الاستيطان جوهر الاحتلال

04:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

الجدل القائم حالياً بأصوات عالية بشأن الاستيطان الصهيوني للأراضي العربية الفلسطينية المحتلة منذ عام ،1967 بما فيها القدس الشرقية، يستحق اهتماماً مركزاً، خاصة في النطاق الأمريكي الإسرائيلي لهذا الجدل، وفي المتابعة العربية من قبل الدوائر الرسمية، التي تصل إلى حدود عقد آمال وهمية، على سراب تحول هذا الجدل إلى صدام جوهري بين إسرائيل والإدارة الأمريكية، يقود الأنظمة العربية الرسمية إلى احتمالات الحل التاريخي العادل للصراع، منذ أن رفع النظام العربي الرسمي، بلسان الرئيس الراحل أنور السادات أولاً، شعار أن أوارق الحل أصبحت كلها في يد الإدارة الأمريكية.

الأمر الخطير الذي تعرفه الانظمة العربية الرسمية، لكنها تتجاهله عمداً، هو اللعبة الأمريكية الإسرائيلية للفصل بين الاستيطان والاحتلال، وهو الفصل الذي يتطلب هذا التركيز المبالغ فيه على الاستيطان، الذي يقابله التغييب الكامل لمسألة الاحتلال، ليس في البحث الحالي عن الحلول النهائية فقط، بل منذ أن وقعت بقية الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال في حرب 1967.

أما الحقيقة الجوهرية التي تعرفها الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة حق المعرفة من خلال مراكز أبحاثها الكثيرة، والتي تعرفها الأنظمة العربية بالدرجة نفسها من خلال المعاناة العربية المشتركة للقضية الفلسطينية، منذ نشأتها، هي أن حركة الاستيطان الصهيونية لأراض معينة في فلسطين، بينها أراض في منطقة القدس بالذات، كانت في أساس المشروع الصهيوني لاحتلال فلسطين بأسلوب متدرج ومتلاحق، منذ مطلع القرن العشرين، بل حتى منذ العقدين الأخيرين للقرن التاسع عشر، عندما بدأت جحافل المهاجرين اليهود، تتسلل من شتى البلاد الأوروبية إلى أرض فلسطين، وهي لما تزل ولاية عثمانية.

فمنذ تلك البدايات الجنينية الأولى للمسألة، كانت الحركة الصهيونية تمتلك مخططات واضحة لأمرين متكاملين:

1- تخصيص الأموال الطائلة لشراء نوعين من الأراضي في فلسطين. النوع الأول هو الأراضي الزراعية، التي يمكن أن تبني فيها مستعمرات صهيونية صالحة لسكن المهاجرين اليهود، كما لتدريباتهم وتجمعاتهم العسكرية. والنوع الثاني يشمل منطقة القدس، باعتبارها الهدف الأساسي في المشروع الصهيوني، لتحويلها عاصمة أبدية ل إسرائيل، عندما تقوم.

2- التخطيط لمشاريع الترانسفير أي تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وخاصة المجتمعات الفلسطينية الريفية، لأنها الأكثر التصاقا بالأرض المطلوب تحريرها بشكل متدرج من سكانها الأصليين، لتتحول إلى محل إقامة لجحافل المهاجرين اليهود، وحتى يومنا هذا. وقد بلغت مشاريع الترانسفير هذه من الدقة والاحتراف أنها كانت تخطط أولاً لطرد الفلسطينيين إلى سورية أولاً، لكن دهاة الحركة الصهيونية ارتأوا في وقت مبكر أن وجهة الفلسطينيين المهجرين يجب أن تكون أرضاً عربية لا تملك حدوداً مباشرة مع فلسطين، فتحولت مشاريع الترانسفير من نقل الفلسطينيين إلى سورية، لنقلهم إلى العراق.

في مرحلة لاحقة تالية لحرب ،1967 فإن كل القرارات الدولية ذات الشأن بهذه المسألة، اعتبرت كل الأراضي التي احتلتها إسرائيل نتيجة لحرب ،1967 أراضي محتلة، على إسرائيل الانسحاب الفوري منها.

لكن، وبما أن الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، كان منذ البداية إسرائيل بعقيدتها الصهيونية، فان شهوة إسرائيل في استكمال احتلال ما تبقى من الأرض الفلسطينية بعد عام ،1967 بحركة استيطان تخالف كل القرارات والمواثيق الدولية، وبجدار فصل عنصري وصفته محكمة العدل الدولية في قرار شهير لها بأنه لا شرعي، لأنه أقيم في أراض محتلة، لذلك كله، فإن الإدارة الأمريكية لا تتحدث منذ أربعة عقود ونيف، عن احتلال إسرائيلي لا بد من إنهائه فوراً ودونما حاجة إلى مفاوضات، تطبيقاً لقرارات سبق أن أصدرتها الأمم المتحدة بمجلس أمنها، بل هي تفتح ل إسرائيل المجال واسعاً أمام الفصل بين الاستيطان والاحتلال، بالمشاركة بحديث عن مستوطنات كاملة الشرعية، وأخرى أقل شرعية، ثم تدعي بعد ذلك أن هناك خلافاً ناشباً بينها وبين إسرائيل بشأن المستوطنات.

أغرب من هذا، أن نرى الأنظمة العربية الرسمية تنجر بكاملها، بما فيها السلطة الفلسطينية، للدخول في متاهة الحديث عن تجميد الاستيطان والاحتلال، وليس عن المساواة بين الاستيطان والاحتلال، بدل نقل المجتمع الدولي كله إلى الحديث عن أن الاستيطان برمته وبكامل مستوطناته هو تحويل للاحتلال من أمر مؤقت، إلى أمر ثابت ومؤبد.

لا خروج من هذا النفق المظلم، الا بوقفة جماعية صريحة للأنظمة العربية، تواجه فيها الإدارة الأمريكية بضرورة وقف التلهي بدرجة تجميد الاستيطان ومهله (ثلاثة أشهر أو ستة)، وبالتركيز على التطبيق الكامل والحرفي، لكافة قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"