ما معنى “خير القرون قرني”؟

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
في كتب الأحاديث باب خاص بعنوان "كتاب الفتن"، وأنا أنصح كل مسلم بأن يقرأ هذا الباب بتمهل وتمعّن، لأن أحاديث الفتن مثل الحساسات التي تركبها مصانع السيارات في السيارات .
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلع على الغيب إلا ما أطلعه عليه ربه، لذا فإنه أخبر عن بعض تلك المغيبات، لكن من خلال أحاديث الفتن، حيث ستجد محاذير كثيرة ومنبهات أكثر لما سيقع في آخر الزمان، وهي من أشراط قيام الساعة .
يقول حذيفة بن اليمان، رضي الله تعالى عنه: "كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟
قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن .
قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر .
قلت: وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها .
قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكملون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟
قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" (رواه البخاري) .
أقول يبين هذا الحديث العظيم مراحل حياة المسلم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا اليوم الذي نعيشه، وكيف أن المسلم في صدر الإسلام كان عزيزاً والخير غالباً على الشر، ثم كلما ابتعد المسلمون عن عصر النبوة والرسالة، ابتعد الخير عنهم وزادت قوى الشر .
وإذا لم يستطع الغيور على دينه أن يقاوم الشر فإن الإسلام لم يكلفه فوق طاقته، فأمره بالاعتزال .
وذكر ابن حجر في "فتح الباري" عن الطبري أنه قال: "متى لم يكن للناس إمام (سلطان) فافترق الناس أحزاباً، فلا يتبع أحداً في الفرقة، ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر" .
ومتى وجد جماعة مستقيمة على الحق، لزمه الانضمام إليها وتكثير سوادها، والتعاون معها على الحق، لأنها والحال ما ذكر هي جماعة المسلمين بالنسبة إلى ذلك الرجل وذلك المكان .
ومعنى "خير القرون قرني"، أن الأفضلية للقرن الذي بُعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" (متفق عليه) .
وفي رواية أخرى: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعدهم يتسمنون ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها" (رواه الترمذي والحاكم) .
يقول المناوي في "شرح الجامع الصغير" للسيوطي: خير الناس قرني أي: أهل عصري من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم، يعني أصحابي ومن رآني، ومدتهم مئة وعشرين سنة من البعثة .
ثم الذين يلونهم أي عهد التابعين، وهم من مئة إلى تسعين، ثم الذين يلونهم، أي عهد أتباع التابعين، وهم إلى حدود العشرين ومئتين، ثم ظهرت البدع وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتحن أهل العلم بالقول بخلق القرآن الكريم، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن .
وذهب ابن عبدالبر إلى أن الخيرية راجعة إلى المجموع، وذهب الجمهور إلى أن الخيرية ترجع إلى الأفراد .
قال ابن حجر: "والذي يظهر لي أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمنه، وأنفق شيئاً من ماله بسببه، لا يعدله في الفضل أحد بعده، وأما من لم يقع له ذلك فهو محل بحث، ومن وقف على سير أهل القرن الأول علم أن شأوهم لا يلحق" .
ويقول الحسن البصري وهو شيخ التابعين: "لقد أدركنا أقواماً وهم الصحابة أهل القرن الأول، كنا في جنبهم لصوصاً"، ثم قال: "ذهبت المعارف وبقيت المناكير، ومن بقي اليوم من المسلمين فهو مغموم" .

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"