الكلمة للشعب الفلسطيني

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

الخطة لا تلبي الشروط الدولية للحل لانحيازها التام للاحتلال، بل تكافئ الاحتلال على احتلاله، وتكافئ المستوطنين على التخريب والإرهاب.

المتابع للاحتفال الذي ضم الرئيس الأمريكي ترامب وحليفه نتنياهو في البيت الأبيض يلاحظ أنه كان تظاهرة انتخابية استعراضية لخدمة رجلين في مأزق. وقد أطنب الرئيس الأمريكي في امتداح نتنياهو قبل أن يعدد الخدمات التي قدمها للكيان من اعتراف بالقدس عاصمة لليهود، إلى ضم الجولان والمستوطنات... إلخ.

فالصفقة هي لخدمة رجلين يمينيين، لأن من يطلع على الخطوط العامة للخطة، يستنتج أنها أحسن وصفة لإدامة الصراع وسفك الدماء، وليس لتحقيق السلام. فقد ذكر ترامب أفراد طاقمه الذين وضعوا الخطة بالاسم، وهم السفير ديفيد فريدمان، وجيسون غرينبلات، وافي بيركوفيتش، وصهره جاريد كوشنر، وكلهم يهود ومستوطنون، وشكر وزير خارجيته بومبيو المسكون بهوس عودة المسيح كإنجيلي متعصب، فخطة كهذه طباخوها لهم مواقف عدائية مسبقة من الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تنسجم مع القانون الدولي والقرارات الدولية، لأنها ثنائية أمريكية - «إسرائيلية» هدفها تصفية القضية الفلسطينية من جهة، وحشر الفلسطينيين في دويلة «الغيتو» بحيث يمكن إبادتهم لاحقاً من جهة أخرى.

فالتطهير العرقي من أساسيات الأيديولوجية الصهيونية الاستيطانية، ويكفي أن نشير هنا إلى أن السفير فريدمان أشار بعد الإعلان عن الخطة إلى أنه بالإمكان ضم منطقة المثلث المحاذية للضفة الغربية على حدود سنة 48 إلى الدولة الفلسطينية للتخلص من سكانها البالغ عددهم أكثر من نصف مليون فلسطيني.

الخطة عملياً تكرر تجربة أوسلو، وبشكل أسوأ، حيث إنها توصي بإقامة دولة فلسطينية بعد أربع سنوات، مع تجميد الاستيطان خلالها، وهذا يشبه ما نصت عليه اتفاقات أوسلو من فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تنتهي بإقامة دولة فلسطينية، مع تجميد الاستيطان، وكانت النتيجة أنه في نهاية الفترة الانتقالية في أوسلو لم تقم الدولة، بل توجه شيمون بيريز إلى غزة للقاء الشهيد أبو عمار، وعرض عليه إقامة دولة في غزة، ولم يتم تجميد الاستيطان خلال تلك الفترة.

الآن يلاحظ أن خريطة الدويلة الفلسطينية طبقاً ل«الخطة» رسمت بشكل خبيث، إذ تبقي الترانسفير والتطهير العرقي على الأجندة الاحتلالية، حيث تم النص على تبادل منطقتين من صحراء النقب على حدود مصر، مقابل ما سيضمه الاحتلال، وهو 30 في المئة من الضفة، بينما في مفاوضات كامب ديفيد جرى الحديث عن تبادلية لا تتعدى أربعة في المئة وبالمساحة والنوعية نفسها، وهو غير وارد في خطة ترامب، لأن واضعيها لا يرمون إلى إقامة دولة فلسطينية حقاً في الضفة، بل في غزة وصحراء النقب. فالدولة المقترحة منزوعة الدولة، بلا أي سيادة على الأرض، وليس لها حدود مع الجوار، بل محاطة بالاحتلال الذي له السيطرة الحدودية والأمنية حولها وعليها، كما يحرمها من نهر الأردن والبحر الميت والقدس. فما الذي يبقى من مقومات الدولة غير الاسم. وعندما احتج قادة المستوطنين المتواجدين في واشنطن على ذكر حل الدولتين، قال لهم نتنياهو «دولة بلا جيش، والسيطرة الأمنية ستبقى لنا»، أي أن الفلسطينيين سيحشرون في منطقة بلا حول ولا قوة، ويمكن طردهم لاحقاً، أو نقلهم إلى النقب، أو إبادتهم، لأن الإبادة الجسدية كانت عنوان النكبة الأولى.

لا يمكن للخطة الظالمة أن تحظى بأي قبول فلسطيني، بل لا يمكن اعتبارها أساساً للتفاوض، لأنها تتجاوز القرارات الدولية والقانون الدولي، ولا يمكن استبدال الشرعية الدولية بشرعية «ترامب فريدمان كوشنر».

عملياً الخطة لا تلبي الشروط الدولية للحل لانحيازها التام للاحتلال، بل تكافئ الاحتلال على احتلاله، وتكافئ المستوطنين على التخريب والإرهاب في الأرض الفلسطينية، وتلغي حقوق اللاجئين وتحمل الدول العربية مسؤوليتهم، ولا تحمل الاحتلال وجرائمه أي مسؤولية.

نعود للقول: إن الخطة لا مستقبل لها، على الرغم من إغراقها في التفاصيل، لأن الإغراق هدفه الابتعاد عن جوهر الصراع، ولن تحظى بقبول دولي، ولن يعترف أحد بالضم والتوسع، فهي مجرد خطة انتخابية لترامب ونتنياهو، والأخير حملها إلى موسكو، لشرحها وكأن موسكو جاهلة، وهو في الحقيقة ذاهب لاصطحاب سجينة «إسرائيلية» أدينت بتهريب المخدرات في نوع من الدعاية الانتخابية، فالخطة ليست قدراً، والصمود الشعبي الفلسطيني قادر على إفشالها، لأن صموده يبقى السد الأخير أمام الهيمنة «الإسرائيلية» على المنطقة العربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"