«القائمة السوداء».. حصار للاستيطان

03:30 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

بعد مماطلات وتأجيل متكرر نشرت مفوضة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ميشال باشليه، «القائمة السوداء» للشركات التي تتعامل مع المستوطنات الصهيونية بشكل يخالف القانون الدولي. وتشمل القائمة 94 شركة «إسرائيلية»، و18 شركة من ست دول أخرى تعمل بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء في المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية وفي هضبة الجولان السورية المحتلة.
أعلنت باشليه أن «المستوطنات مصنفة حسب القانون الدولي على أنها غير شرعية، لكن هذا التقرير لا يقدم تصنيفاً قانونياً بشأن النشاطات أو الأعمال الضالعة. وكل خطوة أخرى ستتخذ بهذا الشأن تخضع لقرارات الدول الأعضاء التي ستبحث التقرير في الاجتماع المقبل للمجلس في 24 فبراير». ومن المؤكد أن نشر هذه القائمة وجّه صفعة دولية قوية لمساعي الكيان بإضفاء شرعية على محاولاته فرض وقائع استيطانية على الأرض، بتشجيع أمريكي واضح.

جهود فاشلة

وكان مجلس حقوق الإنسان العالمي برئاسة الأمير الأردني زيد رعد الحسين، قرر في مؤتمره عام 2016، وجوب إعداد «قاعدة بيانات عن جميع الشركات التي تمارس أنشطة خاصة مرتبطة بالمستوطنات في الأراضي العربية المحتلة». وصار الحديث يدور عن قائمة سوداء بأسماء الشركات العاملة في المستوطنات، وتنتهك بذلك القانون الدولي وحقوق الإنسان. ومنذ عام 2017 وحتى الآن، والولايات المتحدة والكيان يبذلان جهوداً مكثفة لمنع نشر هذه القائمة. وقد استغل الكيان علاقاته حتى بالكونجرس الأمريكي لاتخاذ قرارات تهدد الأمم المتحدة بإجراءات عقابية؛ إن أقدمت على نشر قائمة كهذه.
ولا ريب في أن نشر القائمة ولو بعد تأخير، يعتبر ثمرة جهود فلسطينية وعربية ودولية لاستصدار قرارات دولية ترفض منح الشرعية لمنطق فرض الأمر الواقع، وتصر على الحفاظ على الحقوق الفلسطينية، وهي جزء من الحملة الدولية لمنع استمرار التنكيل بالشعب الفلسطيني والقفز عن حقوقه المشروعة.
كما أن نشر هذا القرار بعد نجاحات حققها الكيان على الصعيد الدولي بتأجيل استصدار قرار في مجلس الأمن الدولي، يعتبر نكسة للتطلعات الصهيونية.
وعموماً شملت القائمة السوداء، المصارف الصهيونية وشركات الاتصال، وعدة شركات سياحية أمريكية وهولندية وفرنسية وبريطانية وتايلندية.
وأعلنت مفوضية حقوق الإنسان الدولية أنها درست أوضاع أكثر من 300 شركة، لكنها خلصت إلى نشر قائمة تضم 112 شركة، تنفيذاً لقرار المجلس العالمي لحقوق الإنسان.

حملة صهيونية مضادة

وعلى الفور بدأت سلطات الاحتلال في الترويج للزعم بأن المتضرر الأساسي من هذا القرار هم الفلسطينيون أنفسهم. وادعت بعض الشركات الصهيونية أنه في المناطق الصناعية في المستوطنات يعمل حوالي 30 ألف فلسطيني سيتضررون إذا ما تضررت هي. كما زعمت أن الإعلان عن القائمة السوداء يضر بالفلسطينيين وب«الحياة المشتركة»، وحتى بفرص تحقيق السلام.
ورحب الفلسطينيون بقرار مفوضية حقوق الإنسان نشر القائمة السوداء معتبرين ذلك وفق الخارجية الفلسطينية «تعزيزاً للمنظومة الدولية متعددة الأطراف، والقائمة على القانون الدولي في مواجهة محاولات تقويض هذه المنظومة». وشدد البيان الفلسطيني على أن «نشر هذه القائمة للشركات والجهات العاملة في المستوطنات، انتصار للقانون الدولي وللجهد الدبلوماسي من أجل العمل على تجفيف منابع المنظومة الاستعمارية المتمثلة في الاستيطان غير الشرعي في الأراضي المحتلة». وعلى النقيض من ذلك، رفض الكيان نشر هذه القائمة، وأعلنت الخارجية «الإسرائيلية» أن هذا «استسلام فاضح لضغوط الدول والمنظمات التي تسعى إلى إلحاق الأذى ب«إسرائيل». وأكد وزير خارجية الكيان، إسرائيل كاتس، أن «إسرائيل» لن تقبل بالسياسات التمييزية والمعادية لها، وستعمل بكل السبل لمنع تنفيذ هذه القرارات». أما وزير الشؤون الاستراتيجية، جلعاد أردان، المكلف بمحاربة حملات المقاطعة السياسية والاقتصادية والثقافية للكيان فاعتبر نشر القائمة «مخجلاً» ويثبت «اللاسامية والكراهية ل«إسرائيل» في مؤسسات الأمم المتحدة».
كما أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شدد على أن «من يقاطعنا سنقاطعه. ومجلس حقوق الإنسان مجرد هيئة منحازة وعديمة الأثر. ولذلك سبق وأن أمرت بقطع كل صلة بهذه الهيئة. وليس صدفة أن الإدارة الأمريكية فعلت الأمر نفسه سوياً معنا». وسبق للكيان أن جمد علاقاته مع مفوضية حقوق الإنسان «جراء خدمتها لحملة BDS».

دعم أمريكي ل«إسرائيل»

واعتبر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، نشر القائمة «فضيحة.. وأن هذا النشر يؤكد الميول المعادية ل«إسرائيل» والمنتشرة جداً في الأمم المتحدة». وطالب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتصدي لهذه القائمة وعدم التعامل معها؛ لأن محاولات عزل الكيان «تمس بفرص التقدم نحو مفاوضات بين الطرفين».
ولا بد من القول إن قيمة نشر هذه القائمة تكبر في ظل ما تم وضعه من عراقيل أمامها. فقد عملت «إسرائيل» والإدارة الأمريكية بجد على مدى السنوات الثلاث الماضية لمنع نشر هذه القائمة، معتبرتين أنها تعزز حملات المقاطعة الدولية ضد الكيان، وتساعد في حرمان نشاطاته الاستيطانية من الشرعية الدولية. ويعزز نشر هذه القائمة من قيمة القرار الذي صدر عن المحكمة العليا الأوروبية في نوفمبر الفائت، والذي ألزم كل دول الاتحاد بوسم منتجات المستوطنات وتمييزها عن منتجات الكيان داخل الخط الأخضر.
ولا خلاف بين المتابعين لهذا الشأن، على أن لنشر القائمة السوداء آثارها المهمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. فعلى الصعيد السياسي تعتبر هذه ضربة قوية للكيان، خصوصاً بعد نشر صفقة القرن الأمريكية ومعرفة الجميع بأنها تأكيد عالمي لرفض منطق فرض الوقائع وضم الأراضي، وأن كل نشاط استيطاني يبقى غير مشروع.
ويعتقد كثيرون أن هذه القائمة قد تدفع الشركات من خارج الكيان إلى وقف أعمالها في الأراضي المحتلة، وربما في الكيان بسبب الخشية أحياناً من عدم القدرة على التمييز بين الأرض المحتلة و«غير المحتلة». ومن المؤكد أن قيمة هذه القائمة سترتفع إذا ما اتخذ مجلس حقوق الإنسان الذي يعبر عن إرادة الدول الأعضاء فيه قرارات تؤكد وجوب الالتزام بها، واعتبار انتهاكها مخالفة لحقوق الإنسان.

في انتظار التطبيق

وطبيعي ألا يكون لقائمة مجلس حقوق الإنسان أثر كبير في موقف الشركات الصهيونية التي تؤكد مدى السنين أنها جزء من هذا المشروع ومنفذة لأغراضه. وكثير من هذا الأثر سيتقرر وفق مواقف دول العالم، ومدى علاقات هذه الشركات الصهيونية بأسواق هذه الدول.
ومن الواضح أن الأثر الأقل على الصعيد الدولي سيكون في الولايات المتحدة، حيث أفلح الكيان في حث 28 ولاية أمريكية على سن قوانين ضد حرمة المقاطعة الدولية ضده. وإذا قررت شركات أمريكية التفكير في الابتعاد عن العمل في الكيان، فإن القوانين المحلية في تلك الولايات ستلاحقها، ولكن هذا ليس الحال مع الشركات الأوروبية التي تتعرض لضغوط شعبية من ناحية، ولمواقف رسمية من ناحية أخرى، قد تسهل على الشركات المذكورة تغيير وجهة نشاطاتها في الأراضي المحتلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"