الحصاد المر لحرب الإرهاب

02:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
في الرابع من إبريل/ نيسان عام 1967، أي في نفس اليوم الذي اغتيل فيه بعد ذلك بعام، ألقى المناضل الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينغ، واحدة من خطبه البليغة، داعياً إلى الكفاح السلمي ضد العنصرية. في هذه الخطبة وصف بلاده التي كانت غارقة في الحرب الفيتنامية بأنها أكبر متعهد للعنف في العالم. بعد ذلك بنحو 34 عاماً صك الرئيس بوش الابن تعبيره الشهير عن الحرب العالمية ضد الإرهاب. ورغم اختلاف المسميات ظلت أمريكا تقود دفة الصراع في الحالتين. وبقيت كذلك المحصلة واحدة: أنهار من الدماء، وتلال من الأشلاء والخسائر.
انتهت حرب فيتنام بهزيمة أمريكية موجعة ومخزية، بينما ما زالت الحرب ضد الإرهاب جارية للعام الخامس عشر بلا مؤشرات تبشر بنتيجة مختلفة هذه المرة. كثير من الكتاب والمفكرين الأمريكيين يجاهرون بهذه الحقيقة. أحد هؤلاء هو المفكر اليساري الشهير ناعوم تشومسكي، الذي يعتبر أن الحرب على الإرهاب تسببت في تمدده من بقعة صغيرة محدودة كان يفترض أن تقتصر عليها في أفغانستان، إلى جبهة واسعة تشمل دول العالم شرقاً وغرباً. وأن هذه الحرب فرخت من الإرهابيين أكثر مما قتلت منهم.

وينقل تشومسكي عن خبيري مكافحة الإرهاب بيتر بيرجين وبول كرويكشانك، قولهما إن غزو العراق الذي تم تسويقه على أنه جولة في تلك الحرب العالمية قفز بالمعدل السنوي للهجمات الإرهابية إلى سبعة أضعاف ما كان عليه قبل الغزو. وحتى مع استبعاد الهجمات في أفغانستان والعراق، فإن العمليات الإرهابية زادت في باقي العالم بأكثر من الثلث منذ ذلك الوقت.

الخلاصة نفسها توصل إليها الصحفي الأمريكي مارك تيسين، وسجلها على صفحات «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي معتبراً أن استراتيجية أوباما حققت نتائج عكسية تماماً. ويدلل على ذلك بتحليل أذاعته شبكة «سي إن إن» ذكرت فيه أنه منذ إعلان «داعش» ل«لخلافة الإسلامية» في 2014 شنت الحركة 90 هجوماً إرهابياً في 21 دولة خارج العراق وأفغانستان سقط فيها 1390 قتيلاً وأكثر من ألفي مصاب. وفي الوقت الحالي يوجد ل«داعش» قواعد أو مجموعات في 12 دولة، ولديها ما يسمى «بالإمارات الإسلامية» داخل ثماني دول عربية وإسلامية.

وتوضح دراسة لمجموعة منظمات طبية وإنسانية أن أول 12 عاماً من الحرب العالمية على الإرهاب أسفرت عن مصرع 1,3 مليون شخص في 3 دول فقط هي العراق وأفغانستان وباكستان. وأن الرقم يمكن أن يكون قد وصل حالياً إلى نحو مليوني شخص.

ويسلط معهد أوسلو لأبحاث السلام الضوء على حقيقة مهمة أخرى يسعى الغرب لطمسها، وهي أن تدخلاته العسكرية في الصراعات المحلية بالشرق الأوسط تؤجج هذه الصراعات، وليس العكس. وأن 98% من ضحايا تلك الصراعات المحلية سقطوا بالفعل بعد التدخلات الخارجية. وفي كتابه «من يحكم العالم؟» يذكر تشومسكي أن عدد ضحايا الحرب في سوريا ارتفع ثلاثة أضعاف بعد الغارات الأمريكية ضد «داعش». والمؤكد أنه قد قفز بنفس النسبة بعد الغارات الروسية.

أما بالنسبة للتكاليف المادية، ينقل نفس المؤلف عن سكوت اتران المتخصص في الحركات «الجهادية»، قوله إن هجمات سبتمبر 2001 كلفت «القاعدة» ما بين 400 إلى 500 ألف دولار. في حين أن تكلفة الرد العسكري لأمريكا وحلفائها زاد على هذا الرقم بنحو عشرة ملايين مرة.

تفرض تلك التقديرات عن نتائج الحرب تساؤلاً منطقياً عن مستقبلها. هنا أيضاً لا يوجد ما يدعو للتفاؤل. ويرفض تشومسكي الاعتقاد الشائع بأن قتل زعيم إرهابي يعنى إضعاف حركته، لأن ما يحدث في الواقع هو العكس، حيث يكون القائد الجديد أصغر سناً وأكثر شراسة وطموحاً. بناء على هذا لو نجحت أمريكا في قتل أبو بكر البغدادي زعيم «داعش» والمنافس العتيد لأيمن الظواهري زعيم «القاعدة»، فإن هذا الإنجاز لا يعنى هزيمة التنظيم. بل إن بروس هوفامان الباحث في مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية يتوقع أن يمهد قتل البغدادي لدمج «القاعدة» و«داعش». بما يعنى تكوين تنظيم غير مسبوق من حيث الحجم والإمكانات والطموح ومن ثم الخطر.

غير أن الصحفي مارك تسين يرى خلاف ذلك، حيث إن التنافس بين التنظيمين على كسب المزيد من المجندين والتبرعات سيستمر. وأن السبيل الوحيد أمام كل تنظيم لإثبات جدارته وحسم السباق، سيكون نجاحه في توجيه ضربة إلى العمق الأمريكي. وكما يقول الجنرال جاك كيان فإن الأمر ليس أكثر من مسألة وقت قبل أن ينجز أحدهما هذا الهدف.

عاصم عبد الخالق
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"