أسئلة ما بعد الانتخابات البريطانية

02:24 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.غسان العزي
على الرغم من عراقة الديمقراطية البريطانية فإن قانونها الانتخابي، الأغلبي في دورة واحدة، هو من أسوأ القوانين الانتخابية لجهة التمثيل الشعبي.
وتنهض الخريطة السياسية على ثنائية حزبية ما بين الحزب المحافظ (يمين الوسط) والحزب العمالي (يسار الوسط) حيث يعبّر صعود الأحزاب الصغرى أحياناً عن تراجع ثقة الناخبين بالحزبين الكبيرين، الأمر الذي يجبر أحدهما على التحالف مع أحد هذه الأحزاب بغية الحصول على أغلبية تؤهله لتشكيل الحكومة، وهذا ما حصل في العام ٢٠١٠ مع الحزب المحافظ الذي يحكم اليوم بزعامة ديفيد كاميرون.
انتخابات السابع من مايو/ أيار كرست الثنائية- الحزبية وبرهنت مجدداً على أن النظام الانتخابي الأغلبي لا يعمل لمصلحة الأحزاب الصغيرة التي لا تنمو إلا في ظل النظام القائم على النسبية.
هذه الأحزاب، مثل حزب استقلال المملكة المتحدة والحزب القومي الإسكتلندي والخضر، لم تحصل على عدد من المقاعد يجعلها قادرة على التأثير في تكوين الحكومة المقبلة والتي سوف يستأثر بتشكيلها الحزب المحافظ الذي فاز بالأغلبية المطلقة والذي استدعت الملكة إليزابيت الثانية زعيمه كاميرون لتكلفه بهذا التشكيل.
وقد أعلن كاميرون لدى عودته إلى «10 داوننغ ستريت» عزمه على تشكيل الحكومة من دون التحالف مع أحد وعلى الاحتفاظ بوزراء الداخلية والدفاع والمالية والخارجية أنفسهم في الحكومة الجديدة.
لقد أخطأت كل معاهد استطلاعات الرأي التي توقعت انتخابات صعبة لكاميرون قد تخرجه من السلطة أو في أحسن الأحوال تجبره على التحالف مع من يختلف معه في أمور كثيرة.
وكانت المفاجأة حصول الحزب المحافظ على ٣٣١ مقعداً في مجلس العموم (من أصل ٦٥٠) تؤهله لقيادة البلاد بمفرده، بالاضافة إلى استئثاره بحرية تقرير موعد الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، في العام ٢٠١٧ كما سبق ووعد الناخبين.
لقد قامت حملة كاميرون الانتخابية على النتائج الاقتصادية التي حققتها حكومته منذ وصولها إلى السلطة في العام ٢٠١٠: نسبة البطالة تراجعت أكثر من عشرة في المئة إلى ٥,٦ في المئة مع توفير أكثر من مليوني فرصة عمل، ونمو سنوي بمعدل ٢,٨ في المئة وهي نسبة استثنائية في أوروبا التي تتخبط في الأزمة الاقتصادية والمالية.
لقد نجحت استراتيجيته التي قامت على إخافة الناخبين من «الفوضى» الاقتصادية التي قد تحل في حال فاز حزب العمل، وعلى استغلال خوف الإنجليز من حكومة عمالية قد تضطر للتحالف مع الانفصاليين الإسكتلنديين الذين يسعون إلى «كسر بلدنا» بحسب تعبير كاميرون.
لقد انهار حزب «ليبدمز» (الديمقراطيون الليبراليون) المتحمس للبقاء في الاتحاد الأوروبي والذي يتزعمه نك كليغ، نائب رئيس الوزراء حالياً، إذ تراجع عدد مقاعده من ٥٦ إلى عشرة فقط،وبالتالي فقد تأثيره في الحكومة الجديدة وعلى الاستفتاء المقبل حول أوروبا. استقال كليغ من زعامة حزبه الذي تلقى أقسى هزيمة منذ تأسيسه في العام ١٩٨٨، كما أعلن.
كذلك كانت النتيجة مخيبة لآمال إد ميليباند زعيم الحزب العمالي الذي مني بهزيمة ماحقة في معقله التاريخي الإسكتلندي، منذ العام ١٩١٨، حيث خسر كل مقاعده إلا واحداً فقط. في هذا الشمال الإسكتلندي فاز الحزب القومي المطالب بالاستقلال عن المملكة المتحدة ب ٥٦ مقعداً من أصل٥٩، والأكثر من ذلك تمكنت مرشحته الطالبة في العلوم السياسية ميري بلاك، البالغة من العمر عشرين ربيعاً، من إلحاق الهزيمة بأحد أبرز وجوه الحزب العمالي دوغلاس ألكسندر، وأضحت بذلك أصغر نائبة تدخل قصر وستمنستر منذ العام ١٦٦٧.
وفور إعلان النتائج تقدم «إد الأحمر» كما يلقبه رفاقه باستقالته من زعامة الحزب، ذلك أن «يساريته المفرطة»، كما يقول توني بلير، وتأييده العلني للبقاء في أوروبا تسببا بهزيمة الحزب.
وهذا أيضاً ما حل بحزب استقلال المملكة المتحدة (يوكيب) الذي لم يحظ بأكثر من مقعدين، ما دفع زعيمه نيجل فاراج إلى الاستقالة من زعامة الحزب لاسيما وأنه فشل في الاحتفاظ بمقعده الشخصي في مجلس العموم، الأمر الذي قد يخرجه من الحياة السياسية.
هل تفتح نتائج هذه الانتخابات الطريق أمام خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في استفتاء العام ٢٠١٧؟
إن فوز الانفصاليين الإسكتلنديين الكبير في هذه الانتخابات يعيد طرح مسألة الاستقلال عن المملكة المتحدة رغم أنها فشلت في الاستفتاء الذي أجري في سبتمبر/أيلول الماضي (٤٥٪ من الأصوات).هذا الفوز يوفر لهم منصة عالية في وستمنستر سوف يستغلها قائدهم السابق الكس سالموند في الهجوم المستمر على حكومة كاميرون المقبلة واتهامها بكل المشاكل، في سعي لإجبارها على إجراء استفتاء جديد حول بقاء إسكتلندا في المملكة المتحدة.
وقد أعلنت زعيمة الحزب القومي الإسكتلندي نيكولا ستيرجون رفض مواطنيها الخروج من أوروبا فقط لأن الإنجليز قرروا ذلك.
فالاقتصاد الإسكتلندي مرتبط كثيراً بأوروبا وفي حال تضارب أصوات الإنجليز مع أصوات الإسكتلنديين في استفتاء العام ٢٠١٧ فإن هؤلاء الأخيرين سيعملون على الخروج من بريطانيا والبقاء في أوروبا.
ومن شأن فوز قوميي اسكتلندا تشجيع طموحات قوميي حزب بليد كامري الذين حسنوا تمثيلهم في مقاطعة ويلز وهي الأفقر من بين المقاطعات المتحدة الأربع.
وقد نجحت زعيمتهم ليان وود في المحافظة على مقاعد الحزب الثلاثة في مجلس العموم، وهي تطالب بحكم جمهوري وتطلق على الملكة إليزابيت الثانية اسم «سيدة وندسور».
من جهته كاميرون وعد بتأييد البقاء في أوروبا في الاستفتاء المقبل،شريطة أن توافق هذه الأخيرة على إجراء بعض التعديلات في المعاهدات الأوروبية المتعلقة بالبورصة وبحرية التنقل داخل الاتحاد وبالهجرة البينية الأوروبية.
لكن ألمانيا وفرنسا أعلنتا رفضهما مثل هذا التعديل، الأمر الذي يؤذن بمفاوضات صعبة في بروكسل التي سيتوجه إليها كاميرون فور تشكيل حكومته.
وربما تستمر الاندفاعة الانتخابية لمصلحة المحافظين في اتجاه ال«بريكست» (الخروج من أوروبا)، فطبقة رجال الأعمال التي تدافع تقليدياً عن أوروبا لم تعد تلعب مثل هذا الدور. وكاميرون المعروف ببراغماتيته يمكن، إذا رأى أن اتجاهات الرأي العام تسير في عكس التيار الأوروبي، أن يحمل شعار استعادة بريطانيا لحريتها وعودتها إلى «الواسع العريض» (الأطلسي في اتجاه أمريكا) بحسب التعبير الشهير لونستون تشرشل.
حشد من التساؤلات نفسها والوحدة الأوروبية معها. أفرزته الانتخابات التشريعية البريطانية، حول مستقبل وحدة المملكة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"