الكتابة في الإمارات انفتاح على ثقافات مختلفة

نقاد مصريون يثمنون حركة الإبداع في منطقة الخليج:
04:53 صباحا
قراءة 9 دقائق

واجهت البيئة الخليجية وضعاً معيشياً جديداً بعد اكتشاف النفط الذي مثّل قفزة متسارعة في النمو الاقتصادي وتأسيس الدولة الحديثة في الخليج على أثر الخروج من قبضة الهيمنة الاستعمارية البريطانية التي فرضت عزلة قسرية على الأقطار الخليجية عن امتداداتها الطبيعية. وظهر الأدب الخليجي ليشكل إضافة نوعية في التجربة العربية بأساليبها ومضامينها، فالإبداع في الخليج عموما، والإمارات خصوصا، لا يختلف كثيرا عنه في باقي الأقطار العربية الأخرى سواء على مستوى البدايات أو المراحل التي مر بها أو القضايا التي تناولها، مثل تصوير المجتمع الجديد الذي ظهر بملامح وروح وعلاقات إنسانية جديدة، ومواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والانتقال من مجتمع بسيط إلى مجتمع متحرك ناهض.

التغيرات التي حدثت في دول الخليج هي التي دفعت بالرواية لتكون منافسا أساسيا للشعر الذي لا يزال يشكل السيادة في الساحة الأدبية الخليجية على الرغم من تنامي الفنون الأدبية الأخرى كالقصة القصيرة والمسرحية وظهور جيل جديد من الكتاب يكتب الرواية بالمفهوم الحديث التي تعد امتدادا للرواية الأوروبية مع احتفاظها بهمومها المحلية الخاصة واحتفاظ كل بلد بخصوصيته الأدبية تبعا لظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومع حدوث هذه التحولات ظهرت أجناس أدبية جديدة تنافس الأجناس التقليدية التي كانت تتفاوت ما بين النبطي والفصيح في الشعر والسير والحكايات كبديل للسرد الفني الذي ظهر في القصة القصيرة مع عبدالله صقر، وظهور جيل من الكتاب على رأسهم الدبلوماسي راشد عبدالله النعيمي بروايته الأولى شاهندة الصادرة عام 1971 وهي الرواية الرائدة في الإمارات، والأولى في التاريخ الأدبي الإماراتي، وفتحت التجارب أمام الروايات الأخرى، وفي عام 1974 كتب محمد غباش روايته الأولى، لكنه لم ينشرها وكانت تحمل التسلسل الثاني على صعيد الرواية في الإمارات، ثم جاءت إسهامات علي أبو الريش ومحمد علي راشد وآخرين. وهناك عدد من الأسماء الروائية المرموقة التي حققت حضوراً لافتاً على مستوى الخليج والساحة العربية بأعمالهم المتميزة.

ويرى الدكتور يوسف نوفل أن الشعر له حضوره الواضح المميز في بيئات الخليج والجزيرة العربية بوجه عام، وفي وسط هذه الجزيرة الشعرية لك أن ترى قمما بارزة ونتوءاً أكثر شموخاً من غيرها بطبيعة الحال يصب ذلك كله في نتيجة هي الوجود الفعلي للشعر العربي في تلك البيئة المتكاملة، فمثلا بالنسبة للشعر السعودي أذكر أنني قدمت كتباً عدة في هذا المجال هي: قراءة في ديوان الشعر السعودي، وأدباء سعوديون، وفي الأدب السعودي رؤية داخلية.

كما أنني قدمت أول كتاب الكلام للدكتور نوفل عن شعراء دولة الإمارات العربية المتحدة بهذا الاسم مصحوبا ببلوجرافيا وذلك منذ أكثر من عشر سنوات.

وفي الإمارات نرى نهضة أدبية واضحة جداً لمستها بنفسي مطلع التسعينات - يقول الدكتور نوفل - وذلك بفعل وجود أكثر من مؤسسة أدبية وفنية على غرار اتحاد الكتاب في الشارقة، والنهضة الثقافية الأدبية الموجودة في أبوظبي، إلى جانب ميلاد وظهور جوائز مرموقة أثبتت وجودها حسب التاريخ مثل جائزة سلطان العويس، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وها هي في دورتها الثانية وقد أعلت من شأن الأدب والأدباء، بخاصة فن الرواية بالإضافة إلى جائزة بوكر العربية.

أريد أن أقول إن هناك نهضة أدبية في الإمارات يقف وراءها محركون إيجابيون يدفعون بالحركة الأدبية هناك إلى الأمام دوما، وهناك مجالات أدبية جيدة تشجع حركة النشر، إلى جانب نشر الكتب والدواوين، بما يعني أن الطفرة المادية الناجمة عن الثروة النفطية حتى قبل ارتفاع أسعارها أخيرا أحسنوا توظيفها في رعاية الحركة الأدبية بمختلف وجوهها، وأصبحنا نرى نتاجا أدبيا إماراتيا يحتل الشعر الصدارة فيه بلا جدال، يليه الفن القصصي، يليه الفن المسرحي، وهناك كتاب بارزون في هذا المجال.

ورغم حداثة التجربة الروائية الإماراتية إلا أنها أظهرت عددا من الروائيين الذين تركوا بصمة واضحة في مسيرة الرواية الإماراتية والعربية، وقد ارتبطت تحولات الرواية الإماراتية بالبيئة المكانية المستوحاة من المكان والبيئة الزمانية التي تلقي بظلالها على المنتج الأدبي، وبالتالي فإن التوجه الأول للإبداع بوجه عام في الإمارات كان توجها رومانسيا بحكم أن الخط الرومانسي لا يمكن إغفاله في أي عمل أدبي مهما كانت واقعيته.

وبعد ذلك بدأ انعكاس الإحساس بالثروة النفطية والتحول في المجتمع والاختلاط الحميم بالمجتمعات الأخرى، كما نرى ذلك بوضوح عند القاص الإماراتي محمد المر الذي يصور الطبيعة الخاصة للمجتمعات الإماراتية وبخاصة تلك المدينة العالمية دبي، فصورها خير تصوير من خلال تفاعل الآخر مع الجنسيات الأخرى وامتزاج الحضارات والتفاعل بين الأجناس البشرية وأثر ذلك في الهوية العربية.

أما الروائي محمد جبريل فيرى أن الإبداع الخليجي يتسع إلى أشكال كثيرة جدا وغنية من الناحية الفنية والجمالية وتدل مجددا على مرونة الأجناس الأدبية وأشكالها المفتوحة، وهناك إبداعات متفوقة بكل المعاني لا تقل إن لم تتفوق على نظيراتها في البلدان العربية الأخرى، وهذا يرجع إلى ما يتميز به الأدب الخليجي من الانفتاح على ثقافات مختلفة حيث يتاح له القراءة ومعايشة آلاف التجارب من خلال الجاليات المقيمة هناك والموقع الحساس والظروف الاقتصادية والسياسية والخطر الذي يتهدد الأمة العربية جميعا وينعكس ذلك في كتابات الأدباء، ويحرص الخليج دوما على التواصل مع كل التيارات الأدبية في الوطن العربي، ومن السهل قراءة الواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع الخليجي من خلال بنية النص الأدبي التي لا توجهها أيديولوجيا معينة ومن السهل استخراج اللحظة الإنسانية الدقيقة التي تتصارع فيها النوازع المتناقضة من خلال لغة سرد بسيطة وشفافة تدعو إلى التأمل العميق.

وينفي الروائي ابراهيم عبدالمجيد أن تكون الرواية الخليجية إفرازا للوفرة النفطية وإنما هي تطور طبيعي للعلم والثقافة، فالرواية الخليجية بدأت من حيث انتهى الآخرون فكتبوها واستلهموا روحها، لكن لا يزال الشعر هو سيد الموقف لأنه الأقدم وهو جزء من البيئة الصحراوية التي تتلاءم مع الشعر عكس البلاد النهرية مثل مصر والعراق التي كثر بهما الحكايات والأساطير.

أما الناقد الروائي محمد القصبي فيرى أنه خلال العقد الأخير شهدت الأجناس الأدبية في الخليج تطوراً نوعياً وكمياً ملحوظاً من حيث الأفكار ومضمون الكتابة، واليوم أصبحت المرأة تكتب بشكل مكثف، عكس ما كان يحدث في الماضي من الكتابة بأسماء مستعارة، وكثير من الأديبات تمتعن بموهبة أدبية جيدة كما أن مسابقة أمير الشعراء أفرزت أصواتا شعرية أكثر من جيدة.

ويضيف القصبي: تتداخل الأجناس الأدبية في الأدب الخليجي بشكل واضح وقد مر هذا الأدب بنفس المراحل التي مر بها الأدب العربي، فالقصيدة الإماراتية بدأت بالشكل العمودي والأغراض التقليدية كالغزل والرثاء والمسائل الدينية التي كانت تطرح المسائل الفقهية شعرا وتطورت القصيدة في المراحل الأخيرة إلى القصيدة الإنسانية.

وأصبح لدى الكثير من شعراء الخليج فلسفتهم الخاصة وموقفهم من الحياة وسط كم هائل من النصوص التي تنتج هنا وهناك في جغرافية الإبداع العربي بمختلف ألوانه واتجاهاته.

ويشير القصبي إلى أن حصيلة الإنتاج الروائي الإماراتي منذ أول رواية في الإمارات شاهندة 1971 لراشد عبدالله وحتى أواخر 2007 وهو 40 رواية ليس قليلا بالنسبة لعدد سكان الإمارات، فالعبرة ليست بالكم ولكن بالكيف، العبرة بما يتبقى في ذهن القارئ وأن بقيت عشر روايات فقط فهذا يعد إنجازاً كبيراً.

الشاعر عبدالمنعم عواد يوسف أقام في الإمارات قرابة ربع القرن وهو يؤكد وجود إبداع أدبي مميز في الإمارات في مجالات القصة القصيرة والشعر والرواية المسرحية، موضحا أن هناك أدباء مرموقين التقى بهم واطلع على إبداعاتهم أثناء وجوده في الإمارات، وقال: هناك تجمعات أدبية (الكلام لعواد يوسف) لها فاعليتها المستمرة مثل اتحاد كتاب الإمارات والنادي الثقافي العربي الذي يضم المبدعين العرب الموجودين في الإمارات وقد دعم هذه الحركة الأدبية مجموعة من الأدباء المصريين الذين أقاموا في الإمارات فترة طويلة نسبيا مثل الراحل الدكتور نجيب كيلاني والإعلامي عبدالوهاب قتاية معد برنامج سوق عكاظ.

ويشير عواد يوسف إلى أن المبدع الإماراتي مهموم بنفس القضايا التي يهتم بها أبناء الوطن العربي مثل قضية فلسطين ولكنه يهتم على وجه الخصوص بالتأريخ لحياة الخليج في الماضي وما فيه من هموم تراثية التي هي جزء من الذاكرة التاريخية الإماراتية.

الدكتور رمضان بسطاويسي استاذ النقد الأدبي في جامعة عين شمس يقول: إن الشعر كان أقوى حضوراً على الساحة الأدبية في الإمارات وأسبق من القصة والرواية والمسرح، وهناك أسماء كثيرة بالنسبة للشعر العمودي والتفعيلة بحيث يمكن أن يسجل تاريخ للحركة الشعرية في الإمارات حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن من مشاركة فعالة في المشهد الثقافي العربي.

ويلاحظ الدكتور بسطاويسي أن الكتابة النسوية في الإمارات أخذت مساحة كبيرة وهناك ظاهرة لافتة وهي أن عدد الكاتبات في الإمارات أكثر من الكتاب وشاركن بفاعلية داخل المشهد الثقافي الإماراتي.

وتقول الناقدة الدكتورة عبير سلامة: لم أكن أعرف من أدباء الإمارات قبل سنة 2004 سوى الشاعرة والروائية ميسون صقر، نظرا لتوافر أعمالها في القاهرة وحضورها في الفعاليات الثقافية المختلفة، ثم تعرفت في زيارتين للإمارات إلى أعمال الروائي علي أبو الريش والشاعر أحمد راشد ثاني، وغيرهما بمساعدة الأصدقاء في وزارة الثقافة والإعلام، لكن المعرفة الأكبر تحققت في السنوات الثلاث الأخيرة بفضل الإنترنت، عن طريق الاتصال الشخصي كما يحدث مع الناقدة فاطمة البريكي، التي أعتبرها نموذجا مُشرفا للكاتبة الجادة البارعة في استكشاف آفاق جديدة، لتطوير موهبتها من جانب ولمناوشة الوعي السائد من جانب آخر.

وتعرفت إلى أعمال مؤسسة محمد حسن أحمد، الذي يبدو كمحرك متعدد الطاقات فهو شاعر وقاص وروائي وسيناريست، إضافة إلى مساهمته في متابعة المشهد الثقافي العام والتعريف بهوامشه الفعالة في الإمارات. هناك الكثير من الكتابات الجيدة والحساسة التي أعثر عليها بمصادفات التصفح العشوائي في الغالب، مثل خواطر روضة البلوشي على سبيل المثال، وإن دل ذلك على شيء فعلى حراك إبداعي مفرط النشاط لا يقابله حراك نقدي مماثل، على الرغم من وفرة المؤسسات الداعمة والطاقات البشرية التي تفوقها أهمية في الإمارات نفسها.

أما الدكتور شريف الجيار - أستاذ النقد الأدبي بجامعة بني سويف - فيرى أنه في الإمارات والسعودية تبوأت المرأة صدارة المشهد الإبداعي وقد بدأت هذه النقلة الإبداعية النسوية منذ تسعينات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة الراهنة وقد أولى النقاد اهتمامهم بأدب المرأة ووضعوه في حيز النقد الأدبي حتى يرصدوا جمالياته وفنياته ومن ثم تعرف قيمته الإبداعية في ظل هذه التجارب الإبداعية في منطقة الخليج العربي.

ويؤكد الدكتور مصطفى الضبع - أستاذ النقد الأدبي في كلية دار العلوم - أن مساحة الإبداع الخليجي تتسع لتشمل عددا من الأجيال، وتضم مساحات من الإبداع النوعي المتميز، على مستوى القصة والرواية والشعر، وربما كانت المتابعة الواعية قادرة على اكتشاف مساحات أكثر فاعلية، ولأنني محكوم بمساحة متابعتي لعدد كبير من الأصوات الفاعلة في الساحة الآن أو تلك التي يمكن الرهان عليها مستقبلا يكون من المنطقي الإشارة إلى صورة راهنة بالتأكيد يمكن رصد تطورها مقارنة بالأجيال السابقة على مستوى الكم أو الكيف (لذا أنبه على أن الأسماء الواردة هنا تمثل الأسماء التي أتيح لي متابعتها حسبما تمنحه قدرات المتابعة للخريطة الإبداعية العربية عموما والخليجية على وجه الخصوص)، ومن الملاحظ على مستوى الشكل مثلا اتساع المساحة لتشمل تجارب تحافظ على الإطار التفعيلي للقصيدة كما نرى عند سعيد الصقلاوي في عمان، وقصيدة الشعر الحر (قصيدة النثر) كما نرى عند قاسم حداد في البحرين، ويمكن في هذا الجانب الإشارة إلى تجارب لها نصيبها من التميز هذا إلى جانب كوكبة من الشعراء في الكويت تتشكل من جيلين مؤثرين بقوة: جيل يضم عددا من الأسماء اللامعة والمعروفة من بينهم: خليفة الوقيان، سعدية مفرح وجيل جديد يتقدم بقوة للتحقق يضم: محمد النبهان، ومحمد مغربي، وسعد الجوير، وغيرهم ممن يمثلون ملامح الخريطة الجديدة في الشعر، وفي القصة تتشكل الخريطة بشكل أوسع من أسماء تتقدم بقوة الآن وهي مساحة تتسع في الكويت لتقدم جيلا جديدا واعدا: بثينة العيسى، واستبرق أحمد، وهديل الحساوي.

وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى تجربتين لهما أثرهما الفعال في تشكيل الخارطة، أعني تجربتين الكترونيتين تمثلان استثماراً واعياً لإمكانات النشر الإلكتروني:

1 - تجربة قاسم حداد وجهة الشعر في البحرين، وهي بحق واحدة من أفضل علامات الخريطة الإبداعية وقد استثمرت الميديا الجديدة متجاوزة مشكلات النشر التقليدي محدود الانتشار، وقد نجح قاسم حداد في تحويل الموقع إلى مؤسسة شعرية ثقافية تقف على حدود المنافسة القوية.

2 - تجربة القصة العربية وجبير المليحان في السعودية، وهو ما منح الفرصة لمتابعة أجيال جديدة من كتاب القصة لم يكن من المتاح متابعتها لو لم يكن للموقع دوره الفعال، ويكفى الإشارة إلى مساحات الاكتشاف أو المتابعة لأسماء من مثل خالد اليوسف وفهد العتيق وعواض شاهر، في السعودية، وسارة النواف، ومريم الساعدي، وفاطمة الناهض، وفاطمة المزروعي من الإمارات، وجمال الخياط ومحمد عبدالملك من البحرين. يضاف إليهما تجربة المؤسسة الثقافية المتميزة المجمع الثقافي في أبوظبي ويكفي الإشارة إلى موسوعة الشعر العربي لتكون علامة على قدرات المؤسسة على استثمار إمكاناتها الجادة والجديدة وهي جهود تضاف إلى دور المؤسسة الثقافية الكويتية بكل ما يقدمه من فاعلية لها أثرها سواء تمثل ذلك في المجلس الوطني في الكويت أو مؤسسة البابطين التي تطرح مشروعا معلوماتيا متميزا لخدمة الشعر العربي على وجه التحديد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"