آخر الأنباء عن محيي الدين الفاتح

01:36 صباحا
قراءة دقيقتين
محيي الدين الفاتح شاعر يحمل قنديلاً يحتفل بصخب الضوء المحفور بذاكرته والذي يهز جذوع الحرف برهافته الشديدة، فترتعش نجوم السماء مدثرة بأنينه، في نصه تجل مع الكلمة التي تتمدد على سطور البوح كألسنة اللهب المغرور تارة، وتارة أخرى تنثر عبق الشعور وشذى الوجد في شفافية بليغة تلهب حنين المعنى برشاقة، تعالج وجع التجلي وحمى القصيدة.
قصيدة الفاتح خيل تعدو في مضمار الجمال، تستقبل القلوب بالزغاريد والدفوف، قصيدته أصيلة ترتبط بالجذور وتنبثق منها بتفعيلاتها وموسيقاها التي تلبس ثوباً جديداً لا يتنصل عن الأصل ولا ينسلخ عن عمقه التاريخي، فالشعر العربي لا يزال ينبض في قلب الشاعر العربي حتى وإن استحدث شكلاً آخر لا يتجاهل ما قبله، ولا يتبرأ من أصله، هكذا هو الفاتح حين يتأمل شمس قصيدته في ضحى عينيها المرتلة للحرف الشجي، يقول: «في ضُحَى عينيكِ صافّاتُ الزّغاريدِ/ وزخّاتُ الدفوف وانبثاقاتُ الطُيُوف/ و تَراتيل الحُروف مَا تزايلنَ/ وإلّا كُلُّ حَرفٍ مترفٌ يفترُّ عن حُمّى قَصيدة.
إنه الشعر الذي يسكن الوجع فيحوله اخضراراً عندما يسكن كل الكون والناس نيام، وتتعرى الأرض من ذاكرة الضوء، هكذا يكون الشعر في قلب محيي الدين الفاتح قصيدة تتهجد في الليل وتبوح بأشجان الهيام وهو ما يتجلى في هذا المقطع:«أتَهجّى أَحْرفَ الوَجعِ الأَخْضرِ في الحُمى/ التي جَافتِ الأَشْياءَ مِن حَولي وُصُولا لِلعِظامْ»، وحين يعود الفاتح إلى الخرطوم ويشهد ملتقى النيلين يرى فردوس المحبة ماثلاً في نبضه فينساب أحرفاً مشحونة بالشوق والتوق:«أعودُ اليومَ لِلخرطومِ ملءُ جوانحي شوقُ/ ويحدوني لها توقُ توسَّطَ فرحتي الموعودة الكبرى/ بعودٍ أحمدٍ يشتارُ من لُغَتِي مواقيتَ الضياءِ/ تُزين المَسرى إِلى بَلدِ الضِفافِ السِّتِ أُطْفِئُ عِندهَا وَجعِي»، فهو يرى ملتقى النيلين قدره كما يرى الشاعر الوجع والشعر قدر من لا يجد الراحة إلا فيهما.
إن الإصدار الأخير للفاتح الذي يحمل عنوان «آخر الأنباء» يأتي احتفاء باختيار الشاعر محيي الدين الفاتح الشخصية الشعرية العربية المكرمة قي مهرجان الشارقة للشعر العربي تقديراً للدور الذي يقدمه هذا الشاعر في خدمة الشعر واللغة العربية، وقد حاز شاعرنا جائزة الشارقة للشعر العربي في دورتها السادسة في الدورة الخامسة عشرة من مهرجان الشارقة للشعر العربي 2017، ويأتي هذا الإصدار ضمن أهداف بيت الشعر بدائرة الثقافة والإعلام في الاحتفاء بالشعراء القامات في الشعر العربي، ولا يزال هذا الشاعر الذي ينبض شعراً ويتدفق عطراً غزيراً في معناه شفيفاً في رؤاه الإبداعية يخلص لفنه الأصيل، ولم أزل شديد الشغف بشاعر مثله يعيش الشعر بروحه ويتعامل مع القصيدة بمنطق حداثي رائع يقارب بين ثقافته التراثية على نحو ما ويزاوج في الوقت نفسه بين أدب المحدثين وكل هذه السمات تفوح من شعره وتظهر فنه كأنه دوحة من العطر، دوحة من الجمال الذي يهز ويؤثر ويجذب، فالنص الشعري لديه مفتوح على عوالم التأويل، ما يعبر عن روح تواقة إلى ارتياد المستحيل في صور تتجلى على مرمى القصيدة، وقد نجح الفاتح في أن يبرز فحولته الشعرية على مدار الأيام والسنين.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"