الشقيقتان

02:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
أبوظبي: آية الديب

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
ولدت (ص.م) بين 13 أخاً وأختاً تتقاسم معهم الرعاية والاهتمام من أم تحاول أن تحنو وتهتم بهم جميعاً، وأب لا يستكين ولا يرتاح سعياً لسد جوعهم، ودائماً كانت تحاول معاونة أمها في رعاية إحدى شقيقاتها التي تعاني إعاقة ذهنية، وتمثل عبئاً إضافياً على الأسرة.
حاولت أمها كثيراً أن توصي جميع أولادها بهذه الشقيقة خيراً، نظراً لاحتياجاتها الخاصة،وخوفاً عليها بعد وفاتها، وما إن كبر الصغار وتوفي الوالدان، حتى سلك كل من الأشقاء طريقاً مخالفاً للآخر، ولم تجد الشقيقة المريضة أحداً يهتم بها ويرعاها.
في البداية اتفقت (ص.م) مع بعض أشقائها على التعاون وتقسيم رعايتها بينهم، وبعد أسابيع قليلة بدأت اعتذارات أشقاء المريضة تزيد، وأصبحوا يتهربون واحداً تلو الآخر من مهمة رعايتها.اتجهت لأقاربها حتى ينبهوا أشقاءها لأهمية التشارك في تقديم الرعاية لشقيقتهم المريضة، واستجاب بعض الأشقاء إلا أنهم مع الوقت عادوا للانشغال والإهمال مجدداً، وحينها أيقنت (ص.م) أن حديثها لأشقائها مجدداً لا جدوى منه وأن عليها التفكير في حل بمفردها، ولم يكن أمامها سوى طريقين هما إيداع شقيقتها في دار لرعاية ذوي الإعاقات الذهنية وهو أمر مكلف يفوق قدراتها، كما أن استمرار بقاء شقيقتها معها في منزلها وتقديم الرعاية لها بنفسها أمر صعب عليها، نظراً إلى أن زوجها محدود الدخل وأطفالها صغار يتطلبون الرعاية، ولم تجد إلا أن تقنع زوجها باستمرار كفالة شقيقتها بعد أن أكدت له أن بإمكانها تدبير كل احتياجاتهم الأساسية، وفقاً لدخله المحدود،وعلى مدار سنوات واجهت مع زوجها مشكلات عديدة بسبب شقيقتها المريضة التي تمتلك جسد أنثى بالغة لكن لها عقل طفل لا يتعدى ثلاثة أعوام.
وذات يوم انشغلت(ص.م) مع أبنائها، وإذا بدخان كثيف يخرج من مطبخ منزلها فطلبت من جميع أولادها الخروج فوراً من المنزل، وتمكنت من رؤية شقيقتها في الممر المؤدي إلى المطبخ فجذبتها عنوة وأخرجتها من المنزل واتصلت بالدفاع المدني للسيطرة على الحريق الذي ابتلع نصف منزلها.
بعد واقعة حريق منزل (ص.م) طالبها زوجها بالاكتفاء بما قدمته على مدار سنوات طويلة في الوقت الذي ينعم فيه أشقاؤها بحياة هانئة، مؤكداً لها أنهم أولى برعايتها، وأنه لم يعد يتحمل هذه الأخطار عليها وعلى أبنائه.
لم تستطع (ص.م) رفض طلب زوجها، لكنها طلبت منه الانتظار حتى تتواصل مع أشقائها الذين تناسوا حتى السؤال والاطمئنان على شقيقتهم المريضة لسنوات، لتخبرهم بأنه لم يعد في إمكانها مواصلة تقديم الرعاية لشقيقتهم المريضة.
في صباح اليوم التالي، وبينما كان أولاد (ص.م) في مدارسهم وجامعاتهم أبلغها زوجها بوفاة زوج شقيقته وبأن شقيقته في حاجة إليها لمواساتها، فردت عليه: سأكون جاهزة فوراً وبعدها سألت نفسها: كيف لي أن اصطحب شقيقتي في مثل هذا الظرف، وبعد تفكير قررت حبس شقيقتها لحين عودتها وأطعمتها وقررت إزالة أي شيء قد يشكل خطراً عليها وكل ما قد يكون قابلاً للكسر، وخرجت مسرعة لتأدية واجب العزاء لأهل زوجها، وخلال مرور أحد الجيران أمام منزل (ص.م) لاحظ وقوف سيدة محبوسة في غرفة مظلمة، ولما حاول طرق باب المنزل لمساعدتها لم يستجب له أحد فأبلغ الشرطة،وبعد القبض على الشقيقة أسندت النيابة العامة لها تهمة حبس شقيقتها وتقييد حريتها.
قضت محكمة أول درجة بسجن الشقيقة لمدة خمس سنوات، فاستأنفت الحكم ووقفت أمام قاضي المحكمة تروي له كم عانت من رعاية شقيقتها وكيف تخلى عنها باقي أخواتها،وأن حبسها شقيقتها كان لظروف طارئة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"