انشغال مبكر بقمّة جديدة

02:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
بدأ الأردن ينشغل بالقمة العربية التي سوف يستضيفها، بعد اعتذار اليمن عن هذه المهمة لصعوبة الأوضاع فيه. الانشغال يعبّر عنه آخرون معنيون بالحدث، وليس البلد المضيف فحسب.
في هذا الإطار زار عمّان قبل أيام السيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، واستقبله الملك عبدالله الثاني. الحكيم أوضح أن زيارته تتعلق باستضافة الأردن للقمة العربية المقبلة، وأنه عرض على العاهل الأردني مشروع التسوية الوطنية العراقية، وطلب من الأردن تبني هذا «الملف». وأكد الحكيم أن «التسوية الوطنية تعتمد التنازلات المتبادلة، والضمانات المتبادلة، والطمأنة المتبادلة». وأضاف أن «المشروع السياسي الجديد ناقش بناء الدولة العراقية في مرحلة ما، بعد داعش».. يُذكر أن المجلس الأعلى هو أحد أبرز مكونات «التحالف الوطني» الحاكم في العراق، فيما يتولى الحكيم رئاسة هذا التحالف.
ولا شك في أنها أمارة طيبة أن يكون انعقاد القمة، مناسبة للتقريب بين مكونات بلد عربي هو العراق، وتحت عنوانٍ طموح هو: تسوية وطنية داخلية. ولا ريب أيضاً في أن الوضع في العراق لم يكن على ما يُرام، قبل صعود «داعش»، وأن ظهور التنظيم الإرهابي على هذا النحو، قد زاد الأمور تعقيداً، فالعراق يحتاج إلى عقد سياسي ودستوري يضمن حقوق سائر مكوناته. الأردن لم يعلق بطبيعة الحال على أمرٍ ذي طبيعة محلية محضة، وجرى الاكتفاء بإعراب الملك عن أن استقرار العراق وازدهاره يشكلان مصلحة أردنية.
ليس بعيداً عن العراق، فقد أجاب الناطق باسم الحكومة الأردنية د. محمد المومني في ندوة صحفية، عُقدت الجمعة الماضية 9 ديسمبر/كانون الأول، عن المشاركة السورية في القمة، فأجاب بأنه لن تتم دعوة الحكومة السورية إلى القمة، كون عضوية هذه الحكومة مُجمّدة في الجامعة العربية، ولم يتم التطرق إلى إمكانية مشاركة المعارضة السورية. على أن التطورات المتسارعة على الساحة السورية، والتي جرى توقيت تصعيدها لتتزامن مع الانتقال الرئاسي في البيت الأبيض، قد تنعكس على ترتيبات القمة، وعلى طبيعة المشاركة السورية فيها، إذا ما تمت هذه المشاركة بصورة ما.
يستذكر المرء هنا أن العاصمة الأردنية سبق أن شهدت انعقاد قمة عربية في العام 1987، وقد سُميت حينها ب«قمة الاتفاق والوفاق»، وجرت خلالها مصالحة بين الرئيسين العراقي والسوري صدام حسين وحافظ الأسد، وتم فيها دعم العراق في حربه مع إيران، كما تمّت مصالحة بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.
لقد مضى، كما يبدو، زمن معالجة الخلافات، بالمصالحات. فالحاجة القائمة الآن هي إلى البحث عن تفاهمات، كأساس لتنظيم العلاقات مع الجوار والأشقاء. العراق وسوريا هما مثالان ساطعان على هذا الوضع، فإذا تم التوصل إلى تفاهمات داخلية في هذين البلدين، فإنه يمكن إشاعة التفاهم مع دول الجوار. علماً بأن بلوغ هذا الهدف ليس سهلاً، وذلك بعد أن تم استدخال العامل الخارجي في هذين البلدين إلى عمق الوضع الداخلي، علاوة على أن أزمات المنطقة باتت متصلة ببعضها، وتتخذ طابع الصراعات العنيفة، والحروب الداخلية ذات الامتداد الإقليمي.
وكما هو حال قمم سابقة، فإن انعقاد قمة عربية جديدة لم يعد يثير الكثير من الآمال لدى الرأي العام العربي، ما يجعل كل بلد مضيف للقمة عازماً على أداء هذه المهمة «الثقيلة» بأكبر قدر متاح من النجاح الممكن. ومن هنا تنشط عادة تحركات علنية، وأخرى مكتومة، لضمان انعقاد القمة بصورة سلسة، مع تحقيق أكبر قدر من الوفاق على توجهات هذه القمة، وعلى رسائلها قبل انعقادها. والترجيحات بأن العراق سوف يقطع حتى مارس/آذار المقبل شوطاً كبيراً في حملته على تنظيم «داعش»، ويفترض أن تكون الحملة قد آذنت على الانتهاء حينئذٍ باندحار هذا التنظيم الإرهابي، بما ينعكس إيجاباً على مجمل الوضع الداخلي. وفي ليبيا فقد تحققت نتائج جيدة بدحر «داعش» عن معقله في مدينة سرت. وهذه التطورات في حال تحققها كما هو مأمول، فسوف تحظى بمباركة عربية في القمة.
وفي جميع الأحوال فإن جملة التطورات والتفاعلات في المشرق العربي بالذات خلال المئة يوم المقبلة، هي التي ستحدد ليس فقط حظوظ هذه القمة في النجاح، بل كذلك حظوظ الشعوب في الاستقرار والازدهار والكرامة، وتنشيط التواصل والتعاون بينها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"