هل أضاع الفلسطينيون الفرص؟

05:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

استمعنا بعد العرض الملتبس للرئيس الأمريكي ترامب لبنود صفقته إلى تكرار أسطوانة تقول إن الفلسطينيين يضيعون الفرص برفض الصفقة، وهو ما يكرره الأمريكيون و«الإسرائيليون» أيضاً. ولكن إذا عدنا إلى التاريخ لا نجد مثل هذا الاتهام، بل نجد العكس، أي أن «إسرائيل» وأمريكا هما اللتان تضيعان الفرص. فقد تم تحميل الدول العربية والفلسطينيين مسؤولية رفض قرار التقسيم رقم 181 للأمم المتحدة سنة 1947، لكن البحث في خلقيات القرار بعد إصداره يؤكد أن الحركة الصهيونية وبريطانيا والولايات المتحدة التي ضغطت لتمرير القرار هي التي أعدت مخططاً ليس لتنفيذه، بل لتوسيع رقعة الدولة اليهودية المقترحة فور انسحاب قوات الانتداب البريطاني من فلسطين.
فالحركة الصهيونية كانت أساساً قائمة على فكرة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، لهذا كانت فكرة التهجير الجماعي والتطهير العرقي في صلب المشروع الصهيوني. وعندما تم تلفيق قرار التقسيم لم يكن اليهود راضين عنه ومنهم بن صهيون نتنياهو والد بنيامين نتنياهو الذي وقع إعلاناً مع آخرين نشر على صفحة كاملة في صحيفة أمريكية عند صدور قرار التقسيم يرفضون فيه القرار. وكانت الحركة الصهيونية قبل صدور القرار أعدت مخططاً للتطهير العرقي ووزعت الألوية العسكرية لتنفيذه فور الانسحاب البريطاني، فالبريطانيون لم يكونوا معنيين بتطبيق التقسيم على الأرض، وكان بوسعهم فرض ذلك، بل تركوا للقوات الصهيونية التي دعموها بالسلاح والتدريب مهمة تنفيذه، ونجح اللوبي اليهودي سنة 1948 في إقناع الإدارة الأمريكية بدعم التحركات العسكرية الصهيونية لإقامة دولة يهودية بعد أن كانت الخارجية الأمريكية تعارض ذلك. وللصدفة أيضاً أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ريكس تيلرسون كان يعارض سياسة ترامب في الشرق الأوسط فعمد ترامب الى إقالته وجاء بالإنجيلي الصهيوني المتعصب بومبيو. وللصدفة أيضاً أن قرار التقسيم حمل رقم 181 بينما بلغ عدد صفحات صفقة القرن 181 صفحة، ولعلها صدفة مقصودة من واضعي الخطة. فقرار التقسيم لم يكن فرصة أضاعها العرب لأنه لو لم يرتكب الفلسطينيون أي خطأ منذ ذلك الوقت فإنهم كانوا سيجدون أنفسهم في المكان ذاته الذي هم فيه الآن، كما يقول المؤرخ اليهودي البريطاني إيلان بابيه.
فتضييع الفرص تهمة تلصق بالفلسطينيين بين فترة وأخرى بينما في واقع الأمر لم تكن هناك من فرص. ففي اتفاقية كامب ديفيد بين بيجن والسادات تم وضع ملحق للحكم الذاتي المحدود للفلسطينيين بهدف رفع العتب يتجاوز وجود منظمة التحرير والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ويعالج القضية كإدارة مدنية ذاتية بلا سيادة. وفي مؤتمر مدريد ومفاوضات واشنطن التالية تم تجاهل منظمة التحرير لطمس الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
وفي اتفاقيات أوسلو تم التوافق على مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات تليها إقامة دولة فلسطينية، لكن «الإسرائيليين» في نهايتها عرضوا إقامة دولة فلسطينية في غزة فقط تتمدد في سيناء، وهو ما رفضه ياسر عرفات.
ووجه الغرابة هنا أن صفقة القرن تقترح فترة انتقالية مدتها أربع سنوات مع تجميد الاستيطان خلالها وكأنها تكرر ما ورد في اتفاقات أوسلو التي نصت على تجميد الاستيطان، لكن «الإسرائيليين» لم يلتزموا بذلك بحجة النمو السكاني الطبيعي في المستوطنات، وهو ما كرره نتنياهو بعد إعلان ترامب عن صفقته بقوله إن «البناء الاستيطاني سيستمر وفقاً للنمو السكاني»، أي أن الاستيطان سيتواصل على حساب الأرض المنصوص عليها في صفقة ترامب على أنها ضمن ما سمي بالدولة الفلسطينية.
واستكمالًا لأسطوانة تضييع الفرص يقال إن «الإسرائيليين» عرضوا على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مساحة 96 بالمئة من الضفة مع تبادلية بنفس القيمة والنوع من الأرض فرفض، وللحقيقة قال عرفات إنهم «كانوا يتحدثون عن ذلك شفوياً في كامب ديفيد ولم يحضروا أية خرائط أو أوراق، ولما وصلنا إلى موضوع القدس أحضروا الخرائط والورق لبحث تقسيمها وطلبوا أن أوقع، فقلت أوقع على ماذا، على التنازل عن القدس؟! من يتنازل عن شبر فيها سيكون مصيره الموت».
فهل أضاع عرفات الفرصة واتهم بعدها بأنه غير شريك من قبل بيل كلينتون، ثم اتهم بالإرهاب ثم جرى اغتياله لأنه لم يوقع على التنازل عن المسجد الأقصى.
ليس هناك فرص أضاعها العرب أو الفلسطينيون بل هناك فرص وأدها العدو. فمن أضاع الفرص هم «الإسرائيليون» حالياً لأنهم رفضوا التنازل الفلسطيني الأكبر بالاعتراف بالكيان «الإسرائيلي» على مساحة 78 بالمئة من أرض فلسطين، ويريدون توسيعها إلى 89 بالمئة حالياً وفقاً لصفقة ترامب. وكأنهم يقولون لنا فليأخذ الصراع مداه، والرد الشعبي هو فليكن ذلك، فنحن تحت الاحتلال منذ 67 عاماً ويريدون منا أن نوقع على بقاء الاحتلال تحت مسمى حكم محدود بلا أي سيادة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"