ونعم الحصاد

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين


زهوت فخراً وطالت هامتي السحاب عندما تأكدت ممّا أراه بين طيات الصحف، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، هو أحد طلابي، نعم لقد حقق مكانة مرموقة في عمله وترقى ليصل مرتبة عالية، طويت صفحة صحيفتي، وعدت بذاكرتي إلى الوراء، إلى زمن بعيد، نعم لقد تذكرته جيداً، ذلك الطالب النجيب الذي كان يلاحقني في أرجاء المدرسة بين الحصص، أثناء الفسحة، حتى عندما ينتهي اليوم الدراسي، وينهال عليّ بأسئلة تتجاوز حدود مرحلته العمرية، يريد أن يعرف، أن يفهم، وكأنه يبحر في أعماق المعرفة.
تذكرته، تذكرته جيداً، تذكرت مناقشته أثناء الحصص الدرسية، تذكرت إجاباته عن أسئلتي، تذكرت دفاتره، كتابه المدرسي.
لقد كنت على يقين بأنه يسابق الزمن، وأنه سيصل إلى تلك المرتبة، ولكن انشغالي، وأعباء مهنتي والحياة، حالت ما بيني وبين فرصة تتبّع خطواته بعد أن تخرج في المدرسة، والتحق بالجامعة، ولم استرق السمع عنه، وعن دراسته، إلاّ أنني بين الحين والآخر استلم رسائل شكر وامتنان، وكذا تصلني تحياته العاطرة عبر زملائه الذين ألتقي بهم مصادفة.
يالها من فرحة عارمة هزت وجداني، وأنا أرى ثمار غرس ساهمت في غرسه، وحصاد زرع شاركت في زرعه، شعور بالفخر انتابني لم أشعر به من قبل رغم ما حققته من نجاحات في حياتي المهنية، فأي شرف يضاهي أن تقدم لبلادك من يعمل من أجلها، وهكذا وبشكل عفوي وتلقائي وصادق وجدت نفسي أوجه تحية خالصة إلى كل المعلمين والمعلمات، إلى كل من وقف يحمل القلم، ويؤثر في طلابه؛ ليبني مجتمعه، إلى كل من عمل على بذر المعرفة وراقب نموها، حتى أضحت شجرة مثمرة، وعمل على نشر الفضيلة، وإعلاء قيم الحق، والتسامح، والعدل .
نعم إنها مهنة المعلم أقدم المهن التي عرفتها البشرية، حيث الأنبياء هم أعظم وأنبل المعلمين الذين علموا البشر العقيدة الصحيحة.
لقد حفظت لنا الحضارات القديمة الكثير عن دور المعلم في رقيها وتقدمها، بل ورسم ملامحها، والإسهام في شتى مجالاتها، فلقد أفلحت تلك الأمم التي حفظت لمعلميها مكانة عالية، ورسخت في مجتمعاتها، وأذهان أولادها، أن احترام المعلم فضيلة تحث عليها الشرائع والأديان السماوية، وأن المعلمين هم أصحاب الفضل الأول في نهضة الشعوب ثقافياً و اجتماعياً و سياسياً .
إن دور المعلم لا يقتصر على إيصال العلوم والمعارف إلى الأبناء الطلاب فحسب، وإنما يتعداه إلى دور أكثر أهمية فهو حلقة الوصل بين البيت والمدرسة، وبمثابة جسر التواصل بينهم.
ومهما نال المعلم من تكريم فلن يستطيع المجتمع أن يعطيه حقه، إلا أنّي أستطيع التأكيد على أن أعظم تكريم للمعلم يمكن أن يحظى به إنما يتجسد في رؤيته ثمار عمله وقد آتت أكلها.
أمين عام مجلس الشارقة للتعليم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أمين عام مجلس الشارقة للتعليم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"