ضبابية سوق العقار البريطاني

03:51 صباحا
قراءة 4 دقائق

مثلما حققت اغلب اسواق المال الرئيسية ارتفاعا ملحوظا في مؤشرات اسهمها في المتوسط للعام الماضي ،2009 حقق سوق العقار البريطاني ارتفاعا طفيفا في أسعار البيوت مقارنة بالهبوط الحاد في العام السابق ،2008 إلا ان وقت جرد حسابات نهاية العام لم يكن جيدا تماما لقطاع العقار البريطاني وصدرت أرقام عن شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول زادت من ضبابية وضع القطاع وجعلت من الصعب توقع مساره في المدى القصير والمتوسط .

وتتباين الأرقام من مصدر الى آخر، وحتى الأرقام الموثقة وجدت تفسيرات وتحليلات متناقضة من قبل المتفائلين والمتشائمين بمسار أسعار العقارات وصحة قطاع العقار بشكل عام . ويشار هنا الى اهمية القطاع في الاقتصاد البريطاني بسبب ملكية أكثر من ثلثي البريطانيين لبيوتهم، وبالتالي تلعب أسعار العقار دورا في تحديد ثروة الاسر . ليس ذلك فحسب، بل ان ارتفاع أسعار العقارات يساعد على زيادة الانفاق الاستهلاكي -الذي يشكل المدخل الاكبر في الناتج المحلي الاجمالي- مع شعور ملاك العقارات بأن لديهم فائض قيمة على بيوتهم .

أحدث الأرقام هو ما اصدرته مؤسسة التمويل العقاري الكبرى، بن نيشنوايد، قبل نهاية العام بيومين حين قالت ان أسعار البيوت ارتفعت في بريطانيا بنسبة 9 .5 في المائة خلال 2009 في المتوسط، مقارنة بانخفاض حاد بلغ 9 .15 في المائة خلال العام السابق . وحسب أرقام نيشنوايد، فان العقد المنتهي يعد الافضل لقطاع العقارات البريطاني، رغم ازمة قروض الرهن العقاري الامريكية التي عصفت به العام الماضي وهي الاقسى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .

وتوضح البيانات ان أسعار العقارات ارتفعت بنسبة 117 في المائة منذ نهاية ،1999 وبحساب معدل التضخم فان متوسط نمو السعر الحقيقي للعقارت ارتفع بنسبة 68 في المائة خلال العقد، مقارنة بانخفاض بنسبة 14 في المائة بالأسعار الحقيقية في عقد التسعينات من القرن الماضي . مع ذلك تظل الأسعار اقل بنسبة 2 .12 في المائة، مقارنة بذروة الارتفاع التي سجلتها في اكتوبر/ تشرين الأول 2007 .

أما المؤشرات غير الايجابية بشأن التحسن في قطاع العقار البريطاني فتدل على ان ذلك التوجه الصعودي لا يبدو قابلا للاستمرار العام الحالي . اذ ذكر موقع هومتراك العقاري -الذي يجمع العديد من شركات تسويق العقارات- ان تحسن الأسعار تباطأ في شهر ديسمبر . وبما ان التحسن خلال العام كان بالاساس عائدا الى قلة العرض في البيوت المطروحة للبيع، فان العامل المتغير الآن هو تراجع الطلب الذي أدى الى ضعف الأسعار . ومن العوامل التي شجعت الطلب في الاشهر الاخيرة انخفاض أسعار الفائدة الى ما لا يزيد على 5 .0 في المائة لما يقرب من عام الآن .

كذلك تشجع المشترون ببعض ما تضمنته خطط التحفيز الحكومية للاقتصاد عموما مثل تجميد تحصيل ضريبة الدمغة على شراء العقار . إلا أن معظم تلك الحوافز اوشك على الانتهاء، فتجميد ضريبة الدمغة سينتهي بداية العام كما ان أسعار الفائدة قد تبدأ في الارتفاع . لذا بدأ المشترون يترددون في الاقبال على سوق العقار، اضافة الى ضعف الطلب الموسمي في نهاية العام وفي الشتاء عموما .

وأظهرت أرقام هومتراك تراجع عدد الراغبين في الشراء للمرة الاولى في 11 شهرا، لذا لم تتجاوز الزيادة في الأسعار في ديسمبر 1 .0 في المائة مع تراجع عدد المشترين بنسبة 2 .2 في المائة . وحسب تلك الأرقام تكون أسعار البيوت في انجلترا وويلز في ديسمبر اقل بنسبة 9 .1 في المائة عنها في ديسمبر ،2008 وجاءت الأرقام من مصلحة الضرائب لتؤكد على توجه التراجع في سوق العقار البريطاني، مع تراجع عدد العقارات التي تمت عقود البيع لها في نوفمبر . فحسب أرقام المصلحة الرسمية بلغ عدد العقارات المباعة 87 الفا مقابل 90 الف عملية بيع في اكتوبر .

ومن القطاعات التي حافظت على سوق العقار في بريطانيا منتعشا الى حد ما قطاع الشراء للتأجير . فقد ظلت ايجارات المساكن معقولة نسبيا طوال الفترة الاخيرة، ما شجع المستثمرين في القطاع على الاستمرار في الشراء للتأجير وعدم الاضطرار للبيع واغراق السوق بالمعروض من البيوت .

لكن الأرقام الصادرة عن اتحاد الملاك المؤجرين أشارت الى انخفاض الايجارات في الاسابيع الاربعة الاخيرة من العام بشكل غير مسبوق في الاشهر الاخيرة . فقد انخفضت الايجارات بنسبة 3 .1 في المائة في مدة شهر واحد، ليصبح معدل الانخفاص على مدى العام في المتوسط عند نسبة 3 في المائة . وذكر الاتحاد ان الطلب على الايجار لا يزال قويا، لكن ماحدث هو زيادة كبيرة في العرض . فقد زادت نسبة المساكن المطروحة للايجار بنسبة 7 .1 في المائة ما بين نوفمبر وديسمبر، لتصبح الزيادة في العرض اجمالا 4 في المائة خلال العام .

ومع استمرار الاقتصاد البريطاني في حالة ركود حتى الربع الثالث من العام واستمرار الزيادة في معدلات البطالة، يتوقع ان يتراجع التحسن الطفيف في قطاع العقار خلال عام ،2010 وترى بعض التقديرات المتفائلة الا يزيد التراجع عن هبوط الأسعار بنسبة تتراوح ما بين 1 و2 في المائة . وتلك تقديرات تأخذ في الاعتبار التوقعات المتفائلة بالنسبة للاقتصاد عموما بأن يبدأ في التعافي مبكرا خلال عام 2010 .

اما التقديرات المتشائمة فتذهب الى توقع تراجع أسعار العقارات في بريطانيا بنسب قد تصل الى 20 في المائة . وتعتمد تلك التقديرات السيناريو الأسوأ للتعافي الاقتصادي اضافة الى حساب المغالاة في قيمة الاصول التي لم تتبخر بعد من القطاع العقاري بشكل كامل .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"