كأنهم صنعوا معجزة!

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

دائماً نتغنى بزمن «الكبار» ونترحم على «الفن الأصيل» من موسيقى وكلمات وأغانٍ وتمثيل وتأليف وإخراج. طبعاً لم تكن أم كلثوم وحدها التي تغني في ذلك الزمن، ولم تكن كل الأفلام بنفس مستوى «الأرض» و«بداية ونهاية» و«الزوجة الثانية»، وغيرها من روائع السينما العربية، ولا كل المسلسلات كانت «رأفت الهجان» و«الشهد والدموع» و«المال والبنون»، فلا بد من وجود التنوع في الأعمال الفنية والمستويات والألوان، لكن حتى اللون «الخفيف» لم يكن باهتاً؛ لأن الجمهور في ذلك الوقت كان يفرض شروطه رافضاً البذاءة والسوقية، متمسكاً بالجمال والرقي، مرحباً بالبساطة وإن تكحّلت ببعض السذاجة، مثل بعض الأفلام الكوميدية و«الغرامية».
اليوم أيضاً لا نتوقع أن تأتينا الفنون بمختلف تنوعاتها بلون واحد أو بنفس مستوى العمق والجودة والإبداع، ولا نتوقع أن تكحل الدراما التلفزيونية عيوننا بروائع الأدباء والكتاب العرب على مدار الأيام والسنين، لكن العيب أن تتحول مسلسلاتنا إلى مجرد أفكار مدبلجة مستنسخة من العقول التركية والمكسيكية التي لا تشغل بالها إلا بضخ أعداد من المسلسلات الفارغة، بأحداث غير منطقية، ركائزها الوحيدة: قصص الحب والخيانة والجريمة؛ أي التشويق.
ما زاد طيننا بلّة، وجود مواقع التواصل ولهاث النجوم والمنتجين خلف «الترند»، فبمقياس ريختر العصر الحديث (الترند) يحقق مسلسل «لؤلؤ» المستمر عرضه نجاحاً مبهراً، ويزيد من رصيده في هذا النجاح وجود 15 أغنية كُتبت ولُحنت وصوّرت خصيصاً للمسلسل، علماً بأن بطلة العمل مي عمر تؤديها شكلاً، بينما الصوت الحقيقي للمغنية نور عبد السلام.
ألا يكفي هذا الإقبال على المشاهدة لكي نبصم بالعشرة على نجاح المسلسل الذي وضعت قصته مي عمر، وكتب له السيناريو والحوار محمد مهران، ومن إخراج محمد عبد السلام وإشراف عام على الكتابة والإخراج محمد سامي؟ لا، فالمسلسل يشبه إلى حد بعيد المسلسلات التركية، التي تشد الجمهور بقصص حب معقدة ومستحيلة، وأبطال مقهورين طوال الوقت، ومؤامرات وخيانة، زد عليها المبالغة في كثرة تغيير ملابس البطلة لؤلؤ، والأناقة الفائقة، وكأنها عارضة أزياء تختار ملابسها وإكسسواراتها؛ أي الحقائب والأحذية وتوابعهما من أفخم وأعلى الماركات العالمية، ولا تقل عنها السيارات فخامة.
يقول المثل: «إذا أطعمت الفم تستحي العين»، وفي هذه النوعية من الأعمال إذا أبهرت العيون تستحي العقول فتسكت عن كم الأخطاء في المسلسل، وتكرار بعض العبارات والحوارات، وغياب المنطق في التصرفات وكأننا أمام شخصيات كلها مركبة غير متزنة، البطلة التي عرفناها قوية وذكية طوال الوقت تغلب الرجال ولا تقوى عليها النساء، فجأة تصبح ضعيفة غبية يستغلها الجميع بلا استثناء، والطيب القلب يصبح قاتلاً بلا مقدمات ولا أسباب جوهرية تمهد لجريمته!
ليكتمل الاستنساخ الشكلي للمسلسلات التركية، يمتد «لؤلؤ» إلى 40 حلقة دون سبب مقنع أو دواعٍ درامية حقيقية، سوى الرغبة في المط ليبقى العمل ماثلاً أمام جمهوره أطول فترة ممكنة، وتبقى عيون صنّاعه على «الترند» ليثبتوا أنهم صنعوا «معجزة»!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"