الكذب مشكلات ومواقف محرجة

12:22 مساء
قراءة 18 دقيقة

الكذب أسهل الطرق للمشكلات والأزمات، تلك حقيقة أثبتتها الأيام. فالكذب لا يمثل سوى الدمار والهلاك والعزلة لأصحابه، فمهما طال الزمن واعتقد الشخص أنه أفلت بكذبته وحقق مكاسب كثيرة من ورائها، يأتي اليوم الذي ينكشف فيه أمره ويرفضه المجتمع وحتى من أقرب الناس إليه سواء كان من الزوجة أو الوالدين أو الأصدقاء، ومن تلتصق به هذه الصفة لن يستطيع أن يصححها مهما قوّم من سلوكه.

وعند الاطفال فالوضع يختلف كثيراً فرغم أنهم يسردون قصصاً بعيدة عن الواقع ولا تمت للحقيقة بصلة ويحلقون في عالم مختلف إلا أن هذه ظاهرة صحية يطالب الأطباء النفسيون بالتشجيع عليها ويعتبرونها نوع من ابداع الاطفال وفي الوقت نفسه يحذرون الآباء من قمع هذا الابتكار حتى لا يصابون بعقد نفسية.وتعد كذبة ابريل هي أشهر كذبة عبر التاريخ وسرد البعض العديد من القصص عن بداياتها ولكن حتى الآن مازالت الروايات غير دقيقة وكأنها هي الأخرى كذبة ابريل. في هذا الملف نفتح قضية الكذب ونروي أدق تفاصيل الكذابين وكيف وصلوا الى مرحلة المنبوذين من المجتمع ونسلط الضوء على سلوكيات الاطفال وقصصهم الخيالية ونتعرف أيضاً إلى قصة كذبة ابريل.

أعد الملف: هاني نور الدين

نهايته وحده وعزلة ودمار

كلمة السر في فشل العلاقات الإنسانية

الكذب سلوك مرفوض، يدمر العلاقات الانسانية ويفتح الباب على مصراعيه أمام الشك والوسوسة الأمر الذي يدفع صاحبه الى عواقب وخيمة ويهدد علاقته بالآخرين، ويساعد على تفاقم المشكلات والأزمات بين أفراد الاسرة والمجتمع. السطور القادمة تحمل قصصاً واقعية هوى اصحابها مع كذبهم في نار المآسي والجراح والمشاكل الاجتماعية والأسرية، فالبداية كانت كذبة والنهاية دمار في العلاقات الانسانية ووحدة وعزلة الى الأبد.

ملف أعده: هاني نور الدين

عن الكذبة التي أودت بحياتها الزوجية واستقرارها الأسري تقول علياء محمد: عشت حياة زوجية ترفرف عليها السعادة والأمان والحب والحنان الى أن سألني زوجي عن علاقتي بشاب ما كانت تربطني به علاقة عاطفية قبل زواجي فأنكرت الأمر كله بل وأتبعت ذلك بعدد من الكذبات حتى أؤكد صدقي وعدم معرفتي بهذا الشخص مما أدخل الشك الى زوجي وبدأ في التقصي مكتشفاً الحقيقة، ومن يومها ولم تفلح كل محاولاتي في الانكار أو اصلاح الأمر لأن الشك كان قد تمكن من زوجي واستبد به فأصبح يشك في كل تصرفاتي وأفعالي ويفكر فيها بطريقة خاطئة وغير صحيحة وبات الظن السيئ يرافق تفكيره دوما حتى وإن لم أفعل ما يستدعي ذلك مما حول حياتنا الى جحيم لا يطاق واتهام دائم بالغدر والخيانة وحاصرتني نظرات الشك والاتهام دوما مما جعلني أطلب الطلاق رغم حبي واحترامي له.

فقد دمرت كذبة صغيرة لم ألق لها بالاً حياتي الأسرية والزوجية وجعلتني حالياً أتجرع مرارة الوحدة والحزن والألم بمفردي بعد أن تحولت حياتي الى كابوس مزعج رغم أن سبب الكذبة علاقة عاطفية بريئة قبل الزواج وانتهت من زمن.

وتسرد سمية أحمد حكايتها مع الكذب وكيف أثر سلباً على حياتها الأسرية فتقول: تزوجنا بعد قصة حب طويلة وكنت أطيعه في كل صغيرة وكبيرة ولم أرفض له طلباً إلا منعي من زيارة بعض أقاربي مما جعلني أزورهم دون اخباره بهذا الأمر حتى لا ينزعج أو يغضب مني واستمر حالنا كذلك إلى أن اكتشف بالمصادفة خروجي بدون اذنه فما كان منه سوى اتهامي بالكذب عليه وحينها لم أجد مبرراً أدافع به عن نفسي ووعدته بعدم فعل ذلك ثانية.

وتضيف: هذا الوعد ومعاملتي المخلصة أو الصادقة معه لم تفلح في جعله ينسى ما حدث وبات يتذكر هذه الفعلة وكيف أن من يكذب مرة قد يكذب ثانية وثالثة بل وتجاوز الأمر لدرجة شكه في وأخبرني بأنه يتوقع الغدر والخيانة مني في أي وقت واستمرت حياتنا هكذا الى أن ضاق ذرعاً بي وافترسه الشك والوسوسة وانهارت حياتنا الزوجية وانهار معها احساس اطفالي الثلاثة بالدفء والأمان.

ويؤكد عبدالله محمد أن الكذب عواقبه وخيمة وانه حاول اخفاء أمر لقائه بخطيبته السابقة عن زوجته، حيث لجأت إليه ليساعدها في حل مشكلة وقعت فيها وكانت نيته الوقوف الى جوارها ومساعدتها على تخطي تلك الأزمة دون اي رغبة منه في خيانة زوجته بأي شكل من الاشكال الا أن علم زوجته بهذا الأمر قد أثار حفيظتها وأخرجها عن شعورها مما استدعى منه الكذب عليها وانكار فكرة رؤيته لخطيبته السابقة فما كان من زوجته الا تكذيبه ومواجهته بمن شاهدهما معاً. وباتت تطلق عليه صفة الكاذب وتنصح اولادها بعدم تصديقه أو اخذ كلامه على محمل الجد لأنه يخلط الصدق بالكذب دوما ولا يمكن تصديق ما يقول أو الوثوق به وبعباراته دوماً وهو ما حول حياته الى معاناة يومية حيث انتفى منها احساس زوجته بالأمان والاستقرار معه، أما هو فيعاني من الشعور بعدم الاحترام أمامها وأمام اقاربها واولادهما الذين ما عادوا يرون أباهم قدوة ومثلاً أعلى جديراً بالتقليد والاحترام مما ساهم في تفكك الاسرة وتشتتها، فكل منهم بات في واد مستقل لا علاقة له بالآخر بعدما افترسهم عدم الاحساس بالأمان والاستقرار والاحترام. وأصبحت الحياة الزوجية في مهب الريح وبات أمر انفصاله عن زوجته واقعاً ولحظة الطلاق قريبة للغاية، وذلك كله بسبب كذبة بيضاء على حد وصفه لم يلق لها بالاً لكنها خلفت الشك والوسوسة الذي اطل برأسه كالشبح مهدداً حياته الأسرية الآمنة والسعيدة وملقياً بظلاله السلبية على راحة وطمأنينة واحترام أولاده له.

أما خالد علي فيقول عن قصته مع الكذب: فتحت عيني على والدي الذي كان يتخذ من الكذب أسلوباً للحياة مما جعلني اقلده الى ان باتت كل حياتي مجموعة من الكذبات المتتالية التي لا تنتهي مما اوقعني في العديد من المشكلات والازمات ففقدت احترام الناس لي، لم استقر في أي عمل لمدة تتجاوز الأشهر لأن كذباتي تجعل رؤسائي لا يثقون في ولا يمنحونني الأعمال المهمة والحساسة كما أن كذبي كاد يقودني في احدى المرات للموت بعد أن اطلقت شائعة ما على احد اصدقائي فهم بضربي بشكل مبرح مما جعلني احاول الكف عن الكذب بعدها من دون فائدة وكأني اعتدت على هذا السلوك الذي بات يجري في دمي.

بينما يقول أنس حبش: كذبت على زوجتي بغرض التقويم والاصلاح فقلت لها في إحدى المرات أني قادر على الاستغناء عنها بالرغم من عدم قدرتي على ذلك إلا أن هذه الكذبة لا تزال تهدد حياتي واستقرارها لأنها سحبت سجادة الأمان من تحت اقدامي وجعلتني ابدو في حكم المتهم بالكذب مما أثر سلباً على حياتي الزوجية والأسرية.

ويضيف: أما على صعيد الصداقات فالكذبات التي تجرعتها على ايديهم كثيرة ومنها أن احد اصدقائي وهو جار لي استدان مني مبلغاً ووعدني برده في غضون ايام إلا أن الأمر استمر لأشهر طويلة مما جعلني الجأ للشرطة للمطالبة بحقي خاصة واني احمل وصل أمانة منه، إلا ان أكثر ما يضايقني هو كذبه علي فيما يتعلق بحاجته للمبلغ وتوقيت رده.

ويرى حبش أنه اذا ما كانت العلاقات الاجتماعية والانسانية تحكمها الصدق والصراحة فإن علاقات العمل تحتاج الى الصدق والصراحة والا انتهت قبل ان تبدأ، مشيراً الى تعرضه للكذب من إحدى الموظفات التي طلبت منه مساعدتها لأن كفيلها قد استحل اموالها فما كان منه سوى تخليصها منه ومد يد المساعدة لها لتعمل عنده مكتشفاً فيما بعد أن كل ما قصته عن معاناتها هو افتراء وكذب فما كان منه سوى الاستغناء عنها لأنه لم يعد يثق بها ويصدقها، فما بالك بأن يأتمنها على مصروفاته وامواله وان من كذبت مرة قد تفعلها مراراً لأنه يجري من الناس مجرى الدم بحيث لا يستطيعون الاستغناء عنه مولداً العديد من المشكلات الكوارث الانسانية.

وعن معاناته مع الكذب يقول سعيد السويدي: لا استطيع غفران الكذب تحت أي بند أو تبرير فالكذب سلوك اجتماعي مرفوض يولد العديد من المشكلات والازمات والكوارث ويقود صاحبه للهلاك ويفقده احترام وثقة الآخرين، فيتحول لشخص منبوذ اجتماعيا، وحيد يعاني الوحدة واليأس ومثلما حدث مع من كنت اعتبره صديقا لي فإذ به يختلق الكذبات الواحدة تلو الأخرى والتي كان منها الكذب على لساني محاولاً الايقاع بيني وبين عدد من اصدقائي الآخرين وافساد علاقتي معهم إلا أنني سرعان ما اكتشفت أمره بعد أن واجهته مع الآخرين ثم قاطعته وابتعدت عنه نهائياً، لأن انساناً بهذه المواصفات يتخذ من الكذب اسلوباً لحياته وطريقته لادارة علاقته بالآخرين شخص لا يستحق الاستمرار او التعامل معه لأنك تشعر بعد فترة وبمجرد اكتشاف أمره بأنه غير جدير بالاحترام والتقدير واذا ما كذب عليك في شيء صغير فقد يورطك في اشياء أكبر مما قد يوقعك في العديد من المشكلات والازمات التي أنت في غنى عنها خاصة وانك لا تستطيع الوثوق فيه مطلقاً مما يجعل أمر انهيار علاقتكما قاب قوسين أو أدنى.

وعن الآثار السلبية للكذب على حياتنا تقول مريم الفزاري رئيس قسم الخدمة النفسية والاجتماعية بمركز أبوظبي للتأهيل الطبي: الكذب سلوك غير سوي اجتماعياً، ومرفوض دينياً وأخلاقياً ويسبب الأزمات والكوارث الانسانية فالصراحة هي أساس نجاح العلاقات الاجتماعية سواء فيما بين الاصدقاء أو الاحباء وتضمن استمرار الترابط الأسري بين الأزواج فبدونها تنعدم الثقة وتزول ويتسرب الشك والغيرة إلى أي علاقة لتبدأ الأزمات وتنتهي بالفشل والانهيار حتى وإن كانت الكذبة صغيرة أو غير ذات قيمة لأن العقل البشري عندما يصطدم في أمانة وصراحة عزيز عليه فإن هذا التصرف يظل يلاحقه مفسداً عليه حياته وعلاقته بالآخر مولداً المشكلات تلو الأخرى.

ويضيف: هذا ما يفسر لنا فشل العديد من العلاقات وبخاصة الأسرية والزوجية حيث يفرغها الكذب من القيم الاجتماعية الجميلة مثل الصدق والاحترام المتبادل فيما بين الأزواج الذين بدورهم يشكلون المثل والقدوة لأطفالهم الذين إذا ما عاشوا في جو أسري معبأ بالكذب والشك والخداع فسيفقدون احترامهم وتقديرهم لأبويهم مما يؤثر سلباً فيهم نفسياً واجتماعياً ويفقدون الثقة بأنفسهم وبمن حولهم ويلجأون للكذب كوسيلة للإفلات من العقاب مما يوقع بهم في العديد من المشكلات التي تنتهي بكوارث حقيقية.

وتوصي الفزاري بضرورة أن يكون الصدق والصراحة هما الشعار الذي نرفعه وننفذه في كل مناحي حياتنا لأنه يرسخ علاقتنا الانسانية ويعلي من قيمتها ويمنحها الاستمرارية فالصدق وإن أغضب وأحزن قليلاً إلا انه في النهاية هو الأفضل والأولى ان نتبعه لأن احترام الطرف الآخر لنا سيزداد ويتضاعف حتى وإن غضب قليلاً من المصارحة والمكاشفة وحينها سيعم الأمان والسعادة والثقة على علاقتنا بالآخرين وسنغلق الباب في وجه الكوارث والمآسي التي يخلفها الكذب.

وعن رأي الدين الاسلامي في الكذب كسلوك اجتماعي يقول د. علي مشاعل كبير الوعاظ بدائرة الافتاء والبحوث الإسلامية بأوقاف دبي: ان الاسلام دين الصدق في القول والفعل حتى ان رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام قال في حديثه الشريف: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، ومن هنا فإن كل علاقة ومعاملة تبنى على الصدق والصراحة يكون نتيجتها الرضا والراحة والطمأنينة وأي علاقة تقوم على الكذب والخداع وعدم الصراحة يكون مصيرها الانهيار والزوال. ويضيف: الإيمان يتنافى مع سلوك الكذب فالمؤمن لا يكذب لأنه لا يخاف سوى من الله سبحانه وتعالى مما يجعله صادقاً في كل أقواله وأفعاله. كما ان الإسلام انتشر بالصدق في الاقوال والأفعال والمعاملات التي جعلت المسلمين في كل زمان ومكان مثار احترام وتقدير الآخرين الذين يتخذون منهم قدوة لصدقهم وابتعادهم عن الكذب الذي يفتح أبواب الشرور جميعاً على مصاريعها مخلفاً الأزمات والكوارث الانسانية مشوهاً ومدمراً العلاقات بين أفراد المجتمع المسلم مما ينال من ترابطه وتماسكه الذي هو السر في نجاحه وتقدمه.

يسردون قصصاً بعيدة عن الواقع ويحلقون في عالم مختلف

الأطفال لايكذبون لكن يتخيلون

كثيراً ما يفاجئنا الأطفال بالتحليق في عالم من نسج خيالهم ويسردون قصصاً لا تمت للواقع بصلة، ويعيشون في عالم مغاير للواقع ويتفاعلون مع الدمى والألعاب بصورة غير متوقعة.منهم من يقيم موائد الطعام لزملائه الوهميين، وآخرون يتحدثون عبر الهاتف مع أصدقاء ليس لهم وجود، وغيرها من التصرفات التي يعتبرها عدد من أولياء الأمور نوعاً من الابداع ويشجعون أولادهم عليها، وآخرون يعتبرونها كذباً ويقتلون قدرتهم على التخيل. فهل فتح الباب أمام التخيل هو الصواب، أم القمع وقتل الابداع التصرف المناسب مع هؤلاء الأطفال؟ قصص الأطفال ورأي الطب النفسي في هذا التحقيق.

تقول الطفلة سارة علي عبدالمجيد ذات الثماني سنوات: اقص على والدي الحكايات التي تحدث في الواقع سواء مع مدرساتي بالمدرسة أو زميلتي شيخة وعليا اللتين تشاركانني جميع احداثي المدرسية، حيث نلعب ونلهو ونمرح مع اضافة القليل من الخيال الى تلك القصص والحكايات، وهو ما يسعد والدي حيث يعكف على الانصات لتلك القصص بشيء من الاعجاب والانبهار لأنني قادرة على السرد بمنتهى الطلاقة ومن دون توقف وبحبكة منطقية بحيث لا يستطيع احد أن يميز الحقيقة من الخيال اللذين يمتزجان ليصنعا حكاياتي وقصصي، ويحاول والدي تنمية هذا الاتجاه عندي، إضافة الى تعليمي الفنون الأخرى وبخاصة الرسم الذي احبه وذلك لتنمية قدراتي وموهبتي وهواياتي وخيالي الذي هو الأساس لتحقيق أي حلم مهما بدا مستحيلاً على أرض الواقع.

بينما تتدافع الكلمات من بين شفتي اختها سما ذات الثلاثة أعوام مفعمة بالبراءة والفرح ومغلفة بالخيال الخصب الذي تتنقل بين مروجه الغناء لتسرد لي حكاية الديك صاحب الصوت المخيف الذي يأكل الأولاد الصغار ممن لا يسمعون أوامر أهلهم مع تجسيدها له وكيف يجري وراء الأولاد ويهم بالتهامهم في مشهد تمثيلي غاية في الروعة والاتقان والعفوية، ثم تنتقل في لمح البصر لحكاية العزومة الكبرى التي اقامتها لأصدقائها، وكيف انها طبخت لهم ما يحبون من طعام وحلوى مما جعلهم يشيدون بذوقها الرفيع في الطهي وتقديم الأطعمة، ناسبة الفضل في ذلك الى والدتها التي تعلمت اسرار وفنون الطهي على يديها ثم تأخذني في جولة لتعرفني بصديقاتها، وتدعوهن للسلام علي والحديث معي وكأنهم أناس من لحم ودم في مشهد تصويري رائع ومقنع. لتختتم قصتها بالقول: لو قدمت إلينا غداً سأقص عليك المزيد منها، إذ كل يوم هناك حكايات وقصص جديدة واقعية تنال اعجاب عائلتي حينما اقصها عليهم لدرجة لا يستطيعون القيام أو فعل أي شيء الا بعدما انتهي من سردها، كما يسألونني الكثير من الأسئلة ليتعرفوا على تفاصيل ما جرى مع صديقاتي اللواتي ألتقيهن في المدرسة التي اذهب اليها بصحبة اختي سارة وألعب مع صديقاتها وأنا أحكي ما جرى معي كي ادخل السرور على قلب والدي اذ اراهم في قمة السعادة وهم يستمعون لي كما ان والدتي تنافسني فتحكي لي قصصاً مثل السندريلا والشاطر حسن وغيرها حتى اخلد الى النوم بعد يوم مملوء بالقصص الصادقة والحقيقية.

والدهما علي عبدالمجيد مدرس يعلق على الخيال الخصب عند ابنتيه وبخاصة الصغرى سما بالقول: ابنتي الكبرى سارة امتازت قصصها وما تسرده لنا من احداث بالواقعية فجميعها احداث حدثت مع اضافة مسحة بسيطة من الخيال الذي يغلف تلك الحكايات، مما يمتعنا ويدخل السرور علينا.

ويضيف: أما اختها الصغرى سما فقد تفتحت مداركها على شقيقتها سارة وما تقصه مما حرك بداخلها شيئاً، ما وحاولت تقليدها وان تشد انتباهنا فبدأت في الاعتماد على الخيال في كل ما تسرده من حكايات وقصص واحداث واجابات عن تساؤلاتنا المختلفة، ورغم انها لم تذهب للمدرسة وليس لها صديقات أو زميلات إلا أنها ابتكرت شخصيات تحاكيها وتتحدث معها وتخبرنا تفاصيل ما يجري بينها مع قدرة رائعة على السرد بمنتهى الحبكة والمنطقية ومن دون أي توقف أو تلعثم وكأنها ترى ما يحدث أمام عينها، كما أنها ترسم وتحرك شخصياتها باقتدار وتمثل ما يجري بينها وتجسده بالحركات والايماءات والاشارات في لوحة فنية رائعة تدخل السرور الى كل أفراد الأسرة وتنجح في كل مرة في شد انتباهنا نحوها مهما كانت درجة انشغالها بسبب ادائها العفوي والعبقري وقدرتها على السرد والربط بين احداث قصصها وما جرى معها باحتراف واقتدار كبيرين.

وعن الاسلوب الذي يستوعب به هذا الخيال يقول: أحاول ووالدتها أن ننمي هذا الخيال لديها لا أن نقتله أو نحجمه حتى لا نميت بداخلها بذور الخيال والقدرة على الابتكار التي بدأت تتفتح لديها، كما أننا نحاول تنشيطه عبر الاستماع إليها دوما والسؤال عن أدق تفاصيل حكاياتها مما يشجعها على التخيل والسرد بطلاقة ودون أي تردد أو خوف كما ننمي هذا الخيال عبر قراءة العديد من قصص الأطفال عليها وتعليمها معاني الصور المختلفة.

كما نهتم تماما بقصصها لأننا نعلم جيداً أنه مجرد خيال وعلى عكس بعض الأسر غير المستنيرة التي تحاول وأد هذه الملكة عند أولادها بحجة أنه سيفتح باب الكذب على مصراعيه عندهم وسيعودهم الكذب وتكمن الطريقة المثلى في استيعابي لخيال اطفالي وتشجيعهم وتنمية ملكاتهم مما يعزز الثقة بداخلهم ويمنحهم القدرة على الابداع والخطابة دون أي خوف وبمرور الوقت ينضجون ليفصلوا بين الخيال والواقع فيكون الخيال في خطه واتجاهه المناسب والملائم الذي يسطر احلامهم بينما الواقع يحكمه الصدق في القول والفعل.

ويتعجب عبدالمجيد من تصرفات عدد من المدرسين ممن لا يجيدون التعامل مع الخيال الخصب للأطفال ولا يسمحون له بالخروج والنمو فيعمدون الى قتله حيث لا يجارونهم فيما يقولون كما أن المناهج التعليمية في كثير منها لا تأخذ تنمية الخيال بعين الاعتبار فهي مجرد مناهج للحفط والتلقين كي ينجح الطالب وينتقل من صف الى آخر مما يفوت فرصة تنمية الخيال عند اطفالنا وهو أمر غاية في الأهمية لأن الاختراعات والاكتشافات الكبرى بدأت بفكرة خيالية استطاع صاحبها أن يحولها الى حقيقة مجسدة على أرض الواقع صانعة تغيراً في تاريخ البشرية.

ويشير الطفل عبدالله عصام فهمي خمس سنوات الى أنه محب للغاية لأفلام spider man الذي يطير وينقذ الناس ويفعل المغامرات المختلفة سارداً العديد من القصص والحكايات على لسان شخصيته المفضلة وكيف أن صداقة قوية تربطه به متمنياً من أبيه أن يشتري له ملابس spider حتى يتمكن من الطيران معه والتحليق عالياً ليفعل كل ما يحلو له من مغامرات وبطولات.

بينما تقاطعه اخته شهد ذات الثلاثة أعوام لافتة انتباهنا الى عدم حبها لتلك الحشرات مثل spider man التي تخاف منها لأنها تأكل الأولاد الصغار بينما تفصح عن عشقها للعرائس الناعمة وبخاصة باربي التي تربطها بها صداقة حيث تخرجان للنزهة معاً كما أنها صنعت لها طعاما مميزاً نال استحسانها ومعها فلة وجميع صديقاتهن مما جعلهن يحببن شهد.

ويقول والدهما عصام فهمي: خيال أطفالي ينتزع مني السعادة والفرح والضحكات لقدرتهم على سرد وقص الحكايات الخيالية ذات الحبكة الدرامية المقنعة والجيدة وأحاول تنمية هذا الخيال عبر سرد القصص المؤثرة والمفيدة وبخاصة تلك التي تعكس القدرة والمثل الأعلى لشخصيات تاريخية عظيمة صنعت أمجادنا وبطولاتنا العربية والإسلامية كما أستمع لهم مجيباً عن كافة تساؤلاتهم مما يمنحهم المعلومات التي يبنون عليها خيالاتهم المختلفة.

ويضيف قائلاً: في بعض الأحيان أتخوف من خيالهم فقد حاول عبدالله تقليد SPIDER MAN عبر محاولة الطيران مثله مما جعلني أعيد التفكير في مشاهدته لهذه النوعية من الأفلام وتقليده لشخصيات وتصرفات أبطال برامج ما، مثل محاولة الطيران التي أضرت بأطفال كثيرين من قبل.

وتوضح علياء حسن كيف أن ابنتها ولاء تملك خيالاً خصباً ومتجدداً لدرجة تخيفها إذ انها دائما ما تختزن المعلومات والقصص والصور التي تشاهدها وتسمع عنها لتعيدها مغيرة بعض تفاصيلها بشكل مذهل وتتجول بين عدد من القصص المتداخلة والمتشابكة في وقت واحد وبقدرة رائعة على التجسيد.

وتعبر الأم عن قلقها من ان يستمر حال ابنتها هكذا مما يجعلها تنفصل عن الواقع وتعيش في الخيال وتتحول لكاذبة في المستقبل.

لكن ما هو دور الأسرة أمام هذا الخيال الخصب للأبناء؟ هل ينمون قدراتهم ويساعدونهم على الابتكار والتخيل؟ أم يكبتون سلوكهم خوفا من تحول هذا الخيال إلى كذب في المستقبل؟ حملنا هذه التساؤلات الى د. علي الحرجان استاذ الطب النفسي في الشارقة الذي اعتبر أن مرحلة الخيال طبيعية جداً عند الاطفال من سن 3 إلى 6 أعوام لأنه جزء من تكوينهم النفسي والجسدي إذ تبدأ ملكات التخيل في التكون والنمو لديهم مما يجعلهم يتخيلون الكثير من الأشياء حولهم ليسردوا لك قصصاً خيالية وكأنها جزء من الواقع وهذا أمر طبيعي لا يجوز الخوف منه أو أن نلصق بهم تهمة الكذب لأنه مجرد خيال، أما غير الطبيعي فهو أن ينزوي الطفل لساعات طويلة يتخيل الأشياء دون ان يتأثر بها أو يبادر إلى تجسيدها والتعايش معها فحينها يجب أن نعرضه على مختص لكن طالما ظل هذا الخيال متجدداً ونشاركه تفاصيله ويتفاعل معه فهو أمر مفيد.

ويشير الحرجان إلى ضرورة استثمار هذا الخيال عند الاطفال وتنميته عبر قراءة القصص والحكايات المفيدة عليهم والاجابة عن تساؤلاتهم مع محاولة غرس عدد من القيم والمثل عبر هذا الرد تدريجيا بما يسهم في ضبط هذا الخيال وصياغته بما ينفع ويفيد، وذلك من خلال الاستماع إلى كل ما يقولونه دون أي قمع أو تجاهل مع تعزيز دور الحوار والنقاش حتى تسهم في تنمية عقلهم البشري وملكات الخيال عندهم بما يفيدهم مستقبلاً.

ويحذر د. علي الحرجان من اللجوء إلى التوبيخ والقمع أو اتهام الاطفال في هذه السن بالكذب لأن ذلك يعقدهم نفسياً كما يقضي على الخيال والإبداع بداخلهم ويفقدهم الثقة بأنفسهم ويجعلهم عرضة للاضطرابات النفسية المختلفة.

تعددت الروايات حول أصلها

كذبة ابريل عادة عالمية سيئة

أصبح العالم مهووسا بكذبة ابريل/ نيسان التي أصبحت من العادات السائدة في المجتمعات المختلفة. وأصبحت الكذبة نوعا من المزاح الذي لا يسمن ولا يغني من جوع إلا تبادل الضحكات على شخص أخذته هموم الدنيا فلن ينتبه لما يحاك ضده فاستحق عن جدارة لقب ضحية كذبة ابريل/ نيسان. والغريب أن الناس أصبحوا يتقبلون هذا النوع من الكذب الأبيض مثله مثل تقبلهم برامج الكاميرا الخفية.

إعداد: محمد مزاحم

تتعدد الروايات حول أصل هذه الكذبة وتتضارب الحكايات حول النظريات.فيقال ان أصل الكذبة مقتبس من احتفالات الاعتدال الربيعي أي عندما يتحول الفصل من الشتاء إلى الربيع حيث كانت فرنسا أول من جعلت بداية السنة الجديدة في الأول من شهر يناير/كانون الثاني بعد أن كانت تبدأ في الأول من ابريل/ نيسان، وبعد القرار الفرنسي كان من يخطئ في يوم المعايدة يتعرض لسخرية الآخرين وكان الشخص المخدوع في فرنسا يطلق عليه لقب سمكة ابريل/ نيسان لأن سمكة ابريل/ نيسان تكون صغيرة فيسهل صيدها في إيحاء بأن من تعرض لكذبة ابريل/ نيسان غر وساذج كسمكة ابريل/ نيسان.

أما في اسكتلندا فإن الكذبة كان يطلق عليها اسم صيد البلهاء نسبة إلى من يقع في الفخ.

ويقال إن الهولنديين احتفلوا بالأول من ابريل/نيسان لأسباب تختلف عن نظرائهم من الأوروبيين، ففي عام 1572 كانت هولندا تحت حكم ملك أسبانيا فيليب الثاني، وكانت هناك مقاومة هولندية ضده وكان المقاومون يطلق عليهم اسم جيزين أي المتسولون. وفي الأول من ابريل/ نيسان عام 1572 استولى الجيزين على بلدة ساحلية تسمى دين بريل. هذا الحدث أدى إلى قيام ثورة مدنية ضد الأسبانيين في المدن اليونانية الأخرى ولم يستطع ديوك البا قائد الجيوش الأسبانية قمع العصيان، وكلمة بريل بالهولندية تعني نظارات وفي الأول من ابريل/ نيسان عام 1572 خسر البا نظاراته، فاعتبر الهولنديون هذه الحادثة مضحكة جدا وبدأوا بإحياء ذكرى الأول من ابريل/ نيسان.

وهناك قصة شوسر كاهن الراهبة التي كتبها منذ 1400 عام وتدور أحداثها في الأول من ابريل/ نيسان وهي قصة الديك والثعلب، أما الفولكلور البريطاني فيربط ما بين بلدة جوثام، الأسطورية للمغفلين في نوتينج هامشاير وبين يوم كذبة ابريل/ نيسان. وبحسب الأسطورة الموجودة في الكتب التاريخية البريطانية، فإنه كان من المعتاد في القرن الثالث عشر أن أي أرض أو طريق تطؤها قدم الملك تصبح ملكا للعامة. وعندما علم سكان بلدة جوثام أن الملك جون ينوي المجيء إلى البلدة، أعلنوا رفضهم السماح له بالدخول خشية أن يصبح الطريق الرئيسي في البلدة ملكا مشاعا. وعندما سمع الملك بذلك، أرسل جنوده إلى البلدة الذين ما إن وصلوا إليها حتى فوجئوا بسكانها يمارسون ألعابا غبية وصبيانية مثل محاولات إغراق السمك أو محاولة سجن العصافير والطيور في أقفاص من دون أسقف، وأعمالهم وحركاتهم الغبية والحمقاء هذه كانت مجرد تمثيل ولكنها نجحت في خداع الملك وأعلن أن البلدة حمقاء جدا لدرجة عدم وجوب معاقبتها. وهكذا كان يوم الأول من ابريل/ نيسان تخليدا لهذه الخدعة ورمزا لإمكانية خداع الآخرين ليصبحوا مثل الملك المخدوع.

هذه الروايات غيض من فيض ولكن الأبرز ما اعتاد الناس على القيام به في الأول من ابريل/ نيسان من كل عام، فالقصص المتناقلة تثبت أن الأول من أبريل أصبح يوم الكذب العالمي الذي يحتفل به في كل أنحاء العالم.

ففي الثمانينات من القرن الماضي أعلنت إذاعة بريطانية أن ساعة بيج بن الشهيرة سيتم تحويلها إلى ساعة رقمية وتلقت الإذاعة اتصالات معترضة وأعلنت شبكة البي بي سي اليابانية أن عقارب الساعة الشهيرة سيتم بيعها لأول أربعة متصلين حتى ان رجل أعمال يابانياً من وراء المحيطات اتصل عارضا سعره ليتبين أن الأمر برمته كذبة ابريل/ نيسان.

وأعلنت قناة تلفزيونية هولندية في الخمسينات من القرن الماضي أن برج بيزا الإيطالي قد انهار وتبين عدم صحة الخبر.

كما قامت القناة الرابعة ببث صور كاذبة عن احتراق أحد المباني الشهيرة مما أدخلها في مشاكل جمة. والأكاذيب لم تتوقف، فمن هجوم للزومبي إلى زرع أشجار السباغيتي مع الطماطم إلى اكتشاف تقنية لإجراء كشوفات مجانية للسرطان عبر الأقمار الصناعية واستخدام مياه الأمطار بدلا عن الوقود وانتقال الرائحة عبر الموجات الإذاعية إلى المشاهدين.

راديو وست دوتشي الألماني العام 1993 كانت له فكرة مبتكرة. وأعلن أن المسؤولين في مدينة كولون أقروا قانونا جديدا يفرض على ممارسي هواية الركض والمشي في حدائق المدينة الا يسيروا اسرع من 6 أميال في الساعة (9،6 كيلومتر في الساعة) حتى لا يزعجوا السناجب التي تتزاوج في تلك الفترة.

وقد يؤدي التعرض لكذبة ابريل/ نيسان إلى المزج بين الحقيقة والمزاح. ففي العام 2005 أعلن موت الكوميدي ميتش هيدبيرغ في الأول من ابريل/ نيسان إلا أن العالم لم يصدق الخبر ظنا أنه كذبة ابريل/ نيسان. حتى ان المزج بين اللعبتين الالكترونيتين ماريو وسونك والذي أعلن قبل أيام من يوم الأول من ابريل/ نيسان تم اعتباره في بداية الأمر مجرد مزحة. وفي الأول من ابريل/ نيسان العام 2007 تلقى موظفو مكتب غوغل في نيويورك بريدا الكترونيا يخبرهم بوجود أفعى طليقة في المبنى ومحذرة الموظفين من عدم اعتبار الخبر كذبة ابريل/ نيسان لأن الخبر صحيح، وكان الخبر صحيحا.

اليوم الذي يتبادل فيه الإيرانيون المزاح والكذب على بعضهم هو يوم الثالث من ابريل/ نيسان ويكون يوم الثالث عشر من السنة الإيرانية حيث يخرجون من بيوتهم لتبادل المزاح هربا من سوء حظ الرقم 13 ويعتقد أن هذا اليوم من الكذب يعتبر الأقدم في العالم لأنه يعود إلى العام 536 قبل الميلاد. أما في الدول المتحدثة باللغة الأسبانية فإن مزاحا يتبادل أيضا يوم الثامن والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول حيث يقوم الأبناء بسجن آبائهم ومعلميهم حتى يجلبوا لهم ما يريدون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"