“ثورات أمريكا الإسبانية” حكايات عن الحرب والحرية

يعرض الأصول التاريخية للقارة اللاتينية
13:01 مساء
قراءة 4 دقائق

ثورات أمريكا الإسبانية، وحركات الاستقلال بين عامي 1808-1825، هو العنوان الصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، للكاتب الأمريكي ألبرت براجو أستاذ تاريخ أمريكا اللاتينية بجامعة نيويورك وقام بترجمته للعربية عبد الحميد فهمي الجمال.

يعرض المؤلف الأصول التاريخية للدولة الأمريكية الإسبانية، ففي عام 1810 كانت ممتلكات إسبانيا الشاسعة في نصف الكرة الغربية هائلة للغاية مما جعل إسبانيا أكبر إمبراطورية استعمارية في العالم، حيث كانت الأعلام الإسبانية ترفرف على المكسيك بالإضافة إلى تكساس وكاليفورنيا وأريزونا ونيو مكسيكو ويوتا، وجزء من كولورادو إذ كانت أمريكا الوسطى كلها تنتمي إلى إسبانيا، كما كانت أمريكا الجنوبية كلها باستثناء البرازيل والغيانات الثلاث (غيانا الفرنسية، وغيانا الهولندية، وغيانا البريطانية) بمثابة أراض إسبانية، وكانت الإمبراطورية الإسبانية الشاسعة تشتمل على موارد طبيعية من كل نوع.

وكانت هذه المستعمرات تضم حوالي 17 مليون نسمة معظمهم من الهنود، ورغم أن القانون نص على تحريم استعباد الهنود، إلا أن المستعمرين وجدوا عددا من السبل لجعل الهنود يعملون تحت أشد الظروف قسوة وجوراً، إذ أرغم الهنود على العمل لصالح الأفراد والكنيسة والسلطات الحكومية في الأشغال العامة، والمصانع، ومزارع تربية الماشية، والمزارع النوعية، والمناجم تحت أشد الظروف قسوة ووحشية، وبأجور مخفضة للغاية لا تكفيهم لمواجهة أعباء الحياة.

أما الذين كانوا يتربعون على قمة المستوى الاجتماعي الاقتصادي فهم فئة البيض، الذين يبلغ عددهم أربعة ملايين نسمة، وكانوا يسمون بالكريوليين، وهم المنحدرون من أصول إسبانية لكنهم ولدوا في نصف الكرة الغربية، وإذا كان الإسبان سرقوا كنوز الهنود، إلا أنهم أدخلوا وسائل التعدين الحديثة اللازمة على المناجم القديمة والحديثة، وبذلك استخرجوا منها كميات تفوق ما استخرجه الهنود عبر القرون السابقة على عمليات الغزو، كما قام الإسبان بإنجاز آخر له أهمية تفوق أهمية التعدين، ألا وهو التوسع في النشاط الزراعي، إذ جلبوا للعالم الجديد جميع أنواع الموالح والدواجن والمواشي والدواب، وكان الهدف الرئيسي من وراء المستعمرات هو إمداد الدولة الأم بالثروات.

وبحلول منتصف القرن الثامن عشر، بدأ المستعمرون يسمون أنفسهم باسم الأمريكان بدلا من اسم الكريوليين فيقول أحدهم في فخر واعتزاز إنني لست إسبانيا ولكنني أمريكي وهو تعبير يدل على ما يعتمل في الصدر من مشاعر الاستياء الطويلة. ذلك أن قرنين من الزمان في العالم الجديد خلقا إنساناً جديداً، فبالإضافة إلى الامتزاج بين الأوروبيين والهنود والزنوج كانت هناك تأثيرات أخرى كالبيئة الطبيعية التي تمنع وتعطي والجبال الشاهقة فوق المألوف والغابات المطيرة والصحارى والمناطق الساحلية والأنهار الهائلة والضخمة والمناطق الاستوائية والحياة الجافة والعزلة المادية عن أوروبا وحروبها المتوالية المستمرة، كل هذا أدى إلى ظهور الأمريكي الذي تختلف نظرته للحياة اختلافاً كبيراً عن نظرة الفلاح أو رجل الدين أو التاجر أو اللورد في إسبانيا التي كانت منذ فترة طويلة تسير في طريق التدهور.

وشهد القرن الثامن عشر حركة التنوير، تلك الحركة الفكرية والثقافية التي نشرت أفكار الحرية والإقناع بالحجة والمنطق كما نشرت النزعة الإنسانية والتحولات الثورية في العلوم الطبيعية، وكان لها تأثير عظيم على من يسمون المستبدين والمستنيرين، الذين استهلوا الكثير من الإصلاحات في فترات حكمهم وكانت حركة التنوير قوية إلى حد تمكنت معه من الوصول إلى الأمريكتين، وأحدثت فيهما تيارات ملموسة، فالكتب التي لا تعترض عليها محكمة التفتيش كانت تشق طريقها مثل أي سلعة عادية، أما الكتب الممنوعة فكانت تدخل في المستعمرات وتمر من ولاية لأخرى شأنها في ذلك شأن السلع المهربة.

وكانت الثورة الأمريكية أكثر من مجرد نموذج يحتذى به الكريليون، وزادت الاتصالات الثقافية والتجارية ما بين الجمهورية الأمريكية الجديدة وجيرانها من الجنوب، وكانت المطبوعات التي تصدرها الجمعية الفلسفية الأمريكية، وكتابات العلماء يقرؤها نظراؤهم في أمريكا اللاتينية.

وبدأت الثورة في إسبانيا الجديدة (المكسيك) في سبتمبر/أيلول ،1810 وانتهت بتنفيذ حكم الإعدام في قائدها ميجيل ايدالجو، والمرحلة الثانية انتهت نهاية مفجعة أيضا بتنفيذ حكم الإعدام في ثاني الشخصيات الثورية خوسيه موريلوس أما المرحلة الثالثة فكانت بمثابة حرب عصابات طويلة اندمجت في صراع قصير خرجت منه المكسيك كدولة مستقلة في عام 1821.

وفي قارة أمريكا الجنوبية، قامت حركات الاستقلال منفصلة عن بعضها بعضاً في ولاية لابلاتا وفي القيادة العامة لولاية شيلي وفي ولاية نيوجراندا، فكل ولاية من تلك الولايات الثلاث كانت لها قاعدتها وزعماؤها، ولها مشكلاتها الخاصة بها، وكل منها طورت القوى الدافعة الخاصة بها، ولكن كان هناك قدر من الحرية بين الثورات المختلفة في تلك الولايات، هذا بالإضافة إلى أنها كانت تواجه عدوا مشتركا، فالأرجنتينيون ساعدوا الشيليين على تحرير بلادهم، وهؤلاء وأولئك ساهموا إلى جانب الفنزويليين والكولومبيين والإكوادوريين في تحرير بيرو، وتعلق مصير جميع دول أمريكا الجنوبية في نهاية الأمر بطرد الملكيين من بيرو، التي ظلت الحصن الإسباني الحصين حتى النهاية، إلا أن كل إقليم كان له تاريخه الخاص به الذي سوف يرتبط بالتاريخ العام للمنطقة في الوقت المناسب.

ويخلص المؤلف إلى أن التأثير الدائم الذي خلفته ثورات الاستقلال في أمريكا الإسبانية لم يكن ناجما عن الآثار الإلهامية للأفكار التي عبرت عنها تلك الثورات، ولكن هذه الثورات زودت الرازحين تحت نير الاستعمار، بالمزيد من الأمثلة الجوهرية التي تؤكد نجاح الشعوب في القضاء على عبودية الاستعمار، فالإلهام الذي تقدمه هذه الثورات يكمن في تحقيقها في حد ذاتها، وتحرر الدول من الاستعباد هو بمثابة المقدمة التاريخية لتحرر الشعوب منه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"