معركة الموصل ومستقبل العراق

02:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

تتقدم معركة تحرير الموصل محققة نتائج جيدة بعد أقل من أربعة أسابيع على اندلاعها، وذلك لاستعادة المدينة التي احتلها إرهابيو داعش في يونيو 2014 (وما زال السقوط الغريب والمفاجئ للمدينة الكبيرة المحصنة، يثير علامات استفهام لم تجد إجابات شافية عنها بعد). المعركة تنطوي على صعوبات لوجستية جمة، تتمثل أساساً في اختلاط مسلحي داعش بالمدنيين وإقامة مراكز عسكرية في قلب الأحياء السكنية. مع بدء معركة التحرير في 17 أكتوبر الماضي، نشط التنظيم الإرهابي في استخدام المدنيين وخاصة النساء دروعاً بشرية، كما قام بنشر أعداد من الأطفال والفتيان في وسط المدينة بعد تفخيخهم. غير أنها معركة لا غنى عنها ولا بديل عنها. ومعلوم أن «داعش» قد سيطر على المدينة وعشرات القرى حولها ونهب كل ما هو ثمين فيها، ونفذ إعدامات بحق المدنيين الأبرياء، وواظب على انتهاج هذه الأساليب الوحشية بُعيد بدء المعركة الأخيرة.
لقد جرى تحضير طويل لهذه المعركة بمشاركة الجيش العراقي وقوات الشرطة وقوات البيشمركة وقوات التحالف الدولي. ومنذ بدء المعركة أعلن رئيس الوزراء العراقي حيد العبادي أن المشاركة العراقية سوف تقتصر على قوات الجيش والشرطة، وذلك في استبعاد للحشد الشعبي والعشائر. ومع النتائج الجيدة التي تحققت في انهيار الدفاعات الأولى ل «داعش» وتحرير العديد من القرى، وبدء دخول الأحياء الشرقية للمدينة، وإغلاق منافذ الهرب المحتمل لمسلحي التنظيم عبر الحدود إلى سوريا، فإن موجات النزوح التي كانت متوقعة تمثل واحدة من المصاعب الأليمة لأبناء الموصل الذين يضطرون للنزوح تفادياً للبقاء في المرمى المباشر للنيران.
من المفارقات أن التحضيرات الطويلة للجانب العراقي للحرب لم تشمل كما يبدو استيعاب موجات النازحين وتهيئة ظروف ملائمة لاستقبالهم وإيوائهم وتوفير الغذاء والدواء لهم بعد معاناة طويلة ومريرة، وصور المشردين الهائمين على وجوههم التي تزخر بها مواقع التواصل الاجتماعي، والذين يقومون بحفر حُفر في العراء لإيواء عائلاتهم، دليل على غياب برامج الاستقبال والإيواء، وكذلك غياب التنسيق بين الجهات المعنية، إلا على نطاق محدود وجزئي. ولا شك أن صمود الأهالي في وجه مسلحي «داعش» وتحمّلهم للأهوال والفظائع، يمثّل سجلاً ناصعاً في التصدي لهذا الخطر. والمقصود أبناء الموصل والقرى المحيطة بها والمدن القريبة مثل بعشيقة وتلعفر. وقد أمكن تحرير الأغلبية العظمى من بعشيقة ( 40 كم غربي الموصل )على أيدي قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان. أما تلعفر وقضاؤها فقد شهدا معارك ضارية شارك فيها الجيش والحشد الشعبي ومقاتلون تركمان، وأدت إلى تحرير عشرات القرى من قضاء تلعفر الذي يقع إدارياً ضمن محافظة نينوى. أما مركز مدينة تلعفر البعيد بنحو سبعين كم من الموصل فما زال خاضعاً لسيطرة «داعش» ( حتى تاريخ إعداد هذا المقال).
من الأهمية بمكان أن تتواصل معركة تحرير الموصل في أجواء سياسية وإعلامية طبيعية وسليمة، يجري فيها التأكيد على هدف استعادة المدينة وتحرير أهلها الصامدين، وذلك توطئة لإعادة الأمن وسيادة القانون إلى ربوع الموصل المدينة الكبيرة وثانية مدن العراق. ويستحق السكان هناك الرعاية التامة وحتى المكافأة والتعويض على صمودهم البطولي، لا أن يكونوا عُرضة لتهديدات مقيتة، أو لاستعراضات مسلحة ضدهم وتستهدفهم من أي طرف كان، بعدما تعرّضوا لما تعرّضوا له من «داعش». فمعركة تحرير الموصل ومحيطها الكبير هي معركة وطنية لا طائفية ولا فئوية، ودفعها لهذا المنزلق سيمثل انحرافاً خطراً يستحق أصحابه المساءلة والوقوف أمام العدالة. ومن أجل تفادي ذلك فإنه يجدر بالحكومة العراقية التشديد على أن معركة الموصل هي معركة العراقيين كلهم، وأن من يستهدف أحداً غير «داعش»، وبالذات من المدنيين، فسوف يتعرض للمساءلة بجُرم العبث الخطر بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي والأمن الاجتماعي.
إن النجاح في معركة الموصل بدحر «داعش» الإرهابية، وإعادة تمتين النسيج الوطني في المدينة ومحيطها الكبير، والإعلاء من شأن القوات المسلحة العراقية، من شأنه أن ينعكس إيجاباً على مجمل الوضع في بلاد الرافدين، وأن يمثل مفتاحاً لحل المشكلات البنيوية التي ما فتئ العراقيون ينوؤون تحت وطأتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"