. . ولا عزاء للفقراء

05:26 صباحا
قراءة دقيقتين
عثمان النمر
يكتسب المسؤولون الأمميون شجاعة مفقودة عندما يغادرون مناصبهم، فيتحدثون بصراحة افتقروا إليها عندما كانوا يشغلون المنصب . ومثال ذلك الهجوم غير المسبوق الذي شنته المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية المنتهية ولايتها مارغريت تشان على شركات الصناعات الدوائية العالمية .
اتهمت تشان شركات الأدوية الكبرى التي يحركها الربح، وبالمسؤولية عن غياب مصل ودواء لمكافحة وباء الحمى النزفية "ايبولا"، وقالت إن الفيروس المميت المسبب للمرض اكتشف قبل أربعة عقود، لكن شركات الأودية لم تجد حافزاً للبحث عن مصل مضاد وعلاج للمرض، لأنه تاريخياً كان منحصراً في دول إفريقية فقيرة، وشركات الأدوية الباحثة عن تعظيم أرباحها لا تستثمر في منتجات لأسواق لا تستطيع الدفع .
زاد الاهتمام بالوباء بعد أن وصلت الإصابات إلى دول غربية، مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا والمانيا وكندا . ورغم ذلك أصمت شركات الأدوية آذانها عن سماع النداءات التي أطلقتها دول فقيرة ومنظمات إنسانية حول نقص الاستثمار في تطوير اللقاحات وأنظمة الرعاية الصحية للدول البائسة .
اللقاحات والأدوية التي يجري تطويرها أو تجريبها حالياً لا صلة للشركات الكبرى بها . فالابحاث تمولها صناديق خيرية أو مؤسسات غير ربحية في بريطانيا وكندا .
منذ اكتشاف فيروس "ايبولا" المميت في ،1976 حدث أكثر من 120 انتشاراً وبائياً للمرض، لكنها كلها كانت في نطاق ضيق في دول إفريقية محدودة، الأمر الذي لم يخلق حركة دفع من أجل حث جهود لتطوير علاج للمرض أو مصل للوقاية منه . وكان معيباً إنسانياً أن اكتفت الدول الغنية ومنظمة الصحة العالمة، بالاجراءات الاحتياطية لاحتواء الوباء وحصر انتشاره في بلد أو أقليم أو قارة، عبر اجراءات مثل العزل والدفن الآمن .
تصل مبيعات الأدوية العالمية إلى 602 مليار دولار سنوياً، وحصة أكبر 12 شركة عالمية من هذه المبيعات 379 مليار دولار، وتخصص هذه الشركات 60 مليار دولار للبحث العلمي والتطوير . لكنها لا تجد حافزاً ولو من باب الإنسانية لتخصيص مليار واحد للبحث عن علاج أو مصل لمكافحة وباء يصيب دولاً فقيرة لا تملك شروى نقير .
مشكلة الدول الإفريقية الفقيرة مزدوجة، فليس هناك اهتمام أصلاً بحياة البشر فيها إن أودت بهم الأمراض، فالملاريا تقتل سنوياً نحو مليوني شخص أغلبيتهم من الأطفال، وليس هناك من برنامج دولي لاستئصال أمراض مستوطنة مثل الدودة الحلزونية (فرنديد) وعمى الانهار ومرض النوم (تسي تسي) واللشمانيا (الباكتيريا آكلة اللحم) . . إلخ .
المصيبة الثانية أن إفريقيا مسرح للأدوية التجريبية، والأدوية المغشوشة، وناقصة الفعالية ومنتهية الصلاحية . طبقاً لأرقام منظمة الصحة العالمية فإن 10 في المئة من الأدوية المطروحة في العالم مغشوشة، و70 في المئة منها تروج في الدول الإفريقية، وحجم هذه التجارة الفاسدة ليس بالهين فهو يصل إلى 35 مليار دولار .
إذا كان المجتمع الدولي يحمل أنظمة بغيضة أو ميليشيات مسلحة المسؤولية عن جرائم الإبادة الجماعية، ألا يجد هذا الضمير الإنساني متهماً يحمله المسؤولية عن الإبادة الجماعية لقرى بأكملها ضربها "إيبولا" في سيراليون وليبيريا؟ لكن من يستطيع أن يقول إن البغلة في الابريق .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"