عادي
«الصحة العالمية» أدرجته ضمن دليل تصنيف الأمراض

إدمان الكبار على الألعاب الإلكترونية هروب من الواقع

00:14 صباحا
قراءة 9 دقائق
555

تحقيق: رانيا الغزاوي
لماذا يرتبط الكبار بالألعاب الإلكترونية حد الإدمان؟ هل هي وسيلة للهروب من الواقع والمشاكل اليومية؟ فهذه الألعاب أصبحت أولوية لأعداد ليست قليلة، على الرغم من أنها تتسبب بشكل مباشر في اضطراب العلاقات العائلية والاجتماعية، إلى جانب التأثيرات السلبية على الصحة الجسدية والنفسية، التي لا يختلف عليها اثنان، فقد أثبتت الألعاب الإلكترونية قدرتها على مباعدة المسافات بين أفراد العائلة، حيث ينجر الأشخاص ليصبحوا مدمنين لعالم افتراضي يدورون في فلكه، ويصبح محور حياتهم.
منظمة الصحة العالمية أدرجت الإدمان على الألعاب الإلكترونية، ضمن نسختها الأخيرة من دليل تصنيف الأمراض التي سيبدأ تطبيقها عام 2022، واعتبرت الإدمان عليها اضطراباً صحياً، حيث يضحي مدمنوها بأوقاتهم ومسؤولياتهم في سبيل البحث والحصول على سعادة افتراضية قد يفتقدونها في حياتهم، وقد وُجد أن المكوث في البيت لفترات طويلة يؤدي إلى الإدمان عليها.
يوضح الدكتور حمد الغافري المدير العام لمركز التأهيل الوطني في أبوظبي، أن 50% من حالات الإدمان الإلكتروني تكون مصاحبة لأمراض نفسية، كاضطرابات القلق مثلاً. ويعالج الإدمان على الألعاب الإلكترونية، بالسلوك التوجيهي الذي إما أن يكون فردياً أو جماعياً أو أسرياً، وذلك بحسب المؤشرات، موضحاً أن منظمة الصحة العالمية أدرجت الإدمان على الألعاب الإلكترونية ضمن نسختها الأخيرة من دليل تصنيف الأمراض التي سيبدأ تطبيقها عام 2022، واعتبار الإدمان على ألعاب الفيديو اضطراباً صحياً، حيث أجرت المنظمة مراجعة للأدلة المتوافرة قبل إدراج إدمان ألعاب الفيديو كاضطراب صحي، فيما عرّفت الآراء في مختلف التخصصات هذا الإدمان، بأنه نمط سلوكي مستمر في ممارسة اللعب.
ويضيف أن «الألعاب الإلكترونية تكتسب شعبية واسعة في الدولة، حيث تشير دراسة أجراها المركز الياباني «نيوزوو» المتخصص في إحصاءات الألعاب الإلكترونية في 2019، إلى أن دولة الإمارات تأتي ضمن قائمة أهم 100 سوق للألعاب الإلكترونية بشكل دائم، استناداً إلى مصادر العائدات، فيما يشير 80% من مستخدمي الهواتف الذكية في الدولة إلى أنفسهم كممارسين للألعاب الإلكترونية بشكل دوري، ما يساعد على هدر الوقت والتقاعس عن أداء المهام الاجتماعية واليومية».
عيادة خارجية
ويوضح أن المركز يعتزم تقديم خدماته العلاجية لإدمان الألعاب الإلكترونية عبر عيادة خارجية في مقره، على أن تقدم خدماتها للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وأن يتم فيها علاج المدمنين على استخدام الإنترنت والألعاب الإلكترونية، باستخدام مقياس إدمان الإنترنت لليافعين.
ويشير إلى مساعي المركز في إجراء دراسة مسحية سريعة، بالتعاون مع مراكز متخصصة في اليابان، للوقوف على حجم المشكلة نظراً لأهميتها والتعرف إلى أعداد المدمنين على الألعاب الإلكترونية وفئاتهم العمرية في الدولة، بالتعاون مع عدد من الجهات المعنية كوزارة التربية والتعليم، والجامعات وغيرها.
ولفت إلى أن البقاء في المنزل لوقت طويل، يسهم في زيادة اعتماد أغلبية الشباب على الألعاب الإلكترونية كمتنفس وبديل للضغوط النفسية أحياناً، ما جعلنا خلال الربع الثاني من العام الماضي، نطلق عيادة افتراضية لعلاج مضاعفات بعض الأمراض المعدية، تقدم العلاج عبر المتخصصين في المركز لأفراد المجتمع الذين يعانون مضاعفات هذه الأمراض، كالخوف والقلق والإحباط والاكتئاب والضغوطات النفسية الأخرى، إضافة إلى علاج الاعتماد على الألعاب الإلكترونية.
سعادة افتراضية
وعن الأسباب النفسية المؤدية للإدمان على الألعاب الإلكترونية، يؤكد الدكتور محمد علام استشاري الطب النفسي في مدينة العين، زميل الكلية الملكية للأطباء النفسيين في أستراليا ونيوزلندا، أن الاستمرار في قضاء ساعات طويلة على الألعاب الإلكترونية يسبب الإدمان والتعود عليها، حيث يضحي مدمنوها بأوقاتهم ومسؤولياتهم في سبيل البحث والحصول على سعادة افتراضية يفتقدونها في حياتهم، وقد تكون السبيل لمن يعانون فراغاً ويسعون إلى شغل الوقت وملئه بالألعاب، وأيضاً قد تكون رغبة في إيجاد الحياة الاجتماعية لمن يفتقدها في المجتمع، ومع مرور الوقت يصبح الأشخاص انطوائيين ومنعزلين، ثم عاجزين عن الاندماج في المجتمع، ما يؤدي لوجود خلل في الحياة الاجتماعية.
ويشير إلى أن هذا النوع من الإدمان يحدث للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، أو من يعانون مشكلات أسرية كعدم الانسجام، وتعتبر جميعها صوراً للهروب من الواقع، علماً بأنها قد تثير مشكلات بشكل أكبر نظراً لانشغال مدمنيها عن الأشخاص المحيطين بهم، ما يترتب عليه الانعزال عن المحيط، موضحاً أن علامات الإدمان على الألعاب الإلكترونية تشمل تغير السلوك والمزاج، والميل للعزلة الاجتماعية، وفقدان الرغبة في القيام بالأنشطة الممتعة الأخرى، إضافة إلى القلق أو الاكتئاب، وتدني الإنجاز في المدرسة أو العمل، وصعوبة التحكم في الوقت المستهلك في اللعب.
ويضيف: «تؤثر الألعاب الإلكترونية في حياة الشخص الاجتماعية، فعوضاً عن أن يكون له أصدقاء حقيقيون، يصبح لديه عالم آخر افتراضي وأصدقاء افتراضيون، حيث تتيح بعض الألعاب التي تتميز باللعب الجماعي، خاصية التعارف بين الجنسين، وبالتالي يفقد الإنسان مهارته الشخصية والاجتماعية في التواصل المباشر مع الآخرين، ويتحول إلى شخص انعزالي وانطوائي، ما يسبب نوعاً من أنواع الاضطرابات في حياته الوظيفية والاجتماعية، واتخاذها أولوية على حساب اهتمامات الحياة الأخرى».
ويقول إن هناك نوعين من العلاج: السلوكي، والسلوكي المعرفي، ويقوم العلاج السلوكي على إشغال الوقت بالمذاكرة والعمل بمساعدة العائلة والمقربين بخلق الحافز لدى الشخص المدمن، أما العلاج السلوكي المعرفي فيعتمد على تشخيص الحالة لتحديد النقص عند الشخص لمعرفة طريقة العلاج المناسبة استناداً للتحليل.
الإصابة بالسمنة
ويوضح الدكتور عادل سجواني أخصائي طب الأسرة في وزارة الصحة ووقاية المجتمع، أن تمضية أوقات طويلة بصفة مستمرة على الألعاب الإلكترونية في الأجهزة الذكية يجعل أصحابها عرضة للسمنة، والإصابة بمضاعفاتها المتمثلة في الإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم، كما سيعاني الشخص آلام العضلات وضعفها نتيجة قلة الحركة، إضافة إلى وضعية الجلوس غير الصحيحة وإمكانية حصول ألم في الكتفين والرقبة والعمود الفقري، قد يصل إلى «دسك»، كما تسبب قلة الحركة بطئاً في الدورة الدموية، ما يؤدي لزيادة فرصة حدوث جلطات في الجسم على المدى البعيد. ويضيف: «إن إدمان الألعاب الإلكترونية، يصيب أصحابه باضطرابات النوم، نظراً لعدم حصولهم على قسط كافٍ من النوم، فالنوم مهم لصحة الإنسان الجسدية والنفسية، كما أن الجلوس لأوقات طويلة على هذه الألعاب يعرض الشخص لالتقاط الأشعة الصادرة عن الأجهزة الإلكترونية والتي تسبب له الأرق والتعب وعدم النوم المتواصل. أما على الصعيد النفسي فيؤدي للعزلة والوحدة التي تصل إلى الاكتئاب، كما يتعرض البعض للتنمر بعد الخسارة في اللعب، ما يؤثر سلباً في مستوى التحصيل الدراسي إذا كان مدمنها طالباً جامعياً، ويحدث ذلك في الألعاب «الأونلاين» التي يكون فيها التواصل مباشراً، ما يؤثر في شخصية الشخص ويجعلها «مهزوزة»، كما تتيح هذه الألعاب التعرف والتواصل مع غرباء وأشخاص من جنسيات أخرى كثيرة ومختلفة، قد تكون هويتهم مجهولة، وربما يروجون لإدمان المخدرات أو إيصال أفكار متطرفة تودي إلى التهلكة».
إجهاد العينين
ويبين الدكتور سالم السعيدي أخصائي أمراض العيون في أبوظبي، أن إدمان الألعاب الإلكترونية له خطر مباشر على النظر، حيث يصيب العينين بالإجهاد، ما قد يؤدي إلى أضرار على المستوى البعيد كقصر النظر أو الانحراف، حيث توصلت دراسة حديثة عالمية، إلى أن الضوء الذي يخرج من الهواتف الذكية والتعرض له لفترات طويله، يمكن أن يُؤدي إلى إلحاق ضرر بالعين؛ إذ إن التعرّض المستمر للأشعة الكهرومغناطيسية قصيرة التردد القادمة من الأجهزة الذكية، قد يسهم في إضعاف البصر.
وأشار إلى دراسة أخرى صادرة عن جامعة «توليدو» في ولاية أوهايو الأمريكية، ذكرت أن جزيئات في شبكية العين تمتص الضوء الأزرق الذي يخرج من الألعاب في الهواتف الذكية، وتتسبب في إنتاج مادة كيميائية سامة تقتل الخلايا. وبينت الدراسة أن هذا الضرر الذي يلحق بالعينين، ربما يتسبب في ظهور بقع كبيرة في مجال رؤية العين، ويعد ذلك من أعراض مرض «التنكس البقعي» الذي يصيب العين ويؤدي إلى فقدان البصر؛ لأن شبكية العين تتعرض للضرر. 
وأكد السعيدي ضرورة الامتناع عن المشاركة في هذه الألعاب خلال الاستعداد للنوم، كما يفعل البعض، حيث تكون الغرفة مظلمة، ويسهم ذلك في توسعة حدقة العين، ووصول مزيد من الضوء الأزرق المؤذي إلى العين.
أسباب التعلق
«الخليج» التقت عدداً من أفراد المجتمع الذين استعرضوا قصصهم مع الألعاب الإلكترونية، منهم المتضرر بسببها، ومنهم من يبرر تعلقه بها، حيث تقول بارزة الحمادي: «بدأت القصة مع زوجي قبل عامين عندما أخبره أصدقاؤه عن لعبة «جواكر» المعتمدة على لعب الأوراق بين مجموعات من المشاركين عبر أحد التطبيقات الإلكترونية، ومن حينها أصبح يقضي عليها 4 ساعات. 
أما في يوم عطلته فيتجاوز عشر ساعات، وعندما كنت أتساءل كيف له أن يقضي كل تلك الأوقات بلا ملل، كان يجيب بأن فائدة هذه الألعاب هي أنها تجعله يفكر بشكل استراتيجي، لكنني أشعر بأنه ابتعد كثيراً عن عالمه الحقيقي وأسرته، حتى أصبحتُ عاجزة عن مشاركته في حديث يتعلق بشؤون أسرتنا، وأشعر بغيابه وإن كان حاضراً بجسده، وبأنني وحدي».
البقاء في المنزل
ويوضح ماجد العواني (موظف) الأسباب التي جعلته يدمن الألعاب، وأهمها أنه بعيد عن عائلته، حيث يسكن في الإمارة التي يعمل بها وعائلته في إمارة أخرى، كما لا يوجد لديه كثير من الأصدقاء، إضافة إلى طبيعته كشخص يفضل البقاء في المنزل على الخروج، فكل ذلك جعله يرتبط بشكل كبير بالألعاب الإلكترونية التي وجد فيها تمضية أوقات الفراغ التي يعيشها بعد الانتهاء من عمله، كبديل مناسب له عن ارتكاب سلوكيات سيئة، منها الإدمان على المخدرات أو الالتفاف حول رفقاء السوء.
فترة عصيبة
أما نوال السعدي (ربة منزل) فكانت تمر بفترة عصيبة من حياتها، عندما فقدت عملها، حيث لجأت إلى الألعاب الإلكترونية لتشغل نفسها عن التفكير في تبعيات ما حدث لها، حيث كانت تقاوم الاكتئاب الذي ألم بها، بالهروب إلى تلك الألعاب التي أصبحت إدماناً، لكن «خفّ تعلقي بها عقب ولادتي لابنتي الأولى؛ كونها تأخذ معظم وقتي»، مضيفة أن أصدقاءها والمحيطين بها كانوا يتذمرون تارة من تعلقها بالألعاب إلى هذه الدرجة، ومن تضييعها للوقت بهذه الطريقة المستفزة، إلا أنها لم تكن تبالي ولا تنصت لأحد، ولم تستطع التوقف حتى أجبرتها ابنتها على ذلك.
تنشيط الذهن
ويرفض ماهر إبراهيم (موظف) هجوم البعض على الألعاب الإلكترونية ووصفها بأنها مضيعة للوقت وبلا فائدة، مشيراً إلى كثيراً من هذه الألعاب يسهم في تنشيط الذهن وتقوية العمليات الحسابية، إلى جانب تحفيز التفكير الشمولي وترتيب الأولويات، خصوصاً تلك التي تعتمد على الأرقام والخطط المسبقة وألعاب الذكاء. ويرجع السبب إلى أن بعض الأفراد في المجتمع يصرون على محاربة كل جديد، والمبالغة في التخوف منه. وعن تعلقه بالألعاب الإلكترونية، يقول: «لو نظرنا إلى الأمر من جانب آخر، لوجدناها تحظى بإيجابيات إذا تعاملنا معها باعتدال، فهي تصفي الذهن وكثير منها ينمي المهارات الفكرية وحتى المعرفية، وهذا ما يجذبني إليها، إضافة إلى أنها تمثل حلاً غير مؤذٍ لمن يشعر بالوحدة، أو لديه فراغ.

تأثيرات تسبب «الطلاق الصامت»

يؤكد المحامي الدكتور رائد العولقي، أن تأثيرات الألعاب الإلكترونية تعدت البعد الجسدي والنفسي والاجتماعي، لتسهم بما يسمى بالانفصال الأسري أو «الطلاق الصامت»، ويعني وجود توتر أو شرخ في العلاقة الأسرية بين الزوج والزوجة، وقد لوحظ في السنوات الأخيرة أن بعض المتزوجين يقضون أوقاتاً طويلة في متابعة هذه الألعاب لدرجة غير متوازنة، ويتعمدون مغادرة المنزل ومقابلة أصدقائهم في المقاهي لهذا الغرض؛ بل وصل الأمر لدى البعض إلى استئجار كبائن أو «جلسات» خاصة للعب «البلايستيشن» أو «الاكس بوكس» وغيرها من الألعاب التي تفترض وجود عدة مشاركين، ما يضطر هؤلاء إلى التوجه إلى هذه الأماكن بعد العمل مباشرة، وقضاء ساعات طويلة بعيداً عن التجمعات العائلية، مما يعد تقصيراً في حقوق الزوجة والأبناء، نظراً لضرورة وجود توازن بين الحياه الشخصية والواجبات العائلية.
ويشير إلى أن فترة التعقيم الوطني والالتزام بالمنزل، أسهمت في تعلق الأزواج بالألعاب الإلكترونية، حيث ينعزل الزوج عن بيته تماماً ويجلس في غرفته لساعات طويلة مع الألعاب في عالمه الافتراضي، لا يرافقه فيه إلا هاتفه، وأي شخص يحاول اقتحام الغرفة أو عالمه الخاص يناله الصراخ والانفعال غير المبرر، فكل ما يشغل عالمه هو الوظيفة واللعب.
ويقول: «تلقيت العديد من الشكاوى من بعض الزوجات الممتعضات من أزواجهن لهذا السبب، لكن خجلهن من ذكر السبب كان يحول دون التقدم رسمياً بشكوى أو رفع دعوى طلاق للضرر. وأتذكر أن حالة طلبت الانفصال رسمياً؛ لأنها تشعر بأنها تحمل لقب زوجة بالاسم، حيث إن زوجها يعود للبيت في ساعات متأخرة؛ لأنه يلعب «البلايستيشن» مع أصدقائه، ولا وقت لأن يشاركها اهتماماتها أو حتى يعاونها في تربية أبنائه، وعند وصول زوجها المنزل لا يتفوّه بكلمه ويرغب فقط في النوم، وكل ذلك يؤدي إلى ما يعرف بالانفصال أو «الطلاق الصامت»، وهنا توجهت للإصلاح بين الطرفين، ونصحت الزوج بضرورة العلاج السلوكي؛ لأنه أدمن الألعاب الإلكترونية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"