تجار الأزمات وسد النهضة

04:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

تجارة الأزمات أحد أشكال التجارة التي ارتبطت بالوجود الإنساني منذ القدم، وأصبحت تشهد رواجاً وانتشاراً كبيراً في زماننا؛ يمارسها أفراد ضد أفراد، ومؤسسات وهيئات ضد نظيراتها، وجماعات «مصالح» ودول ضد دول أخرى، في إطار مساعٍ لهدمها أو تركيعها أو السيطرة على قرارها.
بعض الدول والجماعات والهيئات لديها إدارات سرية لصناعة وترويج ونشر الأزمات بين من تستهدف النيل منهم، وذلك في إطار صراع المصالح وسعي أطراف لهدم أخرى.
كورونا هي الأزمة الأحدث في العالم، وقد جندت الصين كامل قطاعاتها وهيئاتها لإدارة هذه الأزمة، والحد من انتشار الفيروس اللعين للخروج من حربها معه بأقل الخسائر، في حين أن دولاً وجماعات في الطرف الآخر تسعى للاتجار بالأزمة واستغلالها في وقف انطلاقة التنين الصيني وعرقلة نموه الاقتصادي، وتقليم أظفاره سياسياً.
في محيطنا العربي، تعرضت دول في المنطقة لأزمات منذ ما يسمى «الربيع العربي»، أسهمت في صناعتها وترويجها أطراف داخلية وخارجية وإقليمية ودولية من تجار الأزمات، ونجحت بعض دولنا في إدارتها لتخرج من هذا المستنقع مصابة، ومنها من تعافى، ومنها من لا يزال تحت العلاج، في حين فشل البعض في إدارة الأزمة، ولا يزال غارقاً في المستنقع الذي يهدد سيادته بل ووجوده.
مصر كانت هدفاً أساسياً لصناع وتجار الأزمات منذ ال 25 من يناير / كانون الثاني 2011، ولعلها أصبحت أكثر الدول تعافياً بفضل حسن إدارتها للأزمات المتعددة، وعلى الرغم من ذلك لم ييأس العابثون، ولا يزالون يحاولون الاتجار بأزمات تبددت وذهبت أدراج الرياح.
إحدى الأزمات بقيت أداة يحاول العبث من خلالها المتآمرون بأمن واستقرار مصر والمنطقة، وهي أزمة سد النهضة التي توصلت، مؤخراً، مصر وإثيوبيا والسودان إلى حلول ترضي الجميع بوساطة أمريكا والبنك الدولي، وخلال أيام سيُعلن عن الاتفاق في صيغته النهائية، وستلتقي بعدها القي ادة السياسية للدول الثلاث للتوقيع على الاتفاق.
خيبة جديدة وضربة قاضية لصناع الأزمات من جماعة «الإخوان» وشقيقاتها من جماعات الإرهاب ورعاتها في الإقليم وفي الخارج، بعد أن فشلت مخططاتهم، واستحالت أحلامهم أوهاماً وسراباً بفضل حنكة القيادة والدبلوماسية المصرية التي رفضت الانجرار وراء مشعلي الحرائق، والراغبين في حروب لا تبقي ولا تذر بعد أن ملأوا الدنيا صراخاً وعويلاً على مصير المصريين، متوهمين قدوم يوم يجف فيه النيل، وتعطش مصر ويباد أهلها جوعاً وظمأً.
أزمة سد النهضة، ارتبطت تنفيذياً بأزمات مصر المتلاحقة منذ 2011، والحل أيضاً جاء مرتبطاً بحلول هذه الأزمات تباعاً.
ففي يناير 2011 بدأت أحداث الغضب، وغرقت مصر في حالة من الفوضى والفلتان وغاب القرار، وكادت الدولة تتفكك لولا حكمة قواتها المسلحة، وتزامن مع ذلك بدء إثيوبيا في بناء سد النهضة، وبدأت «مصر يناير» تتحرك بلا وعي، والتقى عصام شرف رئيس وزراء ميدان التحرير بميلس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك بلا نتيجة، ثم كان الاجتماع «المسخرة» للرئيس الإخواني محمد مرسي، والذي كانت وقائعه المسربة عاراً على مصر الحضارة والتاريخ، وتتالت اللقاءات والمفاوضات، لتصاحبها محاولات شيطانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإشعال الشارع ضد الحكومة.
تعددت اللقاءات والاجتماعات بين الأطراف الثلاثة منذ 2014، ومنها لقاءات قمة لدفع المفاوضات إلى مسار التفاهم والتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، لا ينال من حصة مصر من المياه، ولا يصادر على حق إثيوبيا في التنمية.
ونتيجة تكثيف جرعات الظلام والسواد، تسرب اليأس إلى صفوف المصريين، وأصبح مستقبل المياه حديث المقاهي والمصاطب والمكاتب، حديث من يعي ومن لا يعي، وتملّك الغضب الناس خوفاً من مستقبل مجهول، ووحدها القيادة وأولي الأمر يصرون على أن لا أحد يمكنه تعطيش مصر، ملوحين بطرق غير مباشرة بأن كل الخيارات متاحة، لتهدئة الناس، وبالفعل صدقت القيادة في ما وعدت وخلال أيام يتم التوقيع، ولعله يخرس ألسنة تجار الأزمات.
مهم جداً أن نتعلم من الدروس والتجارب، وندرك أنهم لا يريدون لنا خيراً، وأنه عبر التاريخ ثبت أن المساس باحتياجات مصر الأساسية لن يحدث، ولن يقبل به قائد وطني ولا شعب مسؤول.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"