الصين تحمي مصالحها بالتعاون العسكري

03:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
زهاو بو*

في الورقة البيضاء للاستراتيجية العسكرية الصينية التي نُشرت مؤخراً، حظيت مصالح الصين في الخارج، بتركيز لم تحظ به من قبل. وقد اعتُبر تأمين مصالح الصين في الخارج إحدى «المهام الاستراتيجية» للقوات المسلحة الصينية، ويتعهد جيش التحرير الشعبي بتعزيز التعاون الأمني الدولي في المجالات الحيوية ذات الصلة بمصالح الصين في الخارج.
فما هي مصالح الصين في الخارج؟ وأين تلك المجالات الحيوية، والتعاون مع مَن؟ لم تحدِّد الورقة البيضاء المختصرة ذلك. وباعتبار الصين أكبر دولة تجارية، وثاني أكبر اقتصاد في العالم، يصعب تعطيل مصالحها في الخارج. ولا تقتصر مصالح الصين اليوم على العالم، بل تكمن في الفضاء الخارجي أيضاً (وتلك نقطة نادراً ما تخطر في البال).
واستناداً إلى التجربة العملية، فإن هذه المصالح الخارجية تشتمل، دون أن تكون مقصورة على سلامة وأمن تجارة الصين الخارجية في الاستيراد والتصدير؛ أمن وسلامة المواطنين الصينيين وممتلكاتهم في الخارج؛ أمن الاستثمار الصيني وأمن الممرات البحرية، وخطوط أنابيب الغاز والنفط ذات الأهمية الحيوية لواردات الصين من الطاقة.
أضف إلى ذلك، أنّ الأمم العظيمة تتحمل مسؤولية جسيمة. ومع نموّ الصين لا في القوة وحسب، بل في النفوذ السياسي والاقتصادي العالمي أيضاً، سوف تنمو مسؤولياتها الدولية جنباً إلى جنب مع مصالحها الوطنية.
والمصالح الصينية معرضة للخطر على مسار تكاثرها. فقد جرى اختطاف عمّال صينيين في السودان، الجزائر، نيجيريا، اثيوبيا، باكستان وافغانستان، بل قُتلوا في بعض الأحيان. وقبل اندلاع الحرب في ليبيا عام 2011، ساعد جيش التحرير الشعبي الصيني في إجلاء 35860 مواطناً صينيّاً في غضون أسبوعين، ولكن كمية ضخمة من الممتلكات الصينية والاستثمارات، بقيت وراءهم. ومع الأخذ في الاعتبار أنّ 90% من التجارة العالمية تجارة بحرية، فإن قلق الصين على أمن الممرات البحرية، مبرَّر إلى أبعد حدّ. فخطوط أنابيب النفط والغاز التي تربط كازاخستان، تركمنستان، اوزبكستان، روسيا وميانمار مع الصين، يمكن أن تصبح أهدافاً سهلة لهجوم إرهابي. ومبادرة الصين المعروفة باسم «طريق واحد، حزام واحد»، تشمل «قوس عدم استقرار» يمتدّ من جنوب الصحراء الإفريقية عبر شمال إفريقيا، إلى الشرق الأوسط، البلقان، القوقاز، وجنوب آسيا ووسطها، إلى جنوب شرق آسيا.
وتواجه الصين اليوم مأزقيْن لا بُدَّ لها أن تحزم أمرها للخروج منهما: الأول، أنها لا تضمر أي طموح أمني عالمي، ولكن مصالحها باتت عالمية فعلياً؛ والثاني، أن الصين تتعهد بأن تكون قوة مسؤولة، ولكن الجيش الصيني لا يملك كل القدرات المطلوبة لحماية أمن مصالحها الوطنية والوفاء بمسؤولياتها الدولية. وإذ تستشهد الورقة البيضاء بالتعاون في المجالات الحساسة ذات الصلة بمصالح الصين في الخارج، اعترفت فعلياً بافتقار جيش التحرير الشعبي إلى القدرة والخبرة. وقد انعكس هذا العجز في بعض الدروس المريرة. وعلى سبيل المثال، عندما جرى اختطاف السفينة الصينية، «دي شينهاي» في المحيط الهندي في أكتوبر/ تشرين الأول 2009، اضطرت وسائل الإعلام الصينية الحكومية إلى الإشارة إلى أن السفينة كانت على بعد 1080 ميلاً بحرياً عن الزوارق البحرية الصينية في خليج عدن، في تلميح إلى أن قوارب جيش التحرير الشعبي، كانت على بُعدٍ ناءٍ لا يسمح بالقيام بعملية إنقاذ فورية.
إن التعاون الدولي، هو المخرج الوحيد لجيش التحرير الشعبي للعمل في الخارج. وتتعهد الورقة البيضاء بأن جيش التحرير الشعبي سوف «يستمر في استكشاف مجالات جديدة ، ومضامين جديدة ونماذج جديدة للتعاون مع جيوش أخرى ، و«يمضي قُدماً في التعاون العسكري البراغماتي الواقعي».
ويتطلب التعاون من جيش التحرير الشعبي أن يشارك في العمل البيْني مع الجيوش الأخرى. فحلف شمال الأطلسي، وأعضاء الاتحاد الأوروبي والحلفاء الأمريكيون، يستخدمون قواعد الاشتباك وأنظمة الاتصال ذاتها ، في حين أن جيش التحرير الشعبي، مختلف اختلافاً شاسعاً في اللغة، والتسليح، ونظم الاتصال وسلسلة القيادة. وهذا يفسّر إلى حدٍّ ما لماذا لا تزال الزوارق البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي تقوم بدوريات مستقلة في خليج عدن على بعد خمسة أميالٍ بحرية شماليَّ ممرّ العبور الدولي الموصى به، حيث تعمل معظم الأساطيل الدولية جنباً إلى جنب. وعلى ذلك، فلا عجب في أن تؤكد الورقة البيضاء على «تعزيز القدرات العملياتية المشتركة».
ويمكن أن تكون أولى خطوات التعاون، في العمليات العسكرية لا في الحرب. وعلى عكس الحروب التي قادها الغرب باسم «التدخل الإنساني»، ليست هذه المجالات مثاراً للنزاع. فجيش التحرير الشعبي، يشارك في«العمليات العسكرية لا الحروب» منذ سنوات. وقد أثبت جيش التحرير الشعبي قدرته وخبرته في المساعدة الإنسانية والإغاثة من الكوارث، سواء في الداخل أو في الخارج.
وقد يأخذ التعاون أشكالاً مختلفة. فخليج غينيا أحد أهم مصادر واردات النفط الصينية، ولكن السطو المسلح في البحر مُستشْرٍ فيه، وقد تم اختطاف سفينة صينية، هي «يوي ليانغ وان»، هناك. وبوسع جيش التحرير الشعبي أن يوفر المزيد من المساعدة التقنية، ولا سيّما للقوات البحرية التي تملك قوارب وطرّادات خفيفة مصنوعة في الصين.
وفي الوقت الحالي، توجد سبع من عمليات حفظ السلام التسْع، التي يقوم بها جيش التحرير الشعبي، في إفريقيا.
وبوسع الصين أن تستمر في دعمها المالي لقوات حفظ السلام تحت مظلة الاتحاد الإفريقي وتضُمّ الأيدي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتدريب قوات حفظ السلام الإفريقية.
ويمكن للجيشيْن الصيني والأمريكي أن يتعاونا في أبحاث الأمراض الوبائية مثل إيبولا في إفريقيا. وفي «منتدى الآسيان الإقليمي» وفي إطار «لقاء وزراء دفاع الآسيان بْلَسْ»، تستطيع الصين أن تكثف تعاونها وتركز على الأمن البحري، ومكافحة الإرهاب، وإزالة الألغام، والطب العسكري، والإغاثة من الكوارث وحفظ السلام.
ومن مجالات التعاون المهمة الأخرى، أمن الممرات البحرية. ومكافحة القرصنة في المحيط الهندي، أحد الأمثلة الساطعة على الكيفية التي تستطيع بها الأساطيل الدولية العمل جنباً إلى جنب لتأمين الممرات البحرية، ذات الأهمية الحاسمة للتجارة البحرية الدولية. ومع مرور 85% من واردات النفط الصينية عبر مضيق ملقا، فإن هذا المضيق يتمتع بأهمية بالغة. ويستطيع الجيش الصيني أن يبعث ضباط ارتباط للانضمام إلى «اتفاقية التعاون الإقليمي في محاربة القرصنة والسطو المسلح» في سنغافورة، التي تراقب وضع القرصنة والسطو المسلح في آسيا، ويقدم مساعدة تقنية للبلدان المشاركة حالياً في الدوريات الجوية والبحرية في المضيق.

*زميل فخري في مركز العلاقات الدفاعية الصينية- الأمريكية (موقع شبكة الصين)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"