«الموت الدماغي» لحلف الناتو

02:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

شهدت السنوات الثلاث الأخيرة خلافات عميقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فقد أثارت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مخاوف الدول الأوروبية، ما دفع عدداً من القادة الأوروبيين إلى إطلاق تصريحات، بشكل مباشر، أو غير مباشر، تشكّك في متانة العلاقة مع واشنطن، لكن تصريحات الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الأخيرة تبرز بشكل واضح أن أوروبا آخذة في البحث عن بدائل، خصوصاً في المجال الدفاعي، فقد اعتبر ماكرون في مقابلته مع مجلة «ذي إيكونوميست» أن «حلف شمال الأطلسي يعيش في حالة الموت الدماغي»، ومن المعروف أن الموت الدماغي هو مصطلح طبي يعني أن المريض يعيش بفضل أجهزة الإنعاش، وأن دماغه توقف عن العمل تماماً، ولم يبقَ فعلياً سوى إعلان الموت النهائي.
وجدت أوروبا نفسها في ولاية الرئيس ترامب أمام سياسات أمريكية جديدة تجاه القضايا العالمية، لا تأخذ بالحسبان مصالح الشركاء الأوروبيين، وتنطلق من حسابات أمريكية محضة، وهي تنفيذ عملي لمبدأ ترامب في حملته الرئاسية «أمريكا أولاً»، التي نتجت عنها حرب تجارية مع الصين وأوروبا، عبر رفع التعرفة الجمركية على الحديد والصلب، وهو ما أثّر بشكل مباشر على كبريات الشركات الأوروبية المنتجة التي تستخدم الحديد والصلب في صناعاتها، مثل شركات السيارات، التي تعدُّ من الشركات ذات الربحية الثابتة في الاقتصادات الأوروبية، وتقوم بتشغيل مئات الآلاف من العمال في أنحاء دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
ساهمت الولايات المتحدة خلال العام الماضي بما نسبته 71% من ميزانية الناتو، في مقابل 29% للدول الأوروبية، أي بما نسبته حوالي 1% لكل دولة، وهو أقل من تعهّد الدول الأوروبية بالمساهمة بما قدره 2% من نفقات الحلف. ومنذ مجيئه إلى الحكم، وجّه الرئيس ترامب تصريحات قوية إلى القادة الأوروبيين، حثّهم فيها على دفع ما يترتّب عليهم، وزيادة حصتهم من الإنفاق، وهددّهم بأن «أمريكا لن تدافع عنهم إلى الأبد»، كما لوّح بخفض مساهمة بلاده المالية في ميزانية الحلف.
الأسباب المباشرة للاستياء الأوروبي الأخير والحاد تجاه أمريكا و«الناتو» يعود إلى السياسات غير الواضحة للرئيس ترامب تجاه حلفاء «الناتو» الأكراد في الجزيرة السورية، حيث أدى الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية من تل أبيض ورأس العين إلى اجتياح القوات التركية لهما، في الوقت الذي تتواجد فيه قوات لأكثر من بلد أوروبي في منطقة شمال شرق سوريا، كما عزّز من موقف روسيا والنظام السوري، إضافة إلى ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي في مجمله متّفق على أن الاجتياح التركي للأراضي السورية لا ينسجم مع سياسات دول «حلف النانو».
تبدو فرنسا ماكرون رأس حربة أوروبياً في توجيه رسائل إلى واشنطن، للتعبير عن وجود خيارات وبدائل محتملة عن «حلف الناتو»، ومنها فكرة إنشاء جيش أوروبي موحّد، كان الرئيس ماكرون، في العام الماضي، قد دعا إلى تشكيله «عوضاً عن شراء الأسلحة الأمريكية»، وهو ما أغضب الرئيس ترامب.
الأوروبيون عموماً، وفرنسا وألمانيا على وجه الخصوص، باتوا على قناعة تامة أن الدور الأمريكي في ريادة العالم إلى تراجع، وأن الأهداف التي ترسم مصالح أمريكا وأجندتها في القرن الواحد والعشرين تختلف عما كانت عليه في القرن الماضي، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث سعت الولايات المتحدة إلى إنشاء «حلف الناتو» في إبريل/ نيسان عام 1949، في مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، ودول الكتلة الاشتراكية.
لكن المشكلة الأوروبية تكمن في أن انفراط عقد «حلف الناتو» من شأنه أن يزيد المخاطر الروسية والصينية على أوروبا، وهو ما لا يخفيه قادة عسكريون في الناتو، فقد احتّلت روسيا جزءاً من أوكرانيا في العام 2014، من دون أي اعتبار لردود الفعل الأطلسية، ويمكن لها أن تقوم بأفعال مشابهة في حال تفكك «حلف الناتو»، لكن وجود «حلف الناتو» في حالة أشبه بالعطالة هو أيضاً مضرٌّ بالمصالح الأوروبية، ما يربك الخيارات الأوروبية، التي تبدو في بعض الأحيان، على الرغم من حدّتها مجرد صفارات إنذار، أو تهديدات لفظية.
الاعتراف الفرنسي ب «الموت الدماغي لحلف الناتو» يعلن نصف الحقيقة، أما نصف الحقيقة الآخر فهو أن «دفن الميت» يبدو صعباً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"