سر الحضـارة

02:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
** استطلاع: نجاة الفارس

يؤكد عدد من الباحثين والأكاديميين أن للبلاد العربية والإسلامية تراثاً هائلاً في المخطوطات، يقدر بنحو ثلاثة ملايين مخطوط، كان لها دور كبير، وفاعل في صنع الحضارة الإنسانية؛ وساهمت في نشر الحضارة العربية والإسلامية ونقل معارفها إلى جميع الأمم.
ودعوا في استطلاع ل «الخليج» الجامعات أن تفتح الباب لدراسة علم المخطوطات، لأنّها سر الحضارة كامن في المخطوطات، التي تضيء تراث الأجداد، وتبشر بمستقبل آمن، يتعايش فيه الجميع في تعاون وسلام.


دور كبير


يقول د. شعبان أحمد بدير باحث وأكاديمي في جامعة الإمارات العربية المتحدة كان لمخطوطاتنا دور كبير، مؤثر وفاعل في صنع الحضارة الإنسانية؛ بدأ العرب التأليف في العلوم المختلفة في بواكير12 هجرية، وازدهرت الترجمة عن الحضارات الأخرى ونشطت حركة الوراقين في نسخ مؤلفات العلماء والشعراء والكتب المترجمة، ما شجع على إقامة المكتبات العامة كمكتبة دار العلم بالقاهرة، التي حوت زهاء مليوني مخطوط، وقد حافظ العرب على مخطوطاتهم قروناً، حتى ابتلوا بالحملات الأوروبية التي أحرقت الملايين منها.
استغلت أوروبا خلال الاستعمار الحديث التجار في نقل المخطوطات إليها بأبخس الأثمان فتوزعت المخطوطات على عشرين دولة أوروبية تأتي في صدارتها روسيا التي تضم مكتباتها نحو 40 ألف مخطوطة، تليها بريطانيا ب 20 ألف، وفرنسا 8 آلاف وخمسمائة، وإيطاليا نحو 7آلاف وخمسمائة مخطوطة، وفي الفاتيكان نحو 3 آلاف.
هذا التراث الهائل يستوجب دعم الجهود التي يبذلها معهد المخطوطات العربية التابع للجامعة العربية عبر العالم، والجهود التي يبذلها مركز جمعة الماجد / دبي ومعهد التراث ودار المخطوطات بالشارقة للتعريف بالمخطوطات العربية، وتصوير الموجود منها وتيسير الاطّلاع عليها، والاستفادة منها.كما يجب التعاون مع اليونيسكو ودعم جهود (إيسيسكو) في مبادرتها (مخطوطات ويلكوم) على الإنترنت: التي تتيح لأول مرة الوصول إلى أكبر مجموعة من المخطوطات وهي جزء من مكتبة ويلكوم الآسيوية وتحتوي على 12 ألف مخطوطة.خريطة للفكريقول الكاتب والباحث فهد المعمري: تعد المخطوطات العربية واحدة من أبرز ما تركه العرب من حضارة عالمية أثرت بشكل كبير في خريطة الفكر الإنساني؛ ونقل العلوم والمعارف إلى جميع الأمم، وبالتالي فهي المصدر الأول في هذه النهضة التي بدأت منذ عصر التدوين مع نهايات القرن الثاني الهجري عندما تم اختراع الورق في خلافة هارون الرشيد.
في عهد الخلافة الأموية بلغت الدولة الإسلامية أقصى اتساعها، وكان لهذا الاتساع أثره في انتشار المخطوط العربي في بقاع شاسعة من الأرض.
بيد أن المواطن الأكثر انتشاراً للمخطوط العربي توجد في العراق ومصر اللتان تمتلكان النصيب الأوفر للمخطوطات على المستوى العربي، وفي مكتبات إسطنبول تقبع آلاف المخطوطات العربية، كما في المكتبات الوطنية في الهند، وإفريقيا، وفي أوروبا التي استأثرت بحصة كبيرة من المخطوط العربي، في إسبانيا، وهولندا، وإيطاليا، وألمانيا والمملكة المتحدة، وفرنسا ومؤخراً مكتبة الكونجرس في أمريكا.


حاجة ماسة


الدكتور سعيد البوسكلاوي باحث وأكاديمي في جامعة زايد، يقول: توجد آلاف مؤلفة من النصوص العربيّة غير المنشورة، في مختلف الحقول العلميّة، موزّعة على المكتبات العالمية، فأوروبا بمفردها ولأسباب تاريخيّة، تضم مكتبات عديدة تزخر بكنوز من المخطوطات العربيّة.
لقد حفظت لنا هذه الكنوز في مكتبات عامّة أو خاصّة، وانتقلت إلينا من دولة إلى دولة ومن عائلة إلى عائلة حتّى وصلتنا اليوم، مع أن بعضها كان سُرق أو بيع أو شمله الضياع، أمّا ما حفظ منه، فبعضه حُقّق وبعضه الآخر ما زال ينتظر، وما حقق من بعض هذه المخطوطات يتراوح بين الجيّد والرديء وعليه، فهناك حاجة ماسّة إلى تحقيق النصوص وإعادة تحقيقها، من قبل المختصينن دون غيرهم، وإخراجها في صورة جيّدة.
لا تخفى أهمية اكتشاف مخطوط أو تحقيقه أو دراسته في تطوير معارفنا وتجويدها، فقد يساهم في تطوير فهمنا لمسألة من المسائل أو يدفعنا إلى إعادة النظر في حكم مسبق أو تصحيح رأي خاطئ، وما أكثر الآراء الخاطئة والأحكام غير المؤسّسة التي تحمل، مثلاً، على الحضارة الإسلاميّة بشكل عام.وأضير إلى فترة النصف الثاني من القرن الماضي، حيث اكتشفت في مجال الفلسفة الإسلامية وتاريخ العلوم، نصوص كثيرة جدّاً غيّرت جذريّاً أحكام الباحثين حول مساهمة المسلمين في مختلف العلوم الطبيعيّة والرياضيّة والفلسفيّة والأدبيّة وغيرها.شغف
تقول الشاعرة والباحثة شيخة المطيري «كل الطرق تؤدي إلى ما نريد» هذه القناعة التي كنت أصل من خلالها إلى الكتب والمكتبات، ولأن بي شغف جمع المخطوطات وكل ما كتب عنها وزيارة أهم مكتباتها فإنني أبحث دائماً ًعن الجديد حولها وعن ما أنتجته أنامل المؤلفين وما حفظته أيدي النُسّاخ.
من يعمل في حقل المخطوطات يعلم أن هذه المخطوطات يتم حفظها عن طريق المكتبات أو الأفراد ويعلم أيضاً كيفية الحفاظ عليها وطرق تنظيمها وفهرستها والأهم هو الوصول إليها والاستفادة منها في البحث العلمي والتحقيق، إضافة إلى توظيف الإرث العربي المخطوط في توعية الناس بأهمية المخطوطات وكيف أنها تمثل جزءاً من ذاكرة الأمة.
بالنسبة لي فإنني أبحث عن المكتبات التي تحفظ المخطوطات داخل الدولة وخارجها ثم أخطط لزيارتها والتجول بين أروقتها والنظر في كيفية حفظ هذه المخطوطات وطرق إتاحتها للمستفيدين ثم أقتني فهارسها أو ما أصدرته المكتبة عن مجموعتها من المخطوطات، كما تقيم بعض هذه المكتبات مجموعة من المعارض لهذا الإرث العربي ونماذجه وحسن تنفيذه بأجمل صورة. الباحث أحمد عودة، يقول: تمثل المخطوطات العربية حلقة مهمة من حلقات التراث الإنساني، وما إن بدأت الفتوحات الإسلامية، واستقرت الدولة، حتى بدأت حركة التأليف في مختلف العلوم، وبدأت هذه العلوم تزدهر في العصر العباسي، ثم كثرت الحواضر العلمية في العالم الإسلامي.
مر المخطوط العربي من الناحية المادية بمراحل تطور عديدة، وأقدم خط عربي هو الخط الكوفي، وعلى مر العصور قام الخطاطون باختراع خطوط أخرى كتبت بها المخطوطات، وقد بلغ المخطوط العربي أوجه في العصر المملوكي.شجون أبو الحسن الجمّال كاتب ومؤرخ، يقول: إن الحديث عن المخطوطات العربية يثير في النفس الشجون، فقد تعرض لمحن لا تقل عن المحن التي تعرض لها الشعوب، فالعدو كان ينكل بالكتاب كما ينكل بالإنسان، لأنه تراث الأمة، وضميرها وفكرها، وقد رأينا مآسي يندى لها الجبين مثلما عند غزو الصليبيين للمشرق الإسلامي أو الغرب الأندلسي، ورأينا هذا عندما اجتاح التتار بغداد سنة 656ه وبعدها سرقت ملايين المخطوطات التي شكلت النصيب الأكبر لخزانات الكتب في كافة أرجاء العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"