عادي

مهرجانات السينما.. عودة الروح إلى «الفن السابع»

22:53 مساء
قراءة 4 دقائق
1
1
1

مارلين سلوم

قبل عام، كان المشهد مبهجاً، وكانت السينما بألف خير، تستقبل زوارها بكل بهجة، وتقام لها الأعراس في مختلف أنحاء العالم. كان الذهاب إلى الصالات جزءاً من مشاريعنا الأسبوعية، أو على الأقل الشهرية، والمكان المناسب جداً للقاء الأصدقاء، والاستمتاع بمشاهدة أحدث إنتاجات الشركات العالمية، وبعد انتهاء العرض يدور النقاش والجدل على أبواب الصالات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. 

هذا كان قبل أن يحل «كوفيد-19» بكل كوارثه على العالم، فيحرمنا من متعة العيش مع الأحلام، والخيال، والقصص، والإبداع الفني، وتغلق الصالات أبوابها، ثم تفتحها بعد أشهر لاستقبال نصف عدد الجمهور مضطرة. وكان من الطبيعي أن تلغى أعراس «الفن السابع»، وتتوقف المهرجانات، ويتراجع الإنتاج، إلى أن خرج من يتحدى الظروف، ويعلن عودة الحياة وفق الشروط الجديدة، وكل وسائل الوقاية، والتعقيم. وعادت المهرجانات السينمائية، والتحدي العربي تمثل في مهرجان الجونة السينمائي الدولي الذي استقبل ضيوفه وعشاق السينما قبل أيام بالكمامات وبالشكل التي يتلاءم مع زمن «كورونا».

لم تشهد السينما أسعد أوقاتها، ولم تحقق أعلى إيراداتها في 2020، ولا يمكن مقارنتها بالأعوام السابقة، خصوصاً أنها خرجت من 2019 منتصرة، ومحققة ارتفاعاً في مجمل الإيرادات عالمياً، حيث بلغت إيرادات شباك التذاكر حول العالم 42.5 مليار دولار، لتقفز قليلاً عن رقم الإيرادات السابق في 2018، الذي بلغ 41.6 مليار دولار. والسبب في التراجع لا يعود إلى نوعية الأعمال، ولا كم الإنتاج، بل بحكم الإغلاق الذي فرضه الوباء، وعاد ليفرضه مجدداً في مناطق من العالم. حتى عودة العروض إلى الصالات جاءت خجولة، بسبب خوف فئة من الناس من خطر انتشار العدوى في الأماكن المغلقة، ووسط الزحام، وبسبب تخفيض أعداد المشاهدين داخل الصالات، حرصاً على التباعد وسلامة الناس.

خسارة كبيرة

مجمل ما حصلته السينما العالمية من إيرادات شباك التذاكر في العام الحالي خجول، ويقترب من حدود الملياري دولار فقط. هذه الأرقام تترجم فعلياً خسارة كبيرة منيت بها السينما العالمية في أقل من عام، ولا يبدو أن النهضة المحتملة التي قد تحدث جراء إطلاق بعض المهرجانات في أنحاء متفرقة، وعرض بعض الأفلام القوية التي كانت على خريطة 2020 وتراجعت خوفاً من ضعف الإقبال والإيرادات، تنقذ «الفن السابع» ولكنها تبث الأمل من جديد في النفس، وتشجع الشركات على الإنتاج أملاً في تراجع للوباء وقفزة مهمة للأرباح.لن ندخل في تفاصيل الأفلام التي تم عرضها في المهرجانات، لأن العودة بحد ذاتها هي الإنجاز الأهم، والأكبر، وتنشيط الحركة السينمائية أصبح ضرورة، كي لا تتفاقم الخسائر، خصوصاً أن السينما جزء لا يتجزأ من حياة البشر، والملاذ الأول لكل إنسان في كل الأوقات، سواء كان معزولاً داخل منزله، أو منطلقاً في الخارج. في سبتمبر/ أيلول الماضي، شهدنا فعاليات النسخة الخامسة والأربعين من مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، والتي تمت بنجاح، ولكن عن بُعد، حرصاً على سلامة الجميع. وأكبر تظاهرة سينمائية في أمريكا الشمالية جاءت «افتراضية»، بينما انطلقت احتفالية أخرى مهمة أيضاً، بالحضور المباشر والاحتفالات المميزة و«المكممة»، مع «مهرجان فينيسيا» السينمائي الدولي. إيطاليا التي عاشت كابوساً حقيقياً حوّلها إلى ما يشبه مدينة الأشباح، حيث فتك الوباء بعدد كبير من أهلها، نهضت مجدداً لترتدي أجمل أزيائها وتعود إلى الحياة من بوابة الفن والسينما، مستقبلة نجوم العالم في الدورة 77 لمهرجانها السينمائي الدولي. «فينيسيا» تحدت وسارعت إلى إقامة مهرجانها السينمائي لتفتح مجدداً باب الأمل أمام هذه الصناعة، وأهلها، فتلحق بها دول أخرى لتقيم بدورها أعراسها السينمائية في مواعيد مختلفة مما تبقى من هذا العام.

السجادة الحمراء

إسبانيا التي نالت نصيبها هي الأخرى من «كورونا»، وعاشت تحت وطأة الخوف، والكابوس، وتفشي الوباء، والحجر الصحي، والعزل، فتحت هي الأخرى أبوابها مطلقة الدورة 68 من مهرجان «سان سيباستيان» السينمائي الدولي في سبتمبر/ أيلول أيضاً. الحدث لا يقتصر، كما جرت العادة، على حضور النجوم والسجادة الحمراء والأزياء والعروض السينمائية، والحوارات والورش الفنية، بل الحدث الأول تقرأه في عيون كل من يحضر المهرجانات الحية، ويتجسد في الفرحة بلقاء الجمهور والتواصل المباشر مع الناس، واستمتاع النجوم بنظرة الإعجاب في عيون محبيهم، وهتافاتهم لهم. لحظات تبدو كأنها لقاء الشوق بين الأحبة بعد طول غياب. «سان سيباستيان» احتضن 5 أفلام كان تم اختيارها من قبل مهرجان «كان» السينمائي الدولي، والذي لم ير النور، ليفتح لها باباً آخر تطل من خلاله على الجمهور ولجان التحكيم وتنافس في السباق الفني الأجمل.

أما عربياً، فلم يتجرأ سوى الأخوين ساويرس على مواجهة الأزمة بالتحدي، وبالتنسيق مع وزارة الصحة المصرية طبعاً، والحرص على تطبيق كل شروط السلامة والحماية من «كورونا». وفتح «الجونة السينمائي الدولي» أبوابه ليستقبل النجوم والإعلاميين والحضور «في الهواء الطلق»، ما يساعد في تحقيق الحماية بشكل أفضل، ويريح الحضور من القلق والخوف في ظل وجود «كوفيد-19» في كل أنحاء العالم.

شروط السلامة

السبحة ستكر، وفرحة أهل «الفن السابع» في مصر، والعالم العربي، ستكتمل بانطلاق الدورة 42 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ويستمر حتى العاشر منه، بعدما تم تأجيله حرصاً على تأمين أفضل شروط السلامة الصحية، حيث كان من المفترض أن يعقد دورته الحالية من 19 إلى 28 نوفمبر/ تشرين الثاني.

ينشغل الناس، وتتسلط الأضواء على فساتين النجمات، وتنطلق المقارنات و«الاستطلاعات» على وسائل التواصل «أيها الأجمل وأيها الأسوأ»؟ بينما الأهم والجوهر الأساس من هذه المهرجانات، هو الحركة السينمائية وتنشيط الصناعة، والحاجة الملحة إلى استمرارية وجود هذه «القوى الناعمة» في المجتمعات، ودعم الشباب لإنتاج أحلامهم في مشاريع وأفلام قصيرة، وطويلة.

طبيعي ألا تتمكن السينما العالمية والعربية من تعويض الخسائر التي منيت بها في 2020، إنما علمتنا التجربة والمحنة أن لا حدود للإبداع، وأن الفن يصل إلى الناس، ويسافر مخترقاً كل المعوقات، والحواجز، وقد تحولت العروض من الشاشات السينمائية إلى الشاشات التلفزيونية، ويكتمل الحضور واللقاء الفني افتراضياً، إن تعثر فعلياً، وواقعياً. والمهرجانات هذا العام هي الجائزة الكبرى للجمهور، وللنجوم، وللسينما، وصناعتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"