“أوبك” تعود للواجهة قريباً

02:56 صباحا
قراءة 4 دقائق

بدأت أسعار النفط العام الجديد قوية نسبياً مقارنة بعام ،2009 وما زال سعر البرميل من الخام يحوم حول ثمانين دولاراً مستعيداً قدراً معقولاً من الخسائر التي منيت بها الأسعار منذ نهاية عام ،2008 ومع أن الأسواق لا تزال مستقرة إلى حد ما نسبياً إلا أن التحليلات في الاعلام الاقتصادي الغربي بدأت تشير إلى تطورات غير مرغوبة للمستهلكين في الاقتصادات الصناعية .

يعود ذلك بالاساس إلى موجة البرد الشديدة التي ضربت نصف الكرة الارضي الشمالي وحتى أجزاء أخرى من العالم وطالت في أغلبها دولاً عالية الاستهلاك من الطاقة . وان كانت تلك الموجة لم تترجم إلى زيادة كبيرة في الطلب على النفط، اذ يجري السحب من المخزونات التي تجاوزت حدود المعتاد في فترة تراجع الاسعار . فقد اشترت الدول المستهلكة كميات كبيرة لبناء المخزونات التجارية عندما هبطت الاسعار إلى نحو ثلاثين دولارا للبرميل إلى ان قاربت حدود الخمسين دولارا .

وتظل المخزونات التجارية لدى الدول الصناعية عالية، وان تراجعت بنحو 36 مليون برميل لتصل إلى 735 .2 مليار برميل في اكتوبر . لكن مخزون النفط في الناقلات المتحركة ظل اعلى من معدلاته الطبيعية وان انخفض بنهاية اكتوبر لما يغطي 4 .59 يوما اي انه اعلى بتغطية 5 .2 يوم عن العام السابق .

وتبقى أساسيات السوق النفطية كما هي إلى حد كبير بفائض عرض عن الطلب وبناء للمخزونات التجارية ووفرة النفط المحمول في الناقلات . فحسب احدث أرقام وكالة الطاقة الدولية، التي تقدم استشارات الطاقة للدول الصناعية الكبرى، ارتفع العرض العالمي من النفط بنهاية العام الماضي بمقدار 200 الف برميل يوميا . وتضمنت تلك الزيادة ارتفاعا في إنتاج أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (اوبك) بمقدار 135 ألف برميل يوميا في اعلى معدل شهري خلال عام ليصل اجمالي انتاج دول اوبك العشر في نوفمبر إلى 1 .29 مليون برميل يومياً كما ان المنتجين من خارج اوبك ينتجون اكثر من المتوقع .

وحسب تقديرات الوكالة للعام الماضي، وصل متوسط انتاج الدول من خارج اوبك خلال عام 2009 إلى 3 .51 مليون برميل يوميا، بزيادة 125 ألف برميل يومياً عن التوقعات السابقة وذلك نتيجة زيادة الانتاج الروسي ونهاية موسم الاعاصير الذي كان اهدأ من الاعوام السابقة وتحديدا منذ عام ،1997 وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يصل متوسط إنتاج الدول خارج اوبك إلى 6 .51 مليون برميل يوميا خلال هذا العام (2010)، وذلك التقدير اقل بنحو 265 الف برميل يوميا عن توقعات الوكالة السابقة .

وكان الطلب العالمي على النفط في 2009 عند 1 .84 مليون برميل يوميا في المتوسط . وحسب تقديرات اوبك وفر الانتاج من خارجها عرضا مقابلا بنحو 4 .50 مليون برميل يوميا فيما وفرت دول اوبك بقية العرض الذي لبى ذلك الطلب . ووصل سقف انتاج اوبك الرسمي (دون حساب التجاوزات في الانتاج من قبل الدول الاعضاء) إلى 6 .26 مليون برميل يوميا بعد التخفيضات في الانتاج التي اقرت نهاية 2008 .

ومع اشارات التحسن الاقتصادي واحتمالات الخروج من الركود، يتوقع زيادة الطلب الامريكي على النفط خلال العام الجاري بنسبة 37 .1 في المائة، مع الاخذ في الاعتبار ان الاقتصاد الامريكي اكبر مستهلك للنفط في العالم بنصيب 5 .22 في المائة من الاستهلاك العالمي من الطاقة . ومع ان الصين والهند يشكلان نحو 10 في المائة من استهلاك الطاقة العالمي، الا ان الطلب من البلدين يتوقع ان ينمو بنسبة 5 في المائة خلال العام الجاري . وذلك ما قد تعول عليه اوبك اذا استجابت لضغوط غربية لاعادة زيادة انتاجها في وقت لاحق هذا العام .

وليس واضحا بعد مدى امكانية زيادة الانتاج العالمي من النفط بشكل كبير خلال ،2010 حتى رغم التفاؤل الشديد بزيادة الانتاج العراقي بعد عقود التطوير التي وقعت مع شركات دولية مؤخرا . اذ قدرت وكالة الطاقة الدولية تراجع الاستثمارات في مجال الطاقة خلال عام 2009 بنحو 100 مليار دولار، وهكذا لا يتوقع ان تنمو قدرات الانتاج الاحتياطية كثيرا، وان ظلت اوبك تحتفظ بقدرات انتاج احتياطية بنسبة 5 في المائة .

صحيح ان الأسعار الآن لم تتجاوز الا قليلا نصف ما وصلت إليه في صيف العام قبل الماضي، عندما وصل سعر البرميل من الخام إلى نحو 150 دولارا، لكن في ظل الركود الاقتصادي وتبعاته على المستهلكين تعد أي زيادة طفيفة في أسعار الوقود مثيرة لردود الفعل السلبية . وكما هي عادة السياسيين ومن والاهم من الاقتصاديين يسهل القاء اللوم على الطرف الآخر المنتجين باعتبارهم السبب في ارتفاع الأسعار لانهم لا يضخون الكثير من الخام .

وهكذا يتوقع ان تعود اوبك للواجهة مجددا كهدف انتقاد سهل يحول إليه غضب المستهلكين من ارتفاع أسعار البنزين ووقود التدفئة، حتى لو كانت الزيادة ناجمة عن قلة المعروض من المشتقات نتيجة محدودية طاقة المصافي في الدول الصناعية واستمرار الزيادة السنوية في الرسوم والضرائب على المحروقات . وبانتظار ما سيسبق اجتماع اوبك الدوري المقبل في منتصف مارس من حركة السوق وما ستقرره المنظمة بشأن مستوى الانتاج سنشهد تصاعدا للحديث عن المنظمة وعلاقتها بالأسعار في الدول الغربية . والمأمول ألا يؤثر ذلك في موقف أوبك الذي يستند أساساً إلى أساسيات السوق من عرض وطلب في ضوء أرقام الإنتاج والاستهلاك والمخزونات دون التفات للعوامل السياسية والضغوط الاعلامية .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"