معضلة الأردن الاقتصادية

01:58 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا تتحدث مع احد في عمَّان أو اي مكان آخر في الاردن الا واشتكى من الغلاء وعدم قدرة الناس على تحمل اعباء المعيشة . صحيح ان الاردن ليس استثناء من موجة الغلاء التي تجتاح العالم وارتفاع معدلات التضخم في الدول المتقدمة والنامية على السواء بسبب ارتفاع اسعار الطاقة والغذاء، الا انه يمثل حالة مميزة لكونه دولة محدودة الموارد الطبيعية خصوصا من الطاقة التي يستورد كل استهلاكه منها تقريبا والغذاء الذي يستورد قدرا كبيرا منه ايضا .

واذا كان الاردن يتمتع بثروة اساسية هي سكانه واغلبهم عالي المهارة ويعمل قدر معقول منهم في دول الخليج وفي الخارج عموما ويحولون عملة صعبة للبلاد، فإن ذلك لا يمكن ان يعوض نقص الموارد الطبيعية او انعدامها . ويعتمد الاقتصاد الاردني الى حد معقول على المساعدات الاجنبية، التي تراجعت بشدة منذ عام 2003، الا ان جهود تحرير الاقتصاد وتعديل القوانين بما يعطي القطاع الخاص دورا اكبر في الاقتصاد الاردني ادت الى زيادة كبيرة في الاستثمار الاجنبي المباشر الى الاردن في العام 2005 .

ومع الاعلان أخيراً عن تقديم الولايات المتحدة الامريكية والمملكة السعودية، بشكل مشترك، دعما للميزانية الاردنية بمقدار نصف مليار دولار ساد تفاؤل حكومي بإمكانية تحسين ميزان المدفوعات الاردني بشكل جيد . الا ان معضلة الاقتصاد الاردني هي ان تلك المساعدات الخارجية قد لا يمكنها التغطية على اختلالات هيكلية عميقة لم تتجاوزها عملية الاصلاح الاقتصادي، بل حتى يمكن لتلك التدفقات الخارجية ان تزيد مشاكل الاردن الاقتصادية تعقيدا . فالارجح انها ستساعد الحكومة على ترحيل اي خطوات من شأنها ضبط سياستها على عوامل ذاتية ومن ثم يمكن ان تسهم تلك التدفقات في زيادة الضغوط التضخمية ومن ثم صعوبة الاوضاع المعيشية لغالبية الاردنيين اكثر فأكثر .

وعلى الرغم من اكتمال رفع الدعم عن المحروقات في مارس/ آذار الماضي وتحرير اسعارها تماما، الا ان عجز الميزانية الاردنية اتسع في الربع الاول من العام بقدر كبير، واضطرت الحكومة الى تقديم ميزانية اضافية بنصف مليار دينار اردني (705 ملايين دولار) اقرها البرلمان الاردني في يونيو/ حزيران الماضي . فمقابل رفع الدعم عن المحروقات، وفي مواجهة ارتفاع اسعار الطاقة والغذاء عالميا، كان على الحكومة ان تقدم بعض التعويضات الاجتماعية وتقرر زيادة متواضعة في الرواتب والاجور وتقلل ضريبة المبيعات على السلع الاساسية مع اعادة هيكلة دعم الدقيق . مع ذلك لم يشعر المواطن الاردني بأي تحسن في اوضاعه المعيشية امام موجات الغلاء المتصاعدة وعدم كفاية دخله وزاد الشعور لدى الاغلبية بأن الحكومة لا تلقي بالا لمشاكلهم اليومية .

كان وزير المالية الاردني لدى تقديمه مشروع الميزانية الاساسية للعام المالي الحالي تعهد بربط رواتب العاملين في الدولة والقوات المسلحة بمعدل التضخم، الا ان ذلك لم يحدث وربما يكون مستحيلا الآن . فعندما اعلن ذلك التعهد كان معدل التضخم الرسمي عند 6 في المئة، اما الآن فقد وصل الى 15 في المئة وبالطبع يقدر المحللون ان يكون التضخم الفعلي اكبر بكثير من ذلك الرقم . ويزيد من معضلة الحكومة ان البنك المركزي الاردني يقدر ان نحو 40 في المئة من التضخم اسبابه محلية، ومن ثم تعقد زيادة الاجور والرواتب تلك العوامل الداخلية المسببة للتضخم .

صحيح ان الاقتصاد الاردني، وان كان يشهد تباطؤا الا انه حقق نموا في الربع الاول بنسبة 5 .3 في المئة . ومع ان الاصلاحات الاقتصادية في الاردن ادت الى زيادة كبيرة في تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر الذي نما بما بين 10 و15 في المئة في الاشهر الستة الاولى من العام الجاري، وكذلك الى تنوع مصادره (ففرنسا على سبيل المثال هي رابع مساهم في الاستثمارات في الاردن) الا ان العلاقات مع الولايات المتحدة واتفاقية التجارة الحرة مع واشنطن تعد الداعم الاساسي للحكومة في برنامجها الاقتصادي . وتلك مشكلة اخرى في غاية الاهمية، فربط الدينار الاردني بالدولار زاد الى حد كبير من التضخم المستورد كما قلل من قيمة الصادرات الاردنية خصوصا من الخدمات . اضف الى ذلك ان الصادرات الاردنية الى وجهتها الرئيسية (الولايات المتحدة الامريكية) تراجعت في الربع الاول من العام بنسبة 13 في المئة على الاقل .

واذا كانت المساعدة الامريكية - السعودية الطارئة للميزانية الاردنية يمكن ان تحل مشكلة آنية للحكومة، فإنها ربما تزيد الضغوط الداخلية عليها لتفي بوعدها بزيادة الاجور كي تتناسب مع معدلات التضخم . وهي ان لم تفعل ستواجه مشاكل سياسية متفاقمة تزيد من غضب الجماهير عليها، واذا وفت بتعهدها ستفاقم من عجز الميزانية وتزيد من الضغوط التضخمية الداخلية وتعمقها اكثر .

* محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"