عادي

رسائل المناورات المصرية - الروسية

00:54 صباحا
قراءة 4 دقائق
سياسي

د. محمد فراج أبو النور*

 المناورات البحرية المصرية – الروسية المرتقبة في البحر الأسود جسر الصداقة – 2020) تطور ذو دلالات هامة بالنسبة للنشاط العسكري المصري بقدر ما هي حدث يحمل رسائل مصرية – روسية إلى تركيا في المقام الأول.

يزيد من أهمية هذه المناورات – ورسائلها – أنها تجيء في توقيت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط وأطرافها توتراً شديداً يمتد من ليبيا إلى القوقاز – مروراً بسوريا والعراق – ويصل هذا التوتر إلى درجة الحرب بين أرمينا وأذربيجان حول ناجورنو كاراباخ.. وكلها أهداف تمثل تركيا قاسماً مشتركاً فيها.

 وبالنسبة لمصر، فإنها ترتبط بعلاقات تعاون عسكري واسعة النطاق مع روسيا منذ ما بعد ثورة (30 يونيو 2013) بما في ذلك إجراء مناورات مشتركة برية وبحرية وجوية وفي مجال الدفاع الجوي ومكافحة الإرهاب بدءاً من عام 2016، كما كان لروسيا دور بالغ الأهمية في تطوير القوات البحرية المصرية، بدءاً من إهدائها اللنش الصاروخي المتطور «مولينا -32» ثم تنازلها عن حاملتي طائرات الهليكوبتر من طراز «مسترال» الفرنسية لصالح مصر، بعد أن حالت العقوبات الأوروبية دون تسليمها إلى موسكو، ثم تسليح الحاملتين بحوالي 50 من طائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز (كاموف – 52) الشهيرة بالتمساح، فضلاً عن الأنظمة الالكترونية المتطورة.

 وكانت هذه الصفقة بداية لتطور ضخم شهده تسليح القوات البحرية المصرية لشراء (4) غواصات المانية حديثة ثم شراء فرقاطتين إيطاليتين متطورتين من طراز (زيم/ بيرجاميني) وغير ذلك من القطع البحرية الكبيرة والزوارق المتطورة التي اشترتها مصر أو تتفاوض على شرائها من الدول الكبرى – الأمر الذي جعل من البحرية المصرية قوة كبيرة حديثة.

ومفهوم أن كل هذه المناورات كانت تحمل رسائل تحذير لأنقرة في مواجهة عربدتها المنفلتة في شرق البحر المتوسط ودورها التخريبي في ليبيا.

 للمرة الأولى في البحر الأسود

إلا أن مناورات (جسر الصداقة – 2020) هي المرة الأولى التي تعبر فيها القوات البحرية المصرية المضائق التركية (الدردنيل والبسفور) لتصل إلى البحر الأسود، بما يحمل ذلك من رسائل حول قدرتها على القيام بعمليات بعيدة المدى – عبر المرور في المياه التركية (المضائق) لتقوم بمناورات واسعة ستشارك فيها القوات الجوية المصرية مع نظيرتها الروسية.. ومن المرجح أن يتم خلالها أيضاً اختبار قدرات مقاتلات «ميج- 35» وقاذفات «سو -35» المقاتلة المصرية لدعم العمليات البحرية.

 والرسالة هنا واضحة ومفادها أنه كما يمثل الوجود البحري التركي في شرق المتوسط (وبصورة خاصة في قاعدة مصراتة الليبية التي منحتها حكومة السراج لانقرة) فإن مصر قادرة على تشكيل تهديد مضاد لتركيا، والوصول إلى سواحلها – وبديهي أن الاسطول المصري في حالة الحرب – لن يعبر المضائق ليضرب السواحل التركية البعيدة.. فهذا مستحيل عملياً – لكن الجانب المعنوي هنا مهم جداً، بمعنى أنه إذا كنتم تعربدون بالقرب من شواطئنا.. فها نحن موجودون بالقرب من سواحلكم البعيدة..

كما تحمل المناورات بما تعبر عنه من قوة للأسطول المصري رسالة غير مباشرة إلى إسرائيل، حول التكلفة الممكنة للاشتباك مع الاسطول المصري.

 روسيا.. و«الشريك اللدود»

 بالنسبة لروسيا، فإنها لا تكف عن القيام بكل أنواع المناورات العسكرية في البحر الأسود، الذي يحظى بأهمية استراتيجية بالغة بالنسبة لها باعتباره منفذها على المياه الدافئة – الطريق إلى المتوسط عبر المضائق التركية.. وتطل عليه أهم قاعدتين بحريتين لها (سيفاستوبول.. في القرم – ونوفوروسيك) باعتبار أن البحر الأسود تطل عليه ثلاث دول أعضاء في «الناتو» هي بلغاريا ورومانيا على الساحل الشمالي الغربي، وتركيا بامتداد الساحل الجنوبي، أما أوكرانيا جارة روسيا من الغرب، وجورجيا، جارتها على الساحل الشرقي للبحر، فقد تمكنت موسكو من إفشال محاولة ضمهما إلى الملف.

لقد تصور أردوغان أنه يستطيع تحقيق أحلامه الإمبراطورية في المناطق المحيطة بتركيا من خلال اللعب على التناقضات المحتدمة بين روسيا والغرب، وتصدير المزيد من السلع التركية إلى روسيا وجذب المزيد من السياح الروس إلى بلاده، مقابل الحصول على الغاز والنفط الروسيين المطلوبين لبلاده بشروط تفضيلية، والأهم.. الحصول على الأسلحة الروسية المتقدمة مثل صواريخ (400- S) وغيرها.. كما تصور أردوغان أن بإمكانه التعويل على نزعة بوتين البراجماتية للاتفاق على تقاسم النفوذ في مناطق مثل سوريا وليبيا.

 غير أن أطماع أردوغان التوسعية المحمومة وكذلك سياسته الداعمة للإرهاب، كان لابد أن تصطدم بالمصالح والمواقف الروسية، وكان هذا ما رأيناه في مصر، حيث دعم أردوغان «الإخوان» وأنشطتهم الإرهابية، بينما قدمت موسكو دعماً غير مشروط لثورة (30 يونيو) وللقوات المسلحة المصرية وجهودها في مكافحة الإرهاب.

 وهذا أيضاً ما رأيناه في سوريا، حيث كان لوجود القوات الروسية أثره الحاسم في قلب موازين القوى ولجم الأطماع التوسعية التركية، وتوجيه ضربات قاصمة للإرهاب، بما في ذلك في إدلب وحلب وشرق الفرات.  وهذا أيضاً ما حدث في ليبيا حيث ساعدت موسكو في بناء قوة (الشرق) والجيش الوطني (حفتر) في مواجهة الإرهاب وحكومة «الوفاق» المستندة اليه.

 المناورات والحرب الأرمينية – الأذرية

 أطماع أردوغان في القوقاز زادت، خاصة في أذربيجان الغنية بالنفط والغاز، المجاورة مباشرة للحدود الروسية، كانت هي أيضاً مما لا يمكن لموسكو السكوت عليه

 الأمر الأخطر هو أن أردوغان لجأ إلى نقل المرتزقة الإرهابيين من سوريا وليبيا إلى أذربيجان للمشاركة في القتال ضد أرمينيا.. وهذا ما يهدد بتوطين الإرهاب في القوقاز وامتداد نيرانه إلى القوقاز الشمالي (جنوب روسيا) بعد أن عانت موسكو طويلاً لإخماده في الشيشان وجيرانها..

 لهذا كان موقف بوتين قوياً وواضحاً في إدانته الدور التركي في أذربيجان.. وكانت دعوة مصر للمشاركة في المناورات البحرية رسالة لأردوغان مفادها استقدم مزيداً من الدعم لأعدائك الأقوياء في ليبيا وشرق المتوسط.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"