«أنا».. أنانية وفراغ ولوح ثلج

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

نستمتع بالمسلسلات القصيرة ومسلسلات الحلقات المنفصلة - المتصلة، لأنها تمنحنا متعة مشاهدة قصص متنوعة، ولأنها (المفروض) تقدَّم لنا صافية خالية من أي دهون، أي بلا مطّ وتطويل يقتل الأعمال عادة من أجل ملء مساحات ومواصلة العرض بلا أي داعٍ درامي حقيقي. وهذا الاختصار يمنح الكاتب والمخرج فرصة تقييم عملهما من قبل الجمهور والنقاد بشكل مباشر وسريع، لذا لا يمكن إيجاد أي عذر لمسلسل من ١٠ حلقات فقط، وقد اجتاز نصف المسافة من رحلته معنا دون أن يقدم أي جديد، بل يبدو كمن يسرد عليك حكايات بتفاصيل فارغة وهو يخبئ لك مفاجأة يتركها للحظات الأخيرة!
 مسلسل «أنا» الذي تعرضه «شاهد»، لا يتجاوز العشر حلقات، ورغم ذلك تلفّ وتدور مؤلفته عبير شرارة حول الشخصيات، لا جديد ولا قصص خارجة عن المألوف ولا إبهار. ما الهدف من المسلسل سوى تقليد واضح وفجّ للمسلسلات التركية الفارغة من أي مضمون حقيقي؟ أهي الأنانية التي تريد شرارة أن تبرزها، من عنوان المسلسل «أنا»، ومن خلال انشغال كل فرد في العمل بنفسه وأهوائه فقط بغض النظر عمن حوله الذين يدفعون الثمن؟ وهل يعقل أن تقدم قصة كل شخصياتها سلبية وغير متزنة؟ استنساخ أعمى للدراما التركية، حتى موسيقى المسلسل تأخذك مباشرة إلى «اسطنبول» لا بيروت، وكل الحكايات تدور حول الخيانة والخطايا المتعددة، حتى الأطفال سرقت منهم الكاتبة البراءة ليكون أحدهم سارقاً والثانية يبتزها حبيب وهمي عبر التواصل الافتراضي! طبيعي أن تجد من يدافع بحجة أنها نماذج موجودة في المجتمع، وهي فعلاً كذلك، لكن هل يعقل ألا يوجد بجانبها أي نموذج إيجابي؟ هل الكل خائن، أو مستهتر، أو متعدد العلاقات، أو مضطرب؟ المفروض أن يكون هناك شخصية تتصف بالحكمة، تكون الميزان الذي يعدل الدفة، تحقق التنوع الواقعي لأي مجتمع، ينظر إليها المشاهد بعين التقدير وتراها الشخصيات في العمل الحضن أو الملاذ أو الكتف الذي تلجأ إليه.
مسلسل قصير لكنه فارغ، لم تجد كاتبته معالجة قضاياها بعمق وحرفة. المخرج سامر البرقاوي يقدم صورة رائعة، الجمال فيها ناطق، بينما ترك أداء الأبطال بارداً باهتاً، باستثناء رزان جمال التي أدت دور جودي بنفس الشغف الذي تتصف به الشخصية. رولا بقسماتي تبدو مكبلة بقيود فرضتها الكاتبة على شخصية أسيل، في حين يسقط تيم حسن بدور كرم، فلا حياة ولا حيوية في أدائه مهما تغيرت المواقف والمواقع، سواء كان في بيته أو يحلّق بالمظلة فوق الجبال أو في مغامرة عاطفية مجنونة، حتى ردود أفعاله جامدة كلوح ثلج ينتظر الدفء ليذوب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"