عادي

الحضور الفرعوني في روايات نجيب محفوظ

22:34 مساء
قراءة 3 دقائق
ث

القاهرة: «الخليج»
بدأ مشروع نجيب محفوظ الروائي، بتصور زمني، أبدع في إطاره الروايات الثلاث الأولى، ثم بدا له أن قيود التدرج التاريخي تعوق وثباته لملاحقة الراهن، وهو الغاية الماثلة، من ثم تعددت المداخل والأساليب بين الرومانسي والواقعي والرمزي والملحمي والتجريبي، كما تنوعت الأشكال الفنية ما بين استصفاء الرواية أو القصة القصيرة، وبين تنوير مساحة أو مد خيط في النسيج يصل ما بين الطبقة الصلبة الأمينة على المكنون، والطبقة المكشوفة المعجونة بعرق الحياة، وفي جملة الأحوال ظل الحضور الفرعوني مهيمناً على المعنى ومؤثراً في التشكيل طوال رحلة محفوظ الغنية بالاحتمالات.
آثر د. محمد حسن عبدالله في كتابه «جماليات الحضور الفرعوني في روايات نجيب محفوظ» استخدام لفظ «جماليات» تأكيداً لحق النص، وإن كان التاريخ سابقاً عليه، وهذا الرابط بين النص والتاريخ مما لا يصح إهداره، دون أن يستهلكنا البحث عن التناظر أو الاختلاف، فالروائي ليس مؤرخاً، ولا معلماً للتاريخ، كما أراد جورجي زيدان من سلسلة رواياته «تاريخ الإسلام» من ثم يكون من واجب القراءة أن تتلقى النص منحصراً في ضفافه، وضفافه الألفاظ، لكن هذا ليس الحقيقة الكاملة.
روايات خمس
يشير الناقد إلى أنه عند سماع «مصر القديمة» في سياق مع اسم نجيب محفوظ ينصرف الاهتمام إلى الروايات الثلاث الأولى: «عبث الأقدار – رادوبيس – كفاح طيبة» لكن من القصور الاجتزاء بها عن الامتداد الذي استغرق أو يكاد زمن الإنتاج السابق واللاحق، ففي مجال السرد سنجد روايتين لاحقتين: «أمام العرش» 1983 و«العائش في الحقيقة» 1985 وهذه الروايات الخمس تضع الزمن الفرعوني وشخصياته وقيمه وتصوراته وصراعاته في مركز الاهتمام، حتى وإن هدف بعض منها إلى أن يرسل ومضة إلى الحاضر، ليكتشف جانباً فيه يحتاج إلى تنبيه الوعي، أو حشد الخبرة بالماضي لتوديع المستقبل، وهنا سنجد مساحة هذا الحضور الفرعوني تتشكل فتمتد أو تنحسر حسب مقتضيات الرؤية وطبيعة التشكيل الفني.
هناك قصتان أشار إليهما حسن البنداري في دراسته «فن القصة القصيرة عند نجيب محفوظ» وهما مما لم يضمه نجيب محفوظ إلى مجاميعه: عفو الملك أوسر كاف (مجلة الرواية أول ديسمبر 1938) عودة سنوحي (مجلة الثقافة 15 يوليو 1941) هذا هو المدى الذي يتحرك في محيطه مؤلف هذا الكتاب (جماليات الحضور الفرعوني) إنه لا يتحيز في مساحة زمنية لنقول إنه يمثل مرحلة معينة، إن هذا الحضور جوهري شديد التواشج مع طبائع العصر، وهذا الانتشار ما بين البدايات حتى آخر مراحل الاستطاعة، يؤكد لنا أن الحضور الفرعوني في وجدان الكاتب كامن، يسير الاستدعاء، مثل ذكريات الطفولة.
يتوقف المؤلف عند كتاب صغير ألفه جيمس بيكي بالإنجليزية وترجمه نجيب محفوظ (الطالب الجامعي) عام 1932 وكان في العشرين من عمره، يمكن أن نعد هذا الكتاب الصلة العلمية الفنية المنظمة المجسدة بمصر الفرعونية، من حيث أنه يرسم صور الحياة اليومية في العاصمة، كما في الريف، ويعنى بشخص فرعون، كما يعنى بالفلاح والصياد، ويصف المعارك كما يصف النيل والحقول ومساكن الفقراء وطبائعهم، إنه «الخميرة» المبكرة التي تفاعلت وسنجد فيه إشارات محددة، وجدت لنفسها مكاناً في روايات الكاتب، مثل تكرار الإشارة إلى الحكماء ومكانتهم، ووصف المدن وصفاً يقربها إلى مشاهد المدينة الحديثة، وهناك تفاصيل أخرى تظهر مدى تأثر نجيب محفوظ في رواياته الثلاث الأولى بهذا الكتاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"