قاعدة الكثرة والغلبة

02:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

يذكر الفقهاء في كتبهم بعض القواعد الفقهية التي تدل على أن الحكم للأكثر والأغلب، فمن ذلك قولهم: «الأكثر ينزل منزلة الكمال والأقل تبع للأكثر»، وقولهم: «يقام الأكثر مقام الكل»، وقولهم: «اليسير يكون تبعاً للكثير، ولا يكون الكثير تبعاً لليسير» (انظر المبسوط للسرخسي ج 9 ص 19).
ويقولون أيضاً: «القليل يتبع الكثير في العقود»، والفرق بين القليل والكثير أصل في الشريعة معلوم. (انظر الأحكام لابن العربي ج 4 ص 1804، وانظر قواعد الأحكام للعز بن عبدالسلام ج 2 ص 157).
ويقولون أيضاً: «الأكثر قد أجري مجرى الكل أو الأكثر ملحق بالكل، والعبرة بالغالب» (انظر المقنع ج 2 ص 740، وانظر كشاف القناع ج 1 ص 281، وانظر المبدع لابن مفلح ج 7 ص 54).
ومما يلاحظ أن الفقه الإسلامي لم يربط الكثرة والغلبة بالزيادة على 50٪، كما هو العرف المتبع اليوم في نظام الانتخابات.
بل للشريعة الإسلامية مفهومها الخاص، فهي ربما عبرت عن الكثرة بالثلث، مثل ما ورد في حديث سعد، حينما أراد أن يوصي بجميع أمواله، فقال عليه الصلاة والسلام: «الثلث والثلث كثير».

إذن معيار الكثرة والقلة ليس بنسبة 50٪ أو أقل أو أكثر بل يقدر بالعرف، ولذلك استخدم اليسير في مقابل الكثير، والغالب في مقابل النادر.

ويكاد يكون المالكية والحنابلة، رحمهم الله، يتفقون على أن الثلث يدل على اليسير، وما زاد فهو كثير.

في حين أن مجمع الفقه الإسلامي اعتمد مصطلح الغالب والنادر، ورجح الدكتور عبدالستار أبوغدة هذا الرأي.
لكن في المقابل نجد بعض المعاصرين اعتمدوا القليل والكثير، وقالوا: «القليل ما دون النصف، وما زاد على النصف فهو كثير». (انظر حكم الاستثمار في الأسهم للدكتور علي محيي الدين القره داغي من علماء قطر ص 87 - 91).
ويسوق القره داغي، حول قاعدتي الكثرة والغلبة، أدلة من الكتاب والسنة والقواعد الفقهية، فمن الآيات الواردة في هذا الباب، قوله تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً..» (الآية 25 من سورة الأنفال) فالآية دلت على أن العقوبة (الفتنة) تنزل بسبب عصيان الأكثرية رغم وجود قلة صالحة.
وفي الحديث (أن الرسول صلى الله عليه وسلم استيقظ من النوم محمراً وجهه، وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث) (رواه البخاري).
ومن هذا القبيل أيضاً حديث: «إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث) (رواه الشافعي والدارمي والحاكم).
والحديث واضح، بأن الشرع اعتبر القلتين فأكثر، دليلاً على الكثرة والغلبة، ولم يقل إذا تجاوز النصف.
وقال الله تعالى في الخمر والميسر: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا..» (الآية: 219 من سورة البقرة).
ونلاحظ هنا أن معيار الحرمة الأكبر والأصغر من غير أن يتطرق إلى نسبة الكبر أو الصغر، المهم أن الإثم أكثر أو أكبر من المنفعة.
نعم.. وأكثر أحكام الشريعة كما يقول القرطبي مبنية على غلبة الظن كالقياس وخبر الواحد، وغير ذلك من قيم المتلفات وأرش الجنايات (انظر الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 232).
ويقول القرافي المالكي: «اعلم أن الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر، وهو شأن الشريعة». (انظر الفروق ج 4 ص 104).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"