعد ثوان من إطلاقه بعد اكتشاف خلل فيه.
كما فشلت تجارب صينية في هذا المجال حتى أوائل 2014 ونشرت الصين صورة لتجربة ناجحة لصاروخ فائق السرعة لاحقاً.
وأهم عائق أمام تطوير مثل هذه الأسلحة هو أداء المعادن التي يصنع منها الصاروخ والأجهزة الإلكترونية التي بداخله عندما تتجاوز سرعته 5 ماخ. وتحتاج الجهات التي تطور هذه الأسلحة إلى أجهزة كمبيوتر عملاقة لحساب تفاعل الهواء مع السطوح الصلبة على السرعات العالية.
وأجرت الصين تجربتين على صاروخ بالستي محمل برأس حربي فائق السرعة، قطع في واحدة منهما مسافة 1400 كيلومتر وأصاب الهدف. وتتوقع الولايات أن تنجح الصين في وضع هذا السلاح قيد الخدمة بحلول 2020، وسيكون الصاروخ الصيني قادراً على حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية.
وتقوم الولايات المتحدة بتجارب منذ فترة ليست بقصيرة في مركز وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في فيرجينيا، وتجرى التجارب على نموذجين أحدهما يعتمد على إطلاق الرأس الحربي بواسطة صاروخ تكتيكي تبلغ سرعته خمسة أضعاف سرعة الصوت وبعدها ينفصل الصاروخ عن الرأس الحربي الذي يتوجه نحو الهدف. ومما يعكس شدة خطورة هذا النهج، التصريحات التي تصدر عن جميع الأطراف بشأن سباق التسلح؛ حيث يتهم كل طرف الطرف الآخر بالمسؤولية عما آلت إليه الأمور.
ويعكس آخر حديث لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، حجم القلق الذي ينتاب العالم من سباق التسلح النووي؛ حيث حذر من «تدهور خطِر» على صعيد الأمن والاستقرار الاستراتيجي في العالم، ومن مخاطر اندلاع مواجهة نووية «تزايدت احتمالاتها بشكل ملموس في السنوات الأخيرة»، على حد قول الوزير الذي حمل الولايات المتحدة المسؤولية عن تفاقم الوضع بسبب مواصلة سياسات تفكيك نظم الرقابة الدولية على التسلح.
وفي حال استمرار التصعيد وتمسك كل طرف بمواقفه وتعنت الأمريكيين بشكل خاص، تصبح فرص الإفلات من المواجهة أقل بينما تتزايد فرص الانفجار الذي قد لا يكون نتيجة قرار عن سابق إصرار وتصميم؛ بل ناتج عن خطأ أو سوء تقدير، وربما كليهما معاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"