هل يتجه لبنان فعلاً إلى بر الأمان؟

03:55 صباحا
قراءة 4 دقائق

يتفق المراقبون على أن حكومة الرئيس ميقاتي وصلت إلى طريق مسدود قبل استقالتها بوقت طويل . لكن حرص القوى الدولية والإقليمية على استقرار لبنان، والخوف من وقوعه فريسة فراغ حكومي ومن ثم نيابي يفتح على المجهول، هو الذي حدا بهذه القوى إلى إقناع الرئيس ميقاتي بالبقاء في سدة المسؤولية . والأدلة على ذلك كثيرة منها مسارعة سفراء فرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة وغيرهم إلى السراي الحكومي، غداة اغتيال اللواء وسام الحسن، في يناير/ كانون الثاني الماضي لحث الرئيس ميقاتي على عدم الاستقالة .أكثر من ذلك فإن الرئيس الفرنسي هولاند حضر بنفسه إلى بيروت ليعبر عن حرص فرنسا على بقاء الحكومة اللبنانية وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري وحماية لبنان من تداعيات الحرب السورية . أما السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله فكرر، في خطبه المتلفزة، عن حرص حزبه على بقاء الحكومة .

فجأة استقال الرئيس ميقاتي في 22 من الشهر المنصرم بذريعة لم تقنع أحداً وفي غياب أزمة خطرة أو حدث جلل . وكان من المفاجئ، أيضاً أن يبدو حزب الله غير آبه بالاستقالة بل ربما دفع إليها، وأن يكون رد فعل القوى الإقليمية والدولية فاتراً حيالها . وأم المفاجآت كانت التكليف السريع لأحد النواب الأقل تأثيرًا ونفوذاً في الساحة السياسية . فماذا جرى؟ وهل يشي ذلك بأن لبنان يتجه فعلاً نحو بر الأمان؟

هناك من يقول إن التكليف وإن جاء سريعاً فإن التشكيل سيكون طويلاً كالعادة وسيقبع الشيطان في تفاصيل البحث بالحقائب الوزارية وتوزيعها، لأن السباق على الحصص سوف يحتدم ولن يقبل أحد بالخسارة، فضلاً عن عدم إقرار قانون للانتخاب والحالة الأمنية المزرية، وغير ذلك من عناصر الانفجار الذي لايزال ممكناً وتتربص مخاطره بالبلد على خلفية نظام سوري يسعى، كما هدد رئيسه مؤخراً، إلى تفجير المنطقة بكاملها إذا هو أوشك على السقوط، وقد أوشك .

لكن المراقب النبيه لما جرى مؤخراً يشتّم اتفاقاً إقليمياً ما، ليس لأن السفير الإيراني سارع إلى تهنئة الرئيس المكلف الذي أيده حزب الله وحلفاؤه فحظي بشبه إجماع نيابي رغم مواقفه المؤيدة للثورة السورية ولمواقف 14 آذار عموماً (وهذا ما عبر عنه النائب سليمان فرنجية الذي امتنع عن تأييده)، بل لأن الحراك السياسي المتسارع في اتجاه إجراء الانتخابات يشي بوجود اتفاق مضمر على قانون انتخابي كان الاتفاق عليه شبه مستحيل عشية استقالة الحكومة . ويبدو أن هذا القانون سيكون هو نفسه مشروع الرئيس بري المختلط ما بين النظامين النسبي والأكثري . وما يجري اليوم من استعدادات قانونية في مجلس النواب ولجانه لدفن قانوني الستين والأرثوذكسي ومراجعة المهل القانونية وغير ذلك بالتوازي مع مشاورات خلف الكواليس وأمامها لوضع الرتوشات الأخيرة على القانون المختلط . . إلخ . يصب في اتجاه الإجماع على إجراء الانتخابات في موعدها ولو على حساب مدة المعركة الانتخابية التي ستكون قصيرة جداً أو، في أسوأ الأحوال، بعد تأجيل تقني لموعد الانتخابات . وهذا الإصرار على إجراء الانتخابات ما انفك يسمعه اللبنانيون منذ أشهر عديدة على لسان المسؤولين العرب والأوروبيين والأمريكيين .

لقد أعلن تمام سلام ترشيحه لتشكيل الحكومة من الرياض حيث قابل الرئيس سعد الحريري ثم من دارة الحريري نفسه في بيروت . إنه مرشح تيار المستقبل الذي تبنته قوى 14 آذار، برعاية من وليد جنبلاط الذي رفض ترشيحاً يستفز حزب الله، قبل أن توافق عليه قوى 8 آذار . يبدو أن البلد الذي كانت ترعاه معادلة س .س أي سوريا والسعودية أضحى برعاية متفق عليها من سين واحدة (السعودية) تجلت في تكليف من كان والده الرئيس صائب سلام من أقرب المقربين إلى المملكة التي تبدي حرصاً واضحاً على الاستقرار اللبناني بدليل مطالبتها قوى 14 آذار بالاتفاق مع خصومهم للسير بالبلد إلى بر الأمان .

وبالتالي فإن ظاهر الأمور يدل على أنها تسير في اتجاه تشكيل حكومة انتخابات وهو تشكيل سيكون سريعاً على الأرجح، بسبب الحاجة إلى إجراء الانتخابات التي لن يولد من رحمها أغلبية واضحة حاسمة لأي من القوتين الكبيرتين 8 أو 14 آذار، كما يجمع خبراء الانتخابات والمحللون الذين درسوا الخريطة الانتخابية في ماضيها وحاضرها . فالكتلة الوسطية المؤلفة من تكتل جنبلاط وربما ميقاتي وبعض المستقلين سيكون لها الكلمة الفصل في تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات التي ستكون حكومة وحدة وطنية على الأرجح في انتظار تبلور الوضع السوري .

يبدو أن الرئيس ميقاتي كان صادقاً حين أعلن أن استقالته تهدف إلى إخراج البلد من عنق الزجاجة . كما يبدو واضحاً أن الوضع الإقليمي والدولي يعمل في مصلحة الاستقرار اللبناني، أن الطبقة السياسية اللبنانية قررت الاستفادة من هذا الوضع لدفع البلد إلى بر الأمان قبل أن ينزلق إلى أتون الحرب السورية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"