عبدالله الهدية.. الباحث عن إرم

02:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
لا تكاد تغيب نبرة الصوت التي تلتصق بتعابير الوجه عن قصائد عبدالله الهدية الشحي، فالتناغم بينهما مثل حديث طائر أبكى الغصن الذي يتكئ عليه بعد رحلة عناء من التحليق، هكذا يبدو الهدية في قصائده وأمسياته الشعرية التي يصافح فيها جمهوره، فهو مسكون بهم كبير، وهو دائم البحث والتنقل من مطار إلى مطار، ومن فضاء إلى فضاء، وهو بهذا التوجس الذي يرافق حرفه كالظل يجعل من شعوره المرتبك الذي لا يعرف الاستقرار وسيلة للتعبير عن خلجات النفس، وأسلوباً ذكياً يستطيع من خلاله إيصال رسالة الشاعر الذي يحمل همّ أمته وجمهوره.
ومن خلال نصوصه التي ضمها ديوانه الشعري «الباحث عن إرم» الذي يعبر من خلاله عن علاقة الذات بالآخر، فهو يشير إلى الآخر أحياناً، وأحياناً يقترب منه ويحاوره ليجعل من قصيدته لوناً من ألوان العصف الفكري والمكاشفة، عبر صورة شعرية لافتة لا نلمح فيها مواربة.
وعبدالله الهدية باحث عن «إرم ذات العماد» بأسلوب مجازي لعالم يحمل دلالة كبيرة، وغوصٍ في أعماق التاريخ وتداعيات الزمن:

فوقفتُ فوق تلال حلمي حاملاً
سكينَ بأسي كي أقصَّ بُكائيا
لكنني لما هممتُ لمأربي

هدّتْ أعاصيرُ الضياعِ ثباتيا

ومع هذا الانكسار، إلا أن العواصف والموج لا تثنيه عن بلوغ ما يحلم به لتلك التي شغلت شعره فكتبها ألماً، علّه يجد مرسى لأمل قادم:
سُفُني محمّلةٌ بهمِّ قضيّتي
والهمُّ بركانٌ يُذيبُ جباليا
لكنني رغم الرياح وعصفها

أمضي وإن كسر الجفا مجدافيا

ومن هنا تتجلى ثقافة النص وأهميتها في بنيته وتكوين هويته، وهي إحدى الركائز التي يعتمد عليها البعض في طرح رؤاه وترسيخ الصورة، والكشف عن المخزون المعرفي الذي يستقي من فلسفة عميقة تقوّي عضد الحرف، وتجعل منه قوة لا تهتز أو ترتبك في ساحات التلقي والنقد.
إن معاناة الهدية مع القصيدة لها ارتباط بالسنين العجاف التي تعب فيها من ترجّي الغيم، كي يمطر لتنبت الأرض حياة مثمرة تنسيه تلك الملوحة التي أفسدت تربة الحلم بفعل فاعل، ليترك سؤالاً محيراً في مَن سيصل إلى مبتغاه:
والجادلونَ سُعيفاتِ الحداثةِ لا
تزالُ أيديهُمُ بالذنبِ تغتسلُ
الهدية في «الباحث عن إرم» لا ينفصل عن الزمن، بل يستدعيه لكي يكون شاهداً تارة، وتارة يجسدُ شخصية المنافح عن الحلم، وهو يعود بالذاكرة إلى ذلك الاختلاف الذي كبر وأصبح خلافاً زهقت من أجله وبسببه أرواح كثيرة:
عناداً يُقتلُ الإبداعُ فينا
ويأخذُ دورنا الضحلُ الهزيلُ
تسيّدَ في مضاربنا الأعادي
وما أضحى لفارسها قبولُ
ومن خلال هذه المسيرة الطويلة المكللة بالوجع والقلق والإخلاص للقصيدة، جاءت الالتفاتة الكريمة من قبل عين لا تغفل عن متابعة الإبداع وأهله، فنال ثقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ليكون الشخصية المكرمة ضمن جائزة الشارقة للشعر العربي- الدورة الخامسة، وضمن مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الثالثة عشرة.

وتمت طباعة هذا الإصدار توثيقاً للجمال والإبداع، وليكون إضافة نوعية توثق للمشهد الشعري الإماراتي المنسجم مع المشهد الثقافي العربي، وما يتطلع إليه من طموح كبير لتثبيت صورة هذا الإرث العربي العظيم والمحافظة عليه في ظل تحولات الزمان والمكان، وما يحيط بهما من متغيرات، لكن تظل روح الهدية الإبداعية وثابة تسعى إلى بلوغ مدن الشعر الآسرة، وتبقى قصيدته ذاكرة تغمرنا بالدهشة والتنوع الشعري الباهر.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"