رفيعة غباش: تاريخ الإمارات يزخر بأدوار ريادية للمرأة

ترصد في موسوعة ذاكرة المجتمع النسائي منذ 1900
01:48 صباحا
قراءة 6 دقائق

حوار: ميرفت الخطيب

انطلقت الدكتورة رفيعة غباش، في مشروع «موسوعة المرأة الإماراتية»، منذ أكثر من عشر سنوات، ليكتمل الآن، ويلتقي القارئ قريباً.
منطلق هذا المشروع بحسب د. رفيعة الطبيبة النفسية، أن صحة الإنسان النفسية تعتمد أساساً على ثوابت معينة، تتمثل بعلاقاته الإنسانية في انتمائه إلى وطن وثقافة ولغة وتاريخ وتراث معين، هذه مقومات الصحة النفسية في مفهومها، وعلى هذا المفهوم بنت مشروعاتها التي تدور في فلك ماهية دور الإنسان في هذه المرحلة من التغير الاجتماعي الثقافي السريع، الذي تواجهه المجتمعات الخليجية والعربية، وعبر ما يحدث في التواصل الاجتماعي لم يعد الناس ينظرون إلى هذه الثوابت، ولكن يبحثون عن القادم.
تعود إلى مشروعها، مشيرة إلى أنها في لحظة من القبض على الزمن، وهو لا يعني بالضرورة التوقف عن التطور، والتنمية والنمو، ولكنه أن نحافظ على كل ما قدم لنا من تاريخ وتراث، وهذا التاريخ يحتمل موسوعات كثيرة، ولكنها ركزت على أحد الأبعاد الأساسية، وهو المرأة في المجتمع ، ليس كيف كانت وماذا فعلت فقط، ولكنها ركزت على أسماء وتاريخ محدد من ذلك الزمن، بدأته بالبحث عن تاريخ النساء منذ عام 1900 وحتى الآن.
واستمر بحثها عن هؤلاء النسوة سنوات طويلة، وأعادت توزيع هذا التاريخ على أساس من الدور الوظيفي الذي قامت به تلك النسوة، فوجدت تاريخا يحمل أدوارا في السياسة، جمعته في مشروع أسمته «موسوعة المرأة الإماراتية» التي تتضمن سيرة 850 امرأة سيرة تفصيلية، وقد ذكرت في إطار هذه السير ألفاً من الأسماء، وبالتالي يعتبر الرقم انعكاساً لحقبة من هذا التاريخ.
ترحل دكتورة رفيعة في ذاكرتها نحو الماضي لتستذكر لمَ ولمن هذه الموسوعة وتقول: هناك مشروعات تستدعي التخطيط لها وهناك مشاريع أخرى قد تأتي من مشاعر إنسانية أو من موقف أو ذاكرة، وهذا المشروع متحف المرأة وموسوعة المرأة كلاهما أتى من لحظة تأمل للتغير الاجتماعي الثقافي للمنطقة.
وتستطرد : كانت رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها من جامعة لندن في بريطانيا وأنجزتها عام 1992 عبارة عن دراسة لحالة المجتمع الذي يمر بحالة اجتماعية، وبالتالي درست كيف يتأقلم هذا المجتمع مع المتغيرات وتحديدا على صحة المرأة النفسية، ويبدو أن هذا الموضوع ظل باقيا في داخلي، وفي فترة رئاستي لجامعة الخليج العربي في البحرين، كانت أمامي نماذج جميلة لنساء كن يحافظن على تاريخهن منهن الشيخة مي آل خليفة التي اعتلت فيما بعد وزارة الثقافة، وأبدعت في موقعها الرسمي وفي موقعها الاجتماعي من حيث استعادة تاريخ البيوت القديمة في المحرق.
تعلق د.رفيعة بالقول: أصبحت مسكونة بالسؤال هنا وهناك عن النساء اللاتي شغفت بقصصهن وسيرهن الحياتية، لذا قررت تحويل أول موسوعة من نوعها في الإمارات إلى موسوعة إلكترونية وعدم الاكتفاء بإصدار واحد، كي تستوعب قصصا وسيرا جديدة.
وتبدأ بسرد قصة الموسوعة وأولى خطواتها قائلة: أثناء عملي في أكثر من مشروع مثل «ديوان جدي حسين بن ناصر آل لوتاه» في العام 2006 كانت كل المصادر التي استعنت بها تعود إلى الآونة القريبة، وكانوا أحياء يرزقون، ولكن بعد سنوات قليلة أصبحوا اليوم غير موجودين بيننا منهم من توفاه الله ومنهم من فقد الذاكرة.
كذلك الأمر مع الناس الذين التقيتهم في مشروع تأسيس المتحف، رحلوا أيضا وهم يحملون معهم ذاكرتهم وذكرياتهم. لذا قررت أن أدون وعبر التراث الشفوي هذه المعلومات وهذا التاريخ الذي سأتركه للأجيال المقبلة وإلا فهي سوف تندثر مع من يموت، فدور الموسوعة هو أن تكون ذاكرة المجتمع النسائي في الإمارات، وهي تندرج تحت التراث الشفهي.
وتؤكد مؤسس متحف المرأة أنها ما زالت مستمرة بهذا المشروع مع الدكتورة مريم لوتاه ابنة خالتها وصديقتها ورفيقتها في كافة مشاريعها وأحلامها، معلقة بالقول: اكتشفنا من خلال بحثنا أن الإماراتيات ما قبل فترة الستينيات كان لهن مشاركات اقتصادية وثقافية وسياسية، واحتلت المرأة مساحة كبيرة في الاقتصاد. لذا كان في داخلي شغف للتعرف الى هذه المرأة.
ومن واجبي وغيري أن نحفظ لدولتنا هذا التاريخ. فالمرأة الإماراتية كان لديها ثقة بممارستها ودورها في كافة القطاعات بكل أنواعها.

مختارات

في البال العديد من القصص ترويها غباش كاشفة عن القليل من مكنونات هذه الموسوعة، فتقول: هناك أحداث صادفتني وأنا اسجل هذه الذاكرة منها مجموعة مميزة سأرويها لأعرف القارئ بطبيعة تلك النسوة، فخلال تسجيلي وبحثي عن النساء، كنت أقوم بزيارة إلى صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان لأهديه كتاب ديوان شعر لجدي الذي كانت معظم قصائده تبدأ بالكلام عن عجمان كونه عاش فيها فترة طويلة مثل قصيدته: «فضا عيمان ذكرني بناسي وذكرني الهوى ان كنت ناسي»، فسألني سموه عن عملي الحالي فقلت له إني أعمل بحثاً عن النساء فسألني هل كتبت عن جدة الشيخ عمار؟ فقلت لا سامحني، ومن هي حدثني عنها. فقال مريم بنت سيف.. فسألت وبماذا اشتهرت؟ قال اسألي عنها كان تعالج وتولد وتمرض.
ودونت اسمها وبعد سؤالي هنا وهناك وجدت حفيداتها وكن صديقاتي وفعلاً وجدتني أمام سيرة امرأة تستحق الذكر، فكانت هذه السيدة هي أم سيف الغرير.
الموقف الثاني حدث عندما كنت عند جمعة الماجد أزوره في المركز الثقافي سألني ماذا أفعل بعد تركي جامعة الخليج في البحرين، فأخبرته عن مشروع المتحف، فذكر أمامي 75 اسما للأقمشة القديمة وهي أسماء عجيبة وفريدة ومضحكة من التراث وإنها ذكرت أيضا في القصائد القديمة، كما أخبرته عن مشروعي الجديد موسوعة المرأة.
فسألني: هل كتبت عن «حنتومة»؟ فقلت: من هي؟ قال إنها أشهر بائعة سمك وكان لها دور إيجابي في المجتمع. فسألته أي فترة عاشت؟. قال: هل تعرفين د. عائشة الشارد؟ فقلت: الطبيبة. قال: نعم، اسأليها فهي حفيدتها.
وبما أن د.عائشة الشارد صديقتي فكرت أنها قد تحرج من سيرة جدتها كونها شخصية معروفة، واتصلت بها وراسلتها فكان ردها: لنا الشرف أن تكون جدتنا، ولكنها أيضا كان لها دور آخر لا تعرفينه وهو انها كانت مصلحة اجتماعية تحل مشاكل الحي وتوفق بين الناس بالخير.
المهم سعيت وحصلت على صورتها واسمها الكامل ونبذة عنها وأضفتها إلى الموسوعة. واليوم يقوم أحفاد «حنتومة» بزيارتها كل شهر في المتحف بعد أن أفردت لها مساحة خاصة.
وفي مرحلة لاحقة بدأت السير تتوافر وكانت هناك نماذج لا يمكن إلا التوقف عندها، منها الشيخة صنعاء، التي كنت أعرف سيرتها المميزة فهي صاحبة كتاب «مشاعري». وكنت أعرف سير حصة بنت المر وسلامة بنت بطي أم الشيخ زايد، عرفتهن من حديث الناس وليس عن قرب.
في احدى المرات كنت أتحدث عن الموسوعة فسألتني إحداهن هل تكلمت عن موزة المشغوني؟ قلت لا أعرفها. من هي؟ ولم أعط إجابة، وبدأت أبحث حتى توصلت إلى معلومات عنها وللأسف كنت قد تأخرت كونها توفيت قبل اشهر قليلة رغم محاولاتي الكثيرة مع بناتها ولكني استطعت ان أوثق سيرتها بأجمل ما يكون، وهي من أعلام النساء في عمل الخير، وهي جدة الإعلامي المتميز سعود بن سلطان القاسمي. وقرأت كلاما جميلاً عن سيرتها بعد موتها. فجمعتها وكتبت أنها امرأة ذات حضور استثنائي في المجتمع فكتبت لها نصاً ووضعته في المجموعة. وأثناء إجازتي في سويسرا، كنت استمع إلى التسجيلات القديمة مع امرأة من رأس الخيمة حدثتني عن شاعرة كانت تأخذ أي قصة وتحولها إلى قصيدة، وهذه المرأة توفيت السنة الماضية، وبحثت عن ابنتها وقالت لي أن اسمها مريم بنت العيان، وهذه المرأة بالنسبة لي كان من الضروري أن اذكرها في الموسوعة وأجمع أشعارها وقصائدها، كونها شاعرة وثقت الحياة الاجتماعية في رأس الخيمة بالشعر، وكيف سيكون لو لم أوثق عنها بنص واحفظ شعرها من الاندثار والنسيان.. وهذا هو دور الموسوعة حفظ تراث نسائي اجتماعي.
وتسرد غباش قائلة ان هذه القصص نماذج قليلة عما ما هو موجود في الموسوعة لأن الرؤية تتسع وهناك الكثير من السير التي يجب أن تذكر.
ختمت د. رفيعة غباش حديثها بالقول: هذه قصص مؤثرة وكل يوم كنت أتعرف الى نموذج يتفوق على النموذج الذي سبقه، ويروي قصة مختلفة، إلا ان إلهامي وتوقي إلى البحث في تاريخ النساء نابع بالدرجة الأولى من تأثري بوالدتي عوشة بنت حسين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"