عادي

البنوك تجني ثمار سنوات من الاستثمار في الرقمنة

22:25 مساء
قراءة 7 دقائق
1
1

إعداد: عبير أبو شمالة

كان الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة والرقمنة والذكاء الاصطناعي الشغل الشاغل لقطاع الخدمات المالية عالمياً، وكان الحديث عن التطور الرقمي المادة الأبرز على مستوى اللقاءات والحوارات الصحفية مع بنوك الإمارات والبنوك العاملة في الدولة على مدى السنوات القليلة الماضية. فالبنية التحتية المتفوقة والذكية للدولة وفرت للقطاع المصرفي المناخ الأمثل للتوسع في هذا المجال لتثبت البنوك العاملة في الدولة نجاحاً لافتاً في تدابير التحول والعمل عن بعد. وتوفر بذلك نموذجاً فعالًا وتجربة مهمة تستفيد منها القطاعات الاقتصادية الأخرى.
واستطلعت «الخليج» تجارب البنوك في مجال التحول للعمل عن بعد وأبرز التحديات التي واجهتها في هذه المرحلة الي تشهد تغيرات استثنائية غير مسبوقة، وعرضت البنوك تجربتها أولاً على المستوى الإنساني وحرصها على توفير مناخ العمل الصحي السليم لوقاية الموظفين والعملاء من الفيروس في ذات الوقت الذي سعت من خلاله إلى عدم السماح للحالة الراهنة بالتأثير على مستوى خدماتها للعملاء.
قال بنك الإمارات دبي الوطني إنه في ضوء التطورات الراهنة على صعيد انتشار فيروس «كوفيد-19»، وانطلاقاً من حرص البنك على سلامة وعافية العملاء والموظفين والمجتمع بأكمله، فقد بدأ منذ شهر مارس باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية التي تشمل مختلف جوانب عمله، عملاً بالتوجيهات الصادرة من حكومة الإمارات وتماشياً مع الإرشادات العالمية، حيث قام اعتباراً من يوم الإثنين الموافق 30 مارس 2020، بتحويل عملياته من نموذج العمليات المنفصلة إلى العمليات الأساسية، حيث يتعين على جميع الموظفين الالتزام بالعمل من منازلهم حتى إشعار آخر، ما لم يتم إبلاغهم من قبل مديريهم المباشرين بخلاف ذلك في حال كانوا من ضمن مجموعة محددة من الموظفين الذين تتطلب طبيعة مهامهم التواجد على رأس عملهم.
أما بالنسبة للموظفين غير القادرين على العمل من المنزل، فقد منحهم البنك إجازة خاصة مدفوعة الأجر ولن تؤثر على رصيد إجازاتهم السنوية أو المرضية.
وقال البنك إنه تم تعليق عمل خدمات بعض الفروع بشكل مؤقت. وسيبقى الموظفون المعنيون في منازلهم، وقد يطلب منهم الالتحاق بالعمل في مواقع أخرى خلال هذه الفترة إذا اقتضت الحاجة. وسيتم منح الموظفين إجازة خاصة مأجورة خلال هذه الفترة تزامناً مع إغلاق الفروع.
وقام كذلك بتوفير مزيد من الخيارات المرنة لأولياء الأمور العاملين سواء الأمهات أو الآباء.
ووفر للموظفين التقنيات المطلوبة لإجراء الاجتماعات افتراضياً أو المشاركة في جلسات تدريبية حيّة عبر الإنترنت مع تقديم المشورة المستمرة حول الاحتياطات الأمنية أثناء العمل عن بُعد.
كما أطلق البنك موقعاً إلكترونياً مصغراً لضمان بقاء موظفيه على اطلاع دائم على أحدث المستجدات، كما خصص خطاً ساخناً لتمكينهم من التحدث عن أية مشاكل أو مخاوف تواجههم.

فريق متخصص

أما بنك رأس الخيمة الوطني فلديه فريق متخصص من قسم استمرارية الأعمال لضمان الاستجابة الفعالة على نطاق البنك لتفشي فيروس كورونا. ويراقب الفريق أحدث الإنذارات والنصائح المحلية والدولية باستمرار، ويتخذ البنك الإجراءات اللازمة وفقاً لذلك. ويعمل أغلب موظفي البنك حاليّاً من المنزل لوقف انتشار المرض، ولفت إلى أن جميع الموظفين والإدارة يبذلون قصارى جهدهم لوقف انتشار الفيروس بالعمل من المنزل إلا إذا كان لتواجدهم في مقر العمل ضرورة ملحة.
بالإضافة إلى ذلك، يتخذ البنك إجراءات داخلية ضد الفيروس لحماية موظفيه الذين يتطلب منهم التواجد في الفروع أو المكاتب. وقد اعتمد البنك نظام التباعد الاجتماعي الذي يلزم الموظفين المتواجدين في الواجهة الأمامية في الفروع والمكاتب بعدم الدخول إلى الكافتيريا والأماكن المشتركة عبر الإغلاق التام ويتم تذكيرهم باستمرار باتباع تعليمات السلامة في جميع الأوقات.
واتخذ البنك إجراءات وقائية للحد من تفشي فيروس كورونا، مثل تثبيت ماسحات حرارية في مقرات البنك والتعقيم الدوري لجميع المباني. كما تم تعليق الدورات التدريبية الكبيرة واجتماعات العملاء والمؤتمرات والتجمعات الكبيرة من أي نوع قبل استلام التعليمات التي وجب تطبيقها من مختلف السلطات. وتم الحد من السفر داخل البلاد وخارجها لحماية الموظفين وبالتالي حماية العملاء من خطر التعرض للفيروس.
وحول تقييم البنك تجربة العمل عن بعد قال إن الحقيقة المرة هي أنه لم يكن بوسع أي مخطط لاستمرارية الأعمال أن يتصور الوضع الذي يعيشه العالم بأسره في هذا اليوم. ومع ذلك، تأقلم البنك بقدر المستطاع علماً أن الوضع يتغير باستمرار وعلى مدار الساعة.

التواصل الرقمي

وطلب البنك من العملاء استبدال زيارات الفروع أو المكاتب بالبدائل المتاحة عبر نقاط التواصل الرقمية. وذلك يشمل آلات الصراف الآلي والإيداع الإلكتروني التي يتم تعقيمها بانتظام كإجراء وقائي، بالإضافة إلى استخدام خدمات بنك رأس الخيمة الوطني الرقمية للعملاء من فئات الأفراد والأعمال والشركات. وعلاوة على ذلك، يعمل مركز الاتصال ومديرو العلاقات بجهد أكبر من أي وقت مضى على استيعاب جميع عملاء البنك، كما كرس خطوطاً هاتفية مخصصة لكل قطاع من البنك من أجل خدمة العملاء بأسرع وقي ممكن. وتشمل هذه الحلول، على سبيل المثال لا الحصر، تأجيل السداد، الإعفاء من الرسوم وخفض أسعار الفائدة التي يتم معظمها على أساس كل حالة على حدة حتى يتم توفير خطط مخصصة ومرنة وفقاً لاحتياجات كل عميل.
وحول المخاوف المتعلقة بسرية المعلومات وتحدي فتح أنظمة العمل خارج المكتب قال متحدث من البنك إنه يدرك أن السرية تشكل مصدر قلق كبيراً عندما يتعلق الأمر بالعمل من المنزل، ولكن إدارته لإدارة المخاطر وأمن المعلومات قد وضعت خطوط دفاع قوية عندما يتعلق الأمر بأنظمة التشغيل الخاصة بموظفيه للعمل عن بعد، ما يضمن عدم تعريض الأمن والسرية للخطر.
وحول تأثير العمل عن بعد في إنتاجية الموظفين قال البنك إن موظفيه على وعي بوجود أهداف وإنجازات يجب تحقيقها هذا العام. وبطبيعة الحال، فقد تغير كل ذلك بسبب تفشي فيروس كورونا. وقد شكل ذلك دافعاً لهم للعمل بجد أكبر لأنهم يدركون أن العملاء والمجتمع ككل يحتاجون إلى الشعور بالاطمئنان من ناحية سير العمليات كالمعتاد، وأن البنك ملتزم بدعم احتياجاتهم المصرفية وحل مشاكلهم المالية. وتساهم كل إدارة وكل موظف في البنك في استمرارية عملياته.

الاستراتيجية الوطنية للابتكار

قال محمد عبد الرازق، الرئيس الإقليمي للمعلومات لمنطقة إفريقيا والشرق الأوسط في بنك «ستاندرد تشارترد» إن منطقة الشرق الأوسط تعتبر مركز انطلاق العديد من المبادرات التطلعية التي تقودها كل من السلطات الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء. وباتت الرقمنة مكونّاً أساسياً لأبرز اللاعبين في المنطقة كدولة الإمارات. على سبيل المثال، طبّقت دولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية للابتكار، الهادفة إلى تشجيع الابتكار والتطوّر من خلال سلسلة من القطاعات ذات الأولوية في الدولة، التي تشمل قطاع النقل والتكنولوجيا والصحة. وفي السياق عينه، تعتبر «مئوية الإمارات 2071» بمثابة مبادرة وطنية ضخمة تهدف إلى تحقيق المزيد من الرقمنة، وإلى تسليط الضوء على التطورات التكنولوجية والمعرفة، حيث تصبح في مقدمة الأولويات.
وأطلق البنك منصة للإعداد الرقمي في الإمارات، وتمكّن العملاء عبر هذا البرنامج من الحصول على خدمة مؤتمتة بالكامل لإصدار بطاقة ائتمانية.
 وقال إنه من خلال النظر إلى منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، نرى الزيادة الملحوظة بنسبة طلبات المستهلكين لكل من الخدمات المصرفية الرقمية وعبر الهاتف. وقد ظهر ذلك بشكل جليّ في استطلاع الرأي الأخير ل «ديلويت»، حيث أظهر أنه من الممكن إقناع حوالي 58% ممّن يمتلكون التطبيقات المصرفية عبر هواتفهم الذكية من التحول إلى استخدام الخدمات المصرفية عبر الهاتف فقط. وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، فلدى منطقة الشرق الأوسط أحد أعلى مستويات امتلاك الهواتف الذكية في العالم. ويبلغ عدد الاشتراكات في الهواتف الذكية في الإمارات ضعف عدد سكانها، ما يدل على أن الدولة مهيأة بشكل تام لاعتماد نظام الخدمات المصرفية عبر الهاتف. 

تثقيف المستهلكين

وقال إن بعض المستهلكين قلقون حيال الآثار المترتبة على الخدمات المصرفية الرقمية، التي تتضمن أخطار الأمن السيبراني. وعلى رغم واقعية هذه المخاوف، تتمكّن المصارف من التقليص من خطورة تهديدات الأمن السيبراني وبناء الثقة ضمن قاعدة المستهلكين. ومن المرجّح أن يتجنب المستهلكون التقنيات المعقدة بالنسبة لهم، وان يتجهوا أكثر نحو التقنيات السهلة الاستخدام.
 في المقابل، على البنوك والمؤسسات والسلطات المالية فتح الباب أمام تثقيف المستهلكين وتوعيتهم حول تعزيز كل من المعرفة المالية والقنوات الرقمية. وبينما يضمن ذلك معرفة المستهلكين بالحلول الرقمية التي يستخدمونها، يضعهم أيضًا في موقع آمن يمكّنهم من التخفيف من معدل الأخطار التي قد تطرأ على رؤوس أموالهم. ويساهم تعزيز وعي المستهلك في ترسيخ العلاقة بين المصارف والمستهلكين.
 ونفذ البنك وظائف أمنية متينة لضمان حماية المستهلكين وبياناتهم. كما أطلق المصرف عددًا من مبادرات محو الأمية المالية الهادفة إلى تعزيز وعي المستهلك ومعرفته.
ولفت إلى أنه باستطاعة المصارف الملمّة بالعالم الرقمي مواصلة تزويد العملاء بالخدمات المصرفية والمالية، بالإضافة إلى ضمان استمرارية الأعمال والتقليص من انتشار الوباء. كما من المفترض أن تشهد المصارف التي تمتلك منصات رقمية تدفقًا كبيرًا في كمية طلبات العملاء خلال هذه الفترة. كما سبق أن ذكرنا، تشجّع المصارف والمؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم عملاءها على استخدام منصاتها المصرفية إلكترونيًا وعبر الهواتف الذكية.

عمليات الدفع الرقمية

وأشار محمد عبد الرازق إلى أنه في هذه المرحلة بالذات، تعتبر عمليات الدفع غير الملموسة، أي تلك الرقمية أو الإلكترونية أو التي تتم عبر الهاتف، وسيلة آمنة كي يدير الناس احتياجاتهم المصرفية. وعلى الرغم من الإيجابيات التي يجلبها هذا الأمر للمصارف على المدى القصير، إلا أنه لا يزال من المبكر معرفة كيفية تغييره سلوك العملاء في المستقبل.

بيئة عمل مرنة

وقالت نيكول ويتوورث، الرئيس الإقليمي للموارد البشرية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا في بنك «إتش إس بي سي» إن التحول إلى بيئة عمل مرنة وعن بعد ليس بالأمر الجديد بالنسبة لموظفي البنك في الإمارات. فلقد أتاح افتتاح مقر البنك المتطور في وسط مدينة دبي قبل عامين تقريباً إمكانية وضع معايير جديدة لموظفيه، وكذلك تغيير طريقة عملهم وزيادة تركيزهم على العملاء. ويتمتع مقر البنك الجديد بالأساس بالتقنيات الذكية وهو مصمم لدعم بيئة عمل مرنة تتكيف مع كل الظروف، ما يتيح لموظفي البنك الخيار والمرونة في كل وقت وكيفية ومكان العمل. ولذلك، وفي ظل هذه الظروف غير المسبوقة، تمكن البنك من التكيف بسرعة وتوظيف إمكانات العمل من المنزل، وبالتالي ضمان سلامة العملاء والموظفين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"