عادي
سهلت للمجرمين نسج خيوطهم حول ضحاياهم

لصوص «أنيقون»..بوظائف مهمة «وهمية»

01:09 صباحا
قراءة 6 دقائق
لصوص

تحقيق: محمد الماحي

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة جرائم انتحال الصفة أو انتحال الوظيفة العامة، بانتحال عناصر إجرامية شخصيات مهمة مثل: رجل شرطة، طبيب، مسؤول حكومي، ضابط، محام.. وغيرها من الوظائف الحساسة، لتسهيل أعمالهم، وارتكاب مئات الجرائم، كالسرقة والنصب والابتزاز. ويلاحظ التكاثر المقلق لهذا النوع من الجرائم في السنوات الأخيرة، رغم أن المشرع الإماراتي أقر بخطورتها وخصص لها عدداً من المواد في قانون العقوبات الاتحادي.
هذا الوضع دفع الأجهزة الأمنية والقانونية إلى التدخل، حيث أطلقت وزارة الداخلية حملة توعوية، لمكافحة الجرائم التي يرتكبها بعض المحتالين، منتحلين صفة رجال الأمن، وأكدت شرطة أبوظبي أن حق أفراد الجمهور مكفول في التأكد من هوية رجل الأمن، تفادياً للوقوع ضحية احتيال، مبينة مجموعة من الإرشادات بطرق التعامل القانونية مع منتحلي الصفة، والإبلاغ عنهم.
 وأوضحت النيابة العامة للدولة، عبر مادة فيلمية نشرتها على حساباتها في مواقع التواصل، عقوبة انتحال وظيفة من الوظائف العامة، بأنه طبقاً للمادة 250 من قانون العقوبات الاتحادي، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، كل من انتحل وظيفة من الوظائف العامة، ويعاقب بالعقوبة ذاتها من تدخل في وظيفة أو خدمة عامة، أو أجرى عملاً من أعمالها أو من مقتضياتها، دون أن يكون مختصاً أو مكلفاً به، لتحقيق غرض غير مشروع أو للحصول لنفسه أو لغيره على مزية من أي نوع.

سهل انتحال الوظيفة العامة على المجرمين نسج شباكهم حول ضحاياهم، بعد أن تضفي عليهم الوظيفة المزيفة شيئاً من الوقار، الذي يسهّل الإيقاع بضحاياهم، ومن ثم النصب عليهم والاستيلاء على أموالهم. 
وتشير إحصاءات رسمية حديثة أعلنتها شرطة الشارقة، إلى أن 21 شخصاً من جنسيات مختلفة، انتحلوا صفة رجال الأمن، العام الماضي لسرقة المارة، وأنها تلقت 10 بلاغات عام 2020، تفيد بتعرض أشخاص للسرقة، من آخرين ادعوا أنهم من رجال الشرطة.
وحذرت شرطة دبي، من أساليب احتيالية يتفنن المجرمون في استخدامها، للإيقاع بضحاياهم والاستيلاء على أموالهم، وأبرزها: انتحال شخصية مندوب عقاري، والتزوير الإلكتروني. ودعت إلى الحذر والإبلاغ فوراً، في حال رصد أي إعلانات أو وقائع مريبة، تعزيزاً للدور المجتمعي في المساهمة بالحماية من جرائم النصب والاحتيال.
ولا تنتهي القصص والجرائم، عند ذلك الحد، حيث وصل إلى ظهور محتالين إلكترونيين يستغلون أسماء جهات حكومية، منها الشرطة، في خداع ضحاياهم واختراق حساباتهم البنكية، ويظهرون قدراً كبيراً من الاحترافية لإقناع الذين يستهدفونهم، بأنهم ينتمون فعلياً لتلك الدوائر.
وحذر العقيد سعيد الهاجري، مدير إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية في شرطة دبي، من الإفصاح عن أي بيانات بنكية سرية لأي شخص، سواء ادعى أنه من الشرطة أو أي جهة أخرى، لافتاً إلى أن البنوك نفسها تمنع موظفيها من الحصول على تلك البيانات من العملاء، وتحول العميل إلى النظام الآلي لإدراج بياناته بنفسه، من دون تدخل بشري، لضمان إغلاق أي ثغرة يمكن أن تؤدي إلى إفشاء أسرار عملائها أو تهدد حساباتهم.
إيجاد حلول
بين الحين والآخر تتكرر ظاهرة «انتحال الصفة»، حيث يستغل الخارجون على القانون، جهل بعض الناس، للنصب عليهم، بارتداء «الزي الرسمي» لمهن حكومية. 
«الخليج» تضيء على أبرز الحوادث التي وقعت، وكان سببها انتحال الصفة، وتتصدى لها الأجهزة الأمنية بكل جهودها، ومناقشة تلك الظاهرة وإيجاد حلول لها، على لسان خبراء في القانون وعلم النفس الاجتماعي.
في إحدى الجرائم التي تبدو أحداثها أشبه بالروايات البوليسية، التي نظرتها محكمة الجنايات في رأس الخيمة، حيث حكمت بمعاقبة آسيوي في العقد الثالث، بالحبس عاماً والإبعاد عن الدولة، عقب تنفيذ العقوبة، بعد اتهامه بانتحال صفة موظف في إحدى الجمعيات الخيرية. فقد تلقت شرطة رأس الخيمة بلاغاً من أحد المواطنين، يفيد بوجود آسيوي يطلب مبالغ لمصلحة جمعية مقرها خارج الإمارة، بعد شك المواطن في أسلوب المتهم بجمع المال، وكان يرتدي الشعار الخاص بالجمعية، فقبضت عليه. واعترف خلال التحقيقات، بتزوير بطاقة العمل وشعار الجمعية الذي كان يرتديه، حيث استغل إقبال المتبرعين على تقديم التبرعات والصدقات لحسابه الشخصي.
وعبر عدد من تلك القضايا، يتضح أن مرتكبي هذا النوع من الجرائم يخططون لها جيداً، ويدرسون حالة المجني عليهم، ونقاط ضعفهم، وكيف يربكونهم، ليتمكنوا من السيطرة عليهم نفسياً، وتنفيذ أوامرهم حرفياً، وهو ما تشرحه هذه الجريمة التي أحالتها النيابة العامة في دبي، إلى محكمة الجنايات، واتهمت فيها مديراً عربياً (37 عاماً) بتهمة تزوير في مستندات رسمية، والاحتيال على شركة خاصة، بتموين وإدارة «مقهى» للمؤسسات العقابية في شرطة دبي، فقد تقدم المتهم «منتحلاً صفة موظف بالشرطة» في إمارة أخرى، مهمته التعاقد على شراء خردة بقيمة 200 درهم للطن، وعرض عقود تموين ل«مقهى» المؤسسات، وعقداً مماثلاً لشرطة إمارة مجاورة. وبحسب إفادة شاهد في التحقيقات ظل المتهم يماطل في تنفيذ الاتفاقات بعد تسلّمه 245 ألف درهم «إجمالي الاتفاقات والعقود المبرمة»، حتى وصلنا اتصال من مجني عليه آخر، يفيد بأن المتهم محتال ونصب عليه بالطريقة نفسها، حيث فتحا بلاغ بالواقعة.
ومن الجرائم التي تبدو طريفة وغريبة، أحالت النيابة العامة في دبي خليجياً (34 سنة) إلى محكمة الجنايات، بتهمة استعمال بطاقة هوية شقيقه التابع إلى جهة أمنية دون علمه، بأن أبرزها للمجني عليه مدعياً أنه أحد رجال الشرطة، ليطلب تسليمه محفظته ويستولي على 12 ألف درهم، وبعدها استقل المتهم مركبته وألقى المحفظة وهرب من المكان.
حق مكفول 
وفي محاولة لفهم ملابسات ذلك النوع من الجرائم، أكد المحامي والمستشار القانوني عبدالله الكعبي، أنه وعبر ترافعه في محاكم الدولة، لمس ارتفاع معدل جرائم الانتحال. لافتاً إلى أن الجريمة تصدر عن فئة عاطلة عن العمل، وباحثة عن المال بشتى الطرق، فضلاً عن قلة الوعي، لاسيما العمالة الوافدة الذين يشكلون أكثر الضحايا، لقلة وعيهم بقوانين الدولة. 
وتابع: قد يكون الهدف من الانتحال سرقة الضحية بالإكراه، وهي الجريمة المعاقب عليها طبقاً لنص المادة 383 من قانون العقوبات الاتحادي التي تنص على «يعاقب بالسجن المؤبد كل من ارتكب جريمة سرقة اجتمعت فيها الظروف الآتية، كأن تقع ليلاً، أو من شخصين فأكثر، أو أن يكون أحد الجناة حاملاً سلاحاً، أو تقع في مكان مسكون، أو معد للسكنى، أو أحد ملحقاته إذا كان دخوله بوساطة الكسر، أو استعمال مفاتيح مصطنعة، أو انتحال صفة عامة أو كاذبة، أو ادعاء القيام، أو التكليف بخدمة عامة، أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة، أو أن تقع بطريق الإكراه، أو التهديد باستعمال سلاح».
وفي حال ادعى شخص أنه من رجال التحريات، نصح المحامي بأن حق أفراد المجتمع مكفول في التأكد من هوية رجل الأمن، تفادياً للوقوع ضحية احتيال طبقاً لقانون الشرطة، وتعليمات وزارة الداخلية، فبموجبهما يتعين على الشرطي الذي يرتدي اللباس الرسمي أن يضع على زيه شارة مرئية، وعليها اسمه، واسم عائلته، وما من استثناءات لهذا الواجب، أما الشرطي الذي لا يرتدي اللباس الرسمي، فعليه أن يعرف نفسه أمام من يعتزم أن يمارس تجاهه الصلاحية المخول بها، سواء ارتدى اللباس الرسمي، أم لم يرتد.
المناطق المعزولة
وأكد العقيد عمر أبو الزود، مدير إدارة التحريات والمباحث الجنائية في شرطة الشارقة، الاهتمام الكبير بجريمة «انتحال صفة رجال الأمن»، لأنها من أخطر الجرائم التي ترتكب بقصد السرقة والتعدي على الآخرين، وتستهدف غالباً الذين يوجدون بمفردهم في بعض المناطق المعزولة، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى إلحاق الأذى بهم.
وأضاف أن شرطة الشارقة أطلقت حملة توعوية موسعة تستهدف بصفة خاصة العاملين في المناطق الصناعية،بشعار «هل هو رجل شرطة حقيقي؟»، هدفها نشر التوعية بخطورة انتحال صفة رجال الأمن على المجتمع وأمنه من بعض معتادي الإجرام الذين درجوا على التعدي على الأشخاص واستيقافهم، بدعوى أنهم من رجال الشرطة وسلب أموالهم وممتلكاتهم.
وقال إن الحملة ركزت على وضع الملصقات التوعوية بأحجام كبيرة على المحال التجارية الكبرى بمراكز التسوق، والمراكز الطبية المختلفة، وجميع الأماكن التي تشهد حضوراً مكثفاً للأفراد المستهدفين، بتوزيع مطويات باللغات «العربية، والإنجليزية، والأوردية»،داعياً إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية، والإبلاغ عن أي تصرفات تثير الريبة أو التهديد أو السرقة أو غيرها من الظواهر السلبية، عبر أقرب مركز شرطة.


اضطراب نفسي


تقول مريم القصير، الاستشارية النفسية، والخبيرة الأسرية، هناك نوعان من انتحال الصفة، أولهما، انتحال صفة مرضى، بمعنى أن الشخص يعاني اضطراباً أو مرضاً نفسياً، وتدفعه مشاعره، إلى انتحال صفة وظيفة كان يحلم أن يلتحق بها، إلا أن ظروفه منعته من ممارستها، مثل بعض الذين فشلوا في الالتحاق بكلية الشرطة، أو كلية الطب، فينتحلون صفة تلك الوظائف، لإشباع غرائزهم، وعادة ما يرتكبون تلك الجريمة، لتعويض نقصهم، دون النظر إلى أي مكاسب مادية.
أما النوع الثاني، فيتمثل في انتحال الصفة، بدافع النصب على المواطنين، وسرقتهم، أو تحقيق مكاسب مادية أخرى، حيث تجد عاطلاً ينتحل صفة شرطي، للنصب على المواطنين، بحجة فحصهم، للاشتباه فيهم، والاستيلاء على متعلقاتهم، وآخر يمارس الطب، لتحقيق مكاسب مادية، وعاطل ينتحل صفة مستشار، أو مسؤول بجهة سيادية، لتحقيق مصالحه الخاصة.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"