«الكيماوي» والتحديات التي تواجه البشرية

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

شغل الحديث عن السلاح النووي ومخاطره المواجهات الدبلوماسية والكلامية حول البرامج النووية لبعض الدول، لاسيما كوريا الشمالية، وقد صرفتها هذه السجالات عن مناقشة أخطار أخرى محدقة تتسبب فيها أنواع أخرى من الأسلحة. فعلى الرغم من خطورة السلاح النووي؛ كونه وسيلة تدمير شامل، فإن هناك ما يماثله في الخطورة، ألا وهو السلاح الكيماوي.

ويعود استخدام الأسلحة الكيميائية في الحروب إلى أقدم الأزمنة، إلا أن القرن العشرين شهد منذ بدايته تطوراً مهماً في إتقانها وتوسيع مدى آثارها، خاصة في الحرب العالمية الأولى التي انتشر فيها استخدام الغازات السامة من قبل كافة الأطراف المشاركة فيها، وتسبب ذلك في وقوع ما يتراوح بين مليون و800 ألف إصابة في صفوف قوات روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة.

وتستخدم الأسلحة الكيميائية لتدمير أو تحجيم، أو الحد من نشاط مجموعة بشرية معينة، لتحقيق أهداف مختلفة، حيث إن ما تنفرد به هذه الأسلحة هو التأثير غالباً في الكائنات الحية فقط. ومع ذلك، فإن الأسلحة الحديثة منها معقدة ومتطورة، وتأتي في مجموعة متنوعة من الأشكال، وتشمل المواد الصلبة والغازية والسائلة. 

ويتم استخدام الأسلحة الكيميائية عبر عدة تقنيات مختلفة، فمنها ما يستخدم عبر القنابل، ومنها ما يتم إطلاقه عبر الطائرات، وأحياناً يتم استخدام الرياح لنقل مواد كيميائية إلى أرض العدو.

وبسبب خطورة هذه الأسلحة، فقد تداعت دول العالم إلى عقد معاهدة لحظرها، عُرفت بمعاهدة «حظر تطوير الأسلحة الكيميائية وإنتاجها وتخزينها واستخدامها وتدميرها». وتمت المعاهدة بإدارة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ودخلت حيز التنفيذ عام 1997، ووافقت 192 دولة على الالتزام بهذه المعاهدة. وتُعرِّف المعاهدة الأسلحة الكيميائية بشكل أكثر عمومية، حيث ينطبق هذا المصطلح، على أية مادة كيميائية سامة يمكن أن تسبب الوفاة، أو العجز المؤقت، أو التهيج الحسي. 

وتعتبر الذخائر والأجهزة الأخرى المصممة لإيصال أسلحة كيميائية  سواء أكانت مملوءة أم غير مملوءة  ضمن الأسلحة الكيميائية أيضاً. وكذلك تُعتبر كل مادة كيميائية مستخدمة لأغراض الحرب سلاحاً كيميائياً. وبالطبع، يتم استخدام بعض المواد الكيميائية السامة على مستوى العالم، في الصناعة، حيث يتم استخدامها مادة أولية أساسية، أو كعوامل مضادة للأورام، والتي تمنع تكاثر الخلايا، أو كمواد تبخير أو مبيدات أعشاب أو مبيدات حشرية. وتعتبر هذه المواد الكيميائية أسلحة كيميائية إذا تم إنتاجها وتخزينها بكميات تفوق متطلبات تلك الأغراض غير المحظورة بموجب الاتفاقية.

وقد تم تصميم الاتفاقية لضمان أن المواد الكيميائية السامة يتم تطويرها وإنتاجها فقط لأغراض سلمية، لا علاقة لها بالأسلحة الكيميائية المستخدمة في الحروب. وبالتالي، تجنب إساءة استخدام التكنولوجيا الكيميائية.

 وعلى الرغم من أن مختلف الدول الكبرى وقّعت على اتفاقية حظر السلاح الكيميائي، فإن هذه الدول لا تلتزم بها؛ لأنها ترى نفسها فوق القوانين والشرائع الدولية؛ لذلك كيف تمكن معاقبة الدول العظمى وهي المتهمة. والحقيقة أن العدالة الدولية لاتزال هي عدالة المنتصر، وهي العدالة نفسها التي تم تطبيقها على المهزومين في الحرب العالمية الثانية.

 وإذا كان الحال كذلك، فإن الحديث عن تطبيق معاهدات دولية من قبل الدول الكبرى يبقى مجرد سراب. ومن دون شك، فإن الصدام العالمي الناشئ بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، وبين روسيا والصين من جهة أخرى، سيدفع بمزيد من التوتر في أرجاء العالم، وقد تتحول الحرب الباردة الحالية إلى أخرى ساخنة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق عاجل يضمن كل طرف به مصالحه، وإذا وقعت مثل هذه الحرب، فإن مخزونات الأسلحة الكيميائية الموجودة لدى الدول الكبرى، ستكون كافية لوحدها لإبادة ملايين البشر في مختلف الدول.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"