الأصوات العالية تدمّر حاسّة السمع

23:40 مساء
قراءة 6 دقائق
نشاهد الكثير من الشباب يضعون سماعات الأذن لأجهزة المحمول، يستمعون إلى الموسيقى أو مقاطع الفيديو؛ وذلك في وسائل المواصلات العامة أو أثناء الجلوس أمام شاشات الكمبيوتر والتابلت أو في الفترات التي تتخلل بعض المحاضرات في الجامعة، وكذلك في المصايف وعلى شواطئ البحار، فهذه العادة انتشرت بشكل كبير وهي ليست قاصرة على الشباب فقط، بل هناك قطاع كبير من الأطفال يسلكون العادة نفسها، وبعض كبار السن؛ حيث انتشرت سماعات الهاند فري بشكل كبير بين غالبية فئات المجتمع الغني منهم والفقير، نتيجة توافر سماعات رخيصة الثمن ومختلفة الأذواق والأشكال والأحجام في الأسواق، ولهذه السماعات بعض الأضرار الجسيمة على أذن جميع الفئات؛ حيث يمكن أن تؤدي إلى فقدان تام للسمع
الخطورة تصبح مضاعفة في حالة الأطفال؛ لأن الخلايا التي تتلف لديهم يصعب تعويضها، وسوف نتناول في هذا الموضوع ظاهرة انتشار سماعات الأذن والأضرار التي تتركها على الشخص المستخدم، وبعض النصائح والإرشادات الطبية في هذا الشأن لوقاية حاسة السمع والحفاظ على صحتها.
المحمول والموسيقى
ظهرت سماعات الأذن في بداية الثمانينات، وكان الغرض الأساسي منها هو سماع الأغاني والموسيقى بدون إزعاج الآخرين، واختيار ما يناسب الشخص المستمع وليس ما يفرض عليه في وسائل المواصلات العامة، واستخدمها البعض للتحفيز على إنجاز بعض الأعمال أو التمرينات الرياضية، وكانت شائعة الاستخدام في رحلات السفر، وفي الأماكن المزدحمة والمليئة بالضجيج الصاخب والفوضى الصوتية، لخلق حالة من الخصوصية والانعزال عن البيئة المحيطة، بسماع نوع من الموسيقى الهادئة والتخلص من ضجيج هذه الأصوات وتوفير حالة من راحة الأعصاب، ثم تطورت هذه السماعات مع التكنولوجيا الحديثة وانتشرت بشكل غير مسبوق واستخدمها قطاع عريض من الشباب، الذي يسيء هذا الاستخدام برفع درجات الصوت إلى مستويات عالية للغاية، وخاصة عند الاستماع لموسيقى صاخبة أو خلال ألعاب الفيديو جيم، وعلى المدى الطويل لهذه العادة السيئة يصاب المستخدم بأضرار ومضاعفات في السمع جسيمة ولا يمكن تعويضها، وهذه العادة نشاهدها يوميًا في الشوارع بين الأشخاص الذين يضعون سماعات الأذن وينفصلون عن العالم الخارجي، ويستخدمها الكثير عند التحدث مع الغير من خلال «الفيس أو الإسكايب» وغيره من التطبيقات المختلفة، ومع التقدم التكنولوجي الحديث في مجال صناعة التليفونات المحمولة، والتي أتاحت مساحات واسعة لتحميل الأغاني والموسيقى، أدى ذلك إلى تزايد انتشار سماعات الأذن واستخدامها بشكل واسع بين الشباب.
تضرر الخلايا الشعيرية
تعمل الأذن بآلية معينة لسماع الأصوات، وهذه الآلية تبدأ من لحظة دخول الصوت إلى الأذن، يصل الصوت إلى طبلة الأذن من خلال الأذن الخارجية، وتحول طبلة الأذن الصوت إلى ذبذبات تنتقل إلى العظيمات الثلاثة الموجودة فى الأذن الوسطى، وبدورها توصلها إلى الوسط السائل بالأذن الداخلية، وذبذبات الوسط السائل يحرك الخلايا الشعيرية المبطنة للأذن الداخلية، وهذه الحركة للشعيرات تنتقل إلى المخ من خلال الأعصاب المتصلة بالشعيرات، وكل هذه الحركات يتم نقلها عن طريق هذه الأعصاب إلى المخ في صورة إشارات كهربائية يقوم المخ بترجمتها وتفسيرها ثم تحويلها إلى الأصوات التي نسمعها، ودور الخلايا الشعيرية الدقيقة المبطنة للأذن الداخلية في عملية السمع مهم للغاية؛ حيث تعمل كوسيط ينقل الاهتزازات إلى المخ، وفى حالة الاستماع إلى درجات ومستويات عالية من الأصوات تتضرر هذه الشعيرات بصورة كبيرة، بفعل الموجات الاهتزازية العالية القادمة إليها عبر سماعات الأذن، وتؤدي هذه الموجات إلى حدوث تغير في هيئة الشعيرات من الوضع الواقف القادر على استقبال الموجات وتوصيلها للمخ، إلى وضع مائل لا يصلح في نقل الاهتزازات بصورة جيدة، وهذه الشعيرات لها القدرة على استعادة وضعها الطبيعي بعد زوال الخطر، ومع تكرار تعرضها لهذه الموجات القوية تصاب بالتضرر الدائم، وتصبح غير قادرة على استقبال ونقل الموجات الصوت الاهتزازية، والمشكلة في أن هذا الوضع المنكسر للشعيرات الذي يفقدها وظيفتها لا يمكن إصلاحه لأنها تبقي على هذا الوضع، والسبب أن الخلايا الشعيرية لا تتجدد؛ وبالتالي يفقد الشخص جزءاً من السمع، وفي حالة استمرار الضرر يمكن أن تقف الذبذبات عند حد معين، ولا تصل إلى المخ وبالتالي فقدان تام لحاسة السمع.
الملايين يعانون
تكشف الدراسات أن ملايين الأشخاص يعانون من فقدان القدرة على الاستماع إلى الترددات العالية، نتيجة الأضرار التي أصابت الأذن بسبب التعرض للأصوات الشديدة عبر السماعات أو التعرض لهذه المستويات من الأصوات لأي سبب، ومن الضروري استخدام واقي الأذن في المهن التي يصدر فيها أصوات صاخبة، خاصة الذين تتطلب ظروف عملهم التواجد في أماكن شديدة الضوضاء، وتفرض عليهم الظروف الاستماع إلى أصوات وضوضاء تصل إلى 100 ديسيبل، ولمدة تتجاوز 8 دقائق متواصلة، كما تصدر بعض أجهزة الأي بود أصواتاً موسيقية تتخطى 120 ديسيبل؛ مما يسبب إصابة الأذن بأضرار كبيرة، كما يعتقد البعض أن الاستماع للموسيقى والضجيج بدرجات صوت متوسطة ليس منه ضرر، وهذا الاعتقاد خاطئ؛ لأن الاستماع إلى أصوات تتخطى 77 ديسيبل يسبب ضرراً أيضاً، أما سماع الأصوات الأقل من ذلك الرقم لا ضرر منها، والخطورة أن الاستماع إلى أصوات قوية لفترة بسيطة ولمرة واحدة فقط، يسبب ضرراً على الأذن ويضعف من قدرتها على السمع، لدرجة أن الأذن لا تستطيع سماع الأصوات الأقل من 81 ديسيبل، أما التعرض لمستويات عالية من الصوت يؤدي إلى فقدان حاسة السمع، لأن هذه الموجات الصوتية الصاخبة تقتل الخلايا الشعيرية بالأذن الداخلية، ويصاب الشخص بمرض طنين الأذن ومشاكل كبيرة في حاسة السمع.
الأطفال أيضاً يتضررون
يحدث ضمور في القناة السمعية عند استخدام سماعات الأذن بمستويات عالية، ومع استمرار سماع مستوى الصوت في 86 ديسيبل فترة طويلة يحدث تلف كبير في القناة السمعية داخل الأذن، ولتقريب الصورة أكثر؛ يجب معرفة أن درجة صوت سرينة سيارة الإسعاف يصل إلى 120 ديسيبل، ويسبب صخباً وقلقاً وذعراً بين السيارات والأشخاص، بينما بعض أصوات جهاز الآي بود تصل إلى 125 ديسيبل، ويضع الطفل أو المراهق سماعة هذا الجهاز لمدة 3 ساعات يومياً على أذنه، وسماعات الأذن توجه مكبرات صوتها إلى داخل الأذن مباشرة مسببة خطورة كبيرة.
حيث يصبح مصدر الصوت القوي أقرب ما يكون إلى الأجزاء الحساسة في الأذن الداخلية، ويؤدي إلى الكثير من التلف والمشاكل، والأطفال والمراهقين هم الأكثر تأثراً من استخدام سماعات الأذن؛ حيث سجلت الإحصائيات نسباً مرتفعة من الأطفال والمراهقين الذين فقدوا حاسة السمع، بسبب استخدامهم سماعات الأذن فترات طويلة لسماع الأغاني والموسيقى بصوت عالٍ، وتزيد نسبة الأطفال والمراهقين المتضررين عن 27% من الذين تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 21 سنة، والذكور الأكثر تضرراً من الإناث، وفقدان حاسة السمع في عمر الطفولة مشكلة مستعصية يصعب علاجها تؤثر على مستقبل الطفل بصورة كبيرة، وكشفت بعض الدراسات ارتفاع خطورة سماعات الأذن في حالة استخدامها مع بعض التمارين الرياضية التي تتطلب مجهوداً كبيراً، ومن المعروف علمياً أن الرياضة تساعد على تدفق الدم بكميات كبيرة إلى القلب والعضلات، وبالتالي تقل كميات الدم المتجهة إلى الأذن، مما يسبب زيادة حساسية الأذن ويحدث لها إجهاداً كبيراً للغاية، مما يعجل من الإصابة بفقدان جزء كبير من حاسة السمع بشكل كامل.

تلف مؤكد

تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأشخاص الذين يستخدمون سماعات الأذن التي تصدر أصواتاً يزيد مستواها على 86 ديسيبل، لفترة طويلة تصل من 60 إلى 90 دقيقة يؤدي ذلك إلى حدوث مشاكل وتلفيات غير قابلة للإصلاح في حاسة السمع. كما يصعب علاجها، وكشفت الأبحاث أن ما يقرب من 35% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 35 عاما يستخدمون سماعات الأذن في مستوى عال من درجات الديسيبل، ما يسبب لهم الكثير من الأضرار والمشاكل بشكل سريع، ولذلك ناشدت بعض المنظمات العالمية الشركات المصنعة لهذه السماعات بوضع ملصق تحذيري على هذه المنتجات من السماعات يوضح خطر الاستخدام غير الصحيح لهذه السماعات وأضرر الأصوات العالية على صحة الأذن.
والكارثة الحقيقية أن غالبية الأصوات التي تصدر عن سماعات الأذن الموجودة بالأسواق تتخطى درجة وحدود 85 ديسيبل، وهي درجة تزيد على الحدود الطبيعية للسمع في الأذن وتسبب ضرراً مؤكداً، بل تصل بعض السماعات أحياناً إلى إصدار مستوى أعلى من الأصوات يصل إلى 100 و 125 ديسيبل، ونتيجة هذه الدرجات العالية تصطدم الذبذبات بشكل مباشر بالأذن وتحدث تلفيات عميقة وكبيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"