أمريكا تبحث عن زعيم

05:32 صباحا
قراءة 4 دقائق

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية مع نهاية هذه السنة، أي بداية من 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل انتخابات رئاسية بطعم خاص، أو لنقل بشكل أكثر صراحة أنها ستكون هذه المرة انتخابات من دون طعم ولا رائحة، لأن الشعب الأمريكي أصبح بحاجة إلى أكثر من رئيس أو على الأقل لأكثر من مجرد رئيس عادي تمضي شهور رئاسته كلمح البصر ولا يكاد يستيقظ المجتمع الأمريكي من سباته إلا على وقائع ضجيج الإعلانات الإشهارية التي تذكر الجماهير أنها على موعد استحقاق انتخابي جديد . لقد تراجع بريق الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما بعد مرور شهور قليلة على فوزه باستحقاق ،2008 واتضح للأمريكيين أنهم انتخبوا رئيساً أبيض يحمل بشرة داكنة، حيث فشل في الوفاء بالقسم الأكبر من الوعود التي قدمها للناخب الأمريكي أثناء الحملة الانتخابية التي سبقت ولايته الأولى . كما توصل الجميع إلى قناعة راسخة مؤداها أن الرجل الأول في البيت الأبيض، لا يملك الجرأة الكافية من أجل اتخاذ القرارات الحاسمة التي من شأنها أن تسهم في تغيير مسار الأحداث الكبرى في الولايات المتحدة .

والملاحظة نفسها يمكن أن نسجلها بشأن المرشح الجمهوري ميت رومني الذي يفتقد إلى عنصر قوة الشخصية والكاريزما التي كانت تميز أغلب المرشحين الجمهوريين السابقين، حتى أن الكثير من الأمريكيين باتوا مقتنعين أن النخبة السياسية الأمريكية لم تعد قادرة في المرحلة الراهنة على صناعة رجالات دولة من الصف الأول، كما كان يحدث حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي . ويمكننا أن نزعم في هذا السياق أن تأثّر الجمهوريين بالديمقراطيين في ما يتعلق بالسياسة القائمة على اختيار الكفاءات الشابة لم يكن موفقاً هذه المرة، لأنه حرم معسكر الجمهوريين من الاستفادة من خبرة وتجارب الجيل المخضرم، الذي عايش الفترات الذهبية لحكم الجمهوريين وخصوصاً في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، التي استطاع فيها رونالد ريغان أن يقود الولايات المتحدة من أجل تحقيق الفوز على الاتحاد السوفييتي بالضربة القاضية .

وإذا كانت مسألة استعانة المرشحين للانتخابات الرئاسية بكفاءة الرؤساء السابقين من أجل إدارة الحملة الانتخابية، تمثل أسلوباً دارجاً سبق أن اعتمد عليه المرشحون خلال الاستحقاقات الماضية، فإن استنجاد أوباما بمواهب وبريق شخصية بيل كلينتون من أجل تجاوز حالة الضعف السياسي التي يعانيها، توضح أن الرئيس المنتهية ولايته فقد كل الرأسمال الرمزي والمعنوي الذي كان يتمتع به . خاصة أنه كان يستمد هذا الرصيد - بشكل أساس- انطلاقاً من أصوله الإفريقية، التي تم التسويق لها إعلامياً على أنها تمثل قمة انفتاح المجتمع الأمريكي المؤمن بحتمية الاختلاف وفضائل تعدد الأعراق، قبل أن يتلألأ نجم حزب الشاي المتطرف داخل معسكر الجمهوريين مذكراً القاصي والداني أن هناك ثوابت عرقية لا يمكن القفز عليها .

من الواضح بناءً على ما تقدم أنه إذا ما استطاع أوباما أن يفوز بولاية رئاسية جديدة، فإن ذلك سيكون عائداً إلى ضعف منافسه، وليس إلى قدراته البارزة في مجال التسيير والحكم الراشد . أما إذا فاز المرشح الجمهوري، فإنه سيكون من دون أدنى شك أكثر الرؤساء بؤساً في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وربما الأقل شعبية من بينهم جميعاً، خاصة أن الجمهوريين أضاعوا قسما معتبرا من الأصوات النسائية نتيجة التصريحات غير المتزنة التي أطلقها عضو الكونغرس تولد أكين، بشأن حق المرأة الأمريكية في الإجهاض . وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن تكون القضايا المرتبطة بالمرأة والأسرة وزواج المثليين، أكثر الملفات حسماً للمعركة الانتخابية خلال استحقاق شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل .

ويمكن أن نضيف في سياق متصل، أن أوباما يعوِّل كثيراً- وتحديداً في هذه المرحلة- على قيام قسم كبير من الأمريكيين بالإدلاء بأصواتهم قبل موعد الحسم النهائي يوم 6 نوفمبر المقبل، لاسيما أن جريدة واشنطن بوست الأمريكية أوضحت في استطلاع أجرته أخيراً، أن أغلبية الذين صوّتوا لباراك أوباما في انتخابات ،2008 قاموا بممارسة حقهم الانتخابي قبل الموعد الرسمي، لأن الكثير من أبناء الأقليات المؤيِّدين للحزب الديمقراطي، يجدون بعض الصعوبة من أجل التفرغ للموعد الانتخابي الرسمي . وهذه الأسباب هي التي دفعت أوباما إلى مخاطبة حشد من مناصريه قائلاً: يجب عليكم ألا تنتظروا إلى غاية 6 نوفمبر/تشرين الثاني من أجل القيام بالانتخاب . يمكنكم أن تكونوا من بين الأوائل الذين يصوتون في هذه الانتخابات بداية من 27 سبتمبر/أيلول .

لا شك أن الهزال والضعف العام الذي بدا جلياً في هذه الحملة الانتخابية، بات يؤشر إلى أن النظام السياسي الأمريكي في حاجة إلى ثورة شاملة قادرة على إعادة صياغة ثوابته ومنطلقاته من جذورها، فالنظام الفيدرالي الحالي أضحى مثار تساؤل من طرف الكثير من الأمريكيين الذين لم يعد يقنعهم أداء الحكومة الفيدرالية في واشنطن . وذلك بعد أن وصل الوضع الداخلي الأمريكي من التعقيد، درجة لم يعد فيها من الممكن لموظف الرئاسة في البيت الأبيض، أن يستجيب للتطلعات الكبيرة والمطالب الملحة لشرائح واسعة من الشعب الأمريكي؛ التي تتطلع إلى انتخاب رئيس يحمل مواصفات خاصة، هي أقرب إلى صورة الزعيم منها إلى صورة الموظف، الذي يطبق- في الغالب- أجندة كبريات الشركات الأمريكية التي تتحكم في شبكة من المستشارين، الذين يوجّههم خبراء البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"