شفافية أم تعتيم ؟

03:39 صباحا
قراءة دقيقتين
د.عبدالعزيز المقالح

كما إن «لكل عصر دولة ورجال» مثلما تقول العبارة الشائعة بين الناس، فإن من الصحيح القول إن لكل مرحلة في حياتنا المعاصرة كلمات تروج على الألسنة وفي الكتابات ثم تختفي ولا يبقى لبعضها سوى ظلال باهتة.
ومن تلك الكلمات التي سادت في المرحلة الماضية، وتوشك أن تتلاشى كلمة «شفافية» التي بدأ استخدامها بكثرة في حدود ما أعلم مع بداية الألفية الثالثة، وأخذت تتصدر البيانات الرسمية وراجت في الصحافة والأحاديث العامة. وبدأ الجميع من الحاكم إلى المواطن العادي في حالة من الإصرار على استخدام هذه الكلمة؛ بوصفها تعبيراً عن الوضوح وعدم إخفاء كل ما يتعلق بالنواحي الاقتصادية والثقافية، ووضع الجمهور أولاً فأول في صورة ما يجري في الدوائر الحكومية وفي كواليس السياسة الداخلية والخارجية على السواء.
ولا أمانع إذا ما قلت إنها كلمة سحرية تشدّ إليها كل العاملين في حقول المعارضة والبحث عن مصير ميزانية الدولة وكيفية التصرف بالدخول المنظورة وغير المنظورة. وإذا رافق استخدام الكلمة القدر المطلوب من التطبيق، فإن الأنظمة تكون قد وفت بعهدها، وثروات الشعوب، قليلة كانت أو كبيرة، قد صارت في مأمن من النهب والعبث ومن الإنفاق خارج مصالح المواطنين وما تقتضيه ضرورات التطور والاحتياجات الملحة في مجال الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
ومما يؤسف له أن هذه الكلمة الجميلة التي انتقلت من قاموس الشعر إلى القاموس العام قد استنفدت طاقتها وبدأت تأخذ في كثير من الأحيان وفي كثير من البلدان غير معناها الحقيقي وصار كثير من المثقفين والسياسيين يرون فيها أداة تعمية تقال لخداع المواطنين حين تأتي من بعض الساسة الذين يقولون مالا يفعلون.
وما أكثر الكلمات ذات المضامين الكبرى التي تم استخدامها في النصف الثاني من القرن العشرين ثم تلاشت دون أن تترك أثراً في الواقع، ومنها كلمات: التنمية، والتحول، والتغيير. فقد مرت الأيام والأعوام ولم تشهد أكثر البلدان أدنى درجة في التنمية، ولا عرفت تحولاً أو تغيراً يؤدي إلى ما كانت وما تزال تحلم به للخروج من نفق اللاتنمية واللاتغيير، وكأن مهمة بعض الحاكمين وبعض من يسيرون في ركابهم تتلخص في إفراغ الكلمات الدالة على التقدم من معانيها الحقيقية وإحالتها إلى التقاعد قبل أن يتحقق أي عمل يذكر. ولا عيب في الكلمات؛ بل ولا عيب في اللغة وإنما العيب كل العيب في هؤلاء الذين يتسترون وراء معانيها الجميلة؛ لتحقيق أهدافهم الشخصية التي تتعارض مع كل هدف نبيل وشريف وشفاف.
ولا يجوز أن ننسى، والحديث عن الشفافية، كيف أدّى الاستخدام الخاطئ والخادع لهذه الكلمة إلى تدمير الاتحاد السوفييتي وتعريض مواطنيه إلى درجة لا تطاق من الانسحاق والهوان والتفكيك؛ وذلك بعد إعلان جورباتشوف بالتحول السريع على طريق «البريسترويكا» و«الغلاسنوست» وهما كلمتان تعنيان إعادة البناء والشفافية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"