المعاشات التقاعدية والجائحة.. جرس إنذار لدول الخليج

22:10 مساء
قراءة 3 دقائق
1

وليم طعمه *

إن التقاعد، كما يتراءى لكثير منا على الأقل، يمثل السنوات الذهبية من عمرنا ويجب أن يكون وقتاً للاسترخاء والاستمتاع بالثمار المالية المدخرة على مدى حياة المرء من العمل الشاق.

ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أنه من المرجح على نحو متزايد أن تنفد أموالنا خلال فترة تتراوح بين ثماني سنوات وعشرين سنة من التقاعد، وفقاً لبيانات المنتدى الاقتصادي العالمي. وبحلول منتصف هذا القرن، سيكون أكثر من واحد من كل خمسة منا، فوق سن الستين؛ أي ضعف الأرقام المسجلة في عام 2015. 

وتواجه دول الخليج تحدياً أكبر مما تواجهه العديد من الدول الأخرى من حيث توفير متطلبات المتقاعدين في المستقبل، وذلك بسبب نموذج التقاعد الذي أصبح غير مستدام بشكل متزايد، في ظل زيادة عدد السكان وارتفاع متوسط أعمارهم، فضلاً عن تقلص إيرادات المواد الهيدروكربونية.

سمح عصر النفط للدول المصدرة للنفط الخام في المنطقة بتقديم مزايا مدى الحياة للمواطنين، وغالباً ما يعمل المواطنون على استخدام هذه المزايا من سن التقاعد المبكر. وفي الوقت نفسه، يحصل المغتربون على مكافأة على أساس سنوات الخدمة؛ الأمر الذي لا يشجع على التخطيط المستقل للمعاشات التقاعدية ويُعطي شعوراً زائفاً بالأمن المالي.

وحتى قبل ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد، كان قطاع المعاشات التقاعدية يكافح من أجل تحقيق عائدات للمدخرين؛ إذ أثقل عقد من أسعار الفائدة المنخفضة، كاهل قطاع المعاشات التقاعدية. وقد ازداد الوضع تدهورًا في الأشهر الأخيرة مع تصاعد الديون الحكومية وتوقف المزيد من الناس عن العمل - وقد أصاب كل هذا الوعاء العالمي للمعاشات التقاعدية.

والمعضلة الأساسية التي يواجهها قطاع المعاشات التقاعدية في جميع أنحاء العالم واضحة الآن، ومع ذلك لم نستوعبها تماماً، كما يشير أحدث تقرير لمؤشر معاشات معهد ميرسر للمعاشات التقاعدية.

ويوضح التقرير أن ما يقرب من نصف خطط المعاشات التقاعدية المحددة، يتوقع أن تخفض الاستحقاقات على مدى العقد المقبل، غير أن 70% من المستفيدين يتوقعون أن يتم دفع الاستحقاقات على النحو الموعود، وهنا تكمن المشكلة.

لقد ساعدنا التطور كبشر على الاستجابة للتهديدات الفورية، ولكننا لا نزال أقل قدرة على الاستجابة لتهديدات أكبر في المستقبل. ومع ذلك، فقد أظهرت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد  19)، أن العديد من الأمور التي نعتبرها أمراً مفروغاً منه، لم تعد مضمونة، بما في ذلك سبل عيشنا. وبهذا المعنى، ربما جعلتنا الجائحة على الأقل أكثر استعداداً للنظر إلى ما هو أبعد من تحيزنا المعرفي الذي يُعطي الأولوية لما هو فوري، ويتملص مما هو على المدى الطويل.

بيد أن ذلك الأمر لا يزال يضعنا جزئياً على الطريق نحو التخطيط الكافي لتقاعدنا.

وقد أظهرت الأبحاث أن التعقيدات والطبيعة المالية الخاصة لقطاع المعاشات التقاعدية، يمكن أن تكون منعطفاً بالنسبة للناس، خاصة عندما تكون هناك أولويات مالية أكثر إلحاحاً للتعامل معها، كما هو الحال الآن بالنسبة لكثيرين تأثر عملهم سلباً بسبب الإغلاق هذا العام.

وبات تحسين الثقافة المالية أمراً ملحاً بشكل خاص في جميع أنحاء الخليج، لضمان تثقيف الجمهور حول حاجتهم الخاصة للتخطيط للمستقبل في عصر سيشهد العبء المالي للتقاعد بشكل متزايد، الانتقال من الدولة إلى الفرد.

كما تعد الاستدامة عاملاً رئيسياً يجب أخذه بعين الاعتبار. إن تغير القاعدة الاقتصادية في الخليج، والذي في ضوئه ستصبح عائدات النفط مصدراً متناقضاً للدخل الحكومي، وسيحتاج القطاع الخاص إلى توليد مزيد من فرص العمل، يعني أن نموذج الاستحقاقات القديم لم يعد مستداماً.ونشهد اليوم نقطة تحول تتطلب نموذجاً جديداً للمعاشات التقاعدية، مصمماً لتلبية الاحتياجات المحددة لهذه المنطقة، في ضوء تحولها إلى مستقبل أقل اعتماداً على النفط.

والخبر السار هو أن المظهر الديمغرافي الشبابي المميز لدول الخليج يعني أنها على الأقل لديها مزيد من الوقت لتطوير مثل هذا النظام، مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى التي لديها معدلات أعمار أكبر سناً بين سكانها.

ولكن ذلك ينبغي ألا يشتتنا عن الحاجة الملحة إلى الإصلاح. ومن هذا المنطلق، علينا العمل الآن، إذا أردنا أن يكون واقعُ تقاعدنا مطابقاً لرؤيتنا.

*الرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين (CFA)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"