حروب المياه في المناطق الرمادية

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

تمثل ظاهرة ندرة المياه العذبة، أحد أهم أسباب الصراعات والحروب في مناطق مختلفة من العالم، لاسيما في محيط قوس الأزمة والمناطق الرمادية الممتدة من إفريقيا جنوبي الصحراء، إلى أقصى شرقي آسيا، مروراً بمنطقة الشرق الأوسط. ف«إسرائيل» تسعى للحصول على كميات معتبرة من المياه العربية من خلال السطو على مياه نهر اليرموك، ونهر الأردن، وعلى مياه نهر الليطاني في لبنان، وتعمل على تنفيذ حصار مائي على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وقطاع غزة. كما تقوم تركيا في السياق نفسه، بمحاولة تقليص معدل تدفق المياه من أراضيها نحو سوريا والعراق، من خلال بناء سدود ضخمة على منابع نهر الفرات، وتشير كل التقديرات الدولية إلى أن أغلبية الدول العربية ستشهد خلال العقود القليلة المقبلة ارتفاعاً كبيراً في درجة الحرارة وتراجعاً كبيراً في مخزون المياه الصالحة للشرب.
وتواجه الدول الإفريقية صراعاً مريراً حول المياه تؤججه مشاريع بناء السدود، حيث تشكل محاولة العديد من دول القارة السمراء التحكم في منابع الأنهار الإفريقية رهاناً استراتيجياً كبيراً، بخاصة أن هذه الأنهار تمر على دول متجاورة عدة، لا تملك في أغلب الأحيان علاقات ودية بسبب التنافس الاقتصادي، والخلافات الحدودية، الأمر الذي يجعل من هذه المياه المشتركة سبباً من أسباب الفرقة، بدلاً من أن تكون عاملاً من عوامل التقارب والتكامل بين الدول، والشعوب. ويمثل في هذا السياق نهر النيجر استثناءً، لأن الدول التي تستفيد من مياهه لا يوجد حتى الآن أي صراع فيما بينها، بالرغم من أن النهر يبلغ طوله 4200 كلم، ويتوزع على 5 دول، هي غينيا، مالي، النيجر، بنين، ونيجريا، وتستفيد من مياهه دول إفريقية أخرى مثل ساحل العاج، وبوركينا فاسو، وتشاد، والكاميرون، وقد يعود ذلك لقلة الكثافة السكانية في المنطقة، وإلى ضعف مشاريع التنمية في تلك الدول.
ونستطيع أن نلاحظ في هذا الإطار تزايداً ملحوظاً في التوترات على مستوى بقية الأنهار الإفريقية الأخرى على خلفية بناء السدود واستعمال مياه تلك الأنهار لسقي ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية، كما هو الشأن بالنسبة إلى نهر السنغال الذي تتقاسمه 3 دول، هي السنغال، ومالي، وموريتانيا، حيث شهد هذا النهر مناوشات عدة بين السنغال وموريتانيا على خلفية الصراع بين مربي المواشي والمزارعين على مستوى المناطق الحدودية. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن نهر الكونغو الذي يعد ثاني أطول نهر في إفريقيا، بعد نهر النيل
ويظل الرهان الاستراتيجي للمياه في إفريقيا والشرق الأوسط مرتبطاً إلى حد بعيد بنهر النيل الذي يمثل منبع الحضارة الإنسانية، والقاعدة الرئيسية للتنمية الاقتصادية بالنسبة إلى الدول التي يمر عبرها، وشريان الحياة بالنسبة إلى شعوب المنطقة برمتها، حيث تشهد مصر تنمية اقتصادية متسارعة، ونمواً سكانياً هائلاً يتطلب مضاعفة حصتها من مياه النيل وليس تقليصها.
ونجد في أقصى منطقة قوس الأزمة في آسيا، مزيداً من الصراعات ذات الأبعاد الجيوسياسية على خلفية تقاسم المياه بين دول تعاني الهشاشة السياسية، وتحديداً في دول آسيا الوسطى التي تعرف بعض التوترات بين الفينة والأخرى حول توزيع مياه وادي فرغانة، ما بين 3 دول سوفييتية سابقة، هي أوزبكستان، طاجيكستان و قرغيزستان، نتيجة الموارد الطبيعية والحيوية التي توفرها مياه الوادي لمشاريع التنمية في مناطق تتميز معظمها بالجفاف، وقلة الموارد المائية.
ويمكن القول في الأخير، إن استغلال مياه الأنهار وبناء السدود يمثل رهاناً رئيسياً بالنسبة إلى استراتيجيات التنمية في مختلف الدول والقارات، ولكنه كثيراً ما يتحوّل في المناطق التي تواجه صعوبات اقتصادية وسياسية، في إفريقيا وآسيا، إلى مصدر للتوترات، وأحياناً للحروب بين الدول على خلفية تقاسم الموارد الطبيعية التي تتيحها الأنهار الكبرى، الأمر الذي يستوجب إيجاد آلية دولية جديدة تسمح بتحويل هذه الأنهار من مصدر للصراعات إلى منابع للتنمية، والاستقرار، والمحبة بين الشعوب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"