التجميل السياسي والإعلامي لصورة “إسرائيل”

05:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

تناقلت وكالات الأنباء منذ أيام خبراً مفاده أن المسؤولين الإسرائيليين قد تنبهوا الى أن صورة إسرائيل الإعلامية على شبكات الاتصال الدولية (انترنت) جميعها، هي صورة بشعة بشكل عام، متماهية مع الدمار والخراب الفظيع الذي قامت به إسرائيل في غزة، في آخر ايام العام المنصرم وبداية العام الحالي، وقد تنبهوا الى ان تلك الصورة البشعة لإسرائيل تعم جميع مصادر المعلومات على الشبكة الدولية، مهما كان المفتاح الذي تدخل منه الى جمع المعلومات، وذلك بما يتناقض مع الصورة الإعلامية لأي بلد آخر. بمعنى انك اذا فتحت اي مصدر للمعلومات على اسم مصر، فستطالعك صور الاهرامات وابي الهول وشرم الشيخ، وسائر مواقعها السياحية الجميلة، وكذلك الأمر بالنسبة لأي بلد آخر كفرنسا او اسبانيا او المكسيك. أما اذا فتحت على اسم إسرائيل فستواجهك مشاهد الدمار والخراب في غزة، باعتبار ذلك أحدث إنجاز لإسرائيل.

ولكن، وبما ان القيمين على الكيان الصهيوني هم، منذ ستين عاما ونيف، خبراء في التنبه لخطورة الصورة الإعلامية التي تعكسها حركتهم السياسية، منذ ارتكاب جريمة تهجير شعب كامل عن أرضه في العام ،1948 فقد سارعت القيادات الإسرائيلية الى استدعاء أكبر خبراء المعلوماتية في العالم (وبعض هؤلاء موال لها بالغريزة) لإعداد برنامج فوري يقوم بتزويد جميع مفاتيح المعلومات على الشبكة الدولية، بصور سياحية جميلة وانسانية عن إسرائيل، تحل سريعا محل صور الدمار والخراب في غزة.

أشهد أنني لم أكن أبداً بين من فاجأهم هذا الخبر، لا ببداياته، ولا برد الفعل الإسرائيلي السريع على هذه البدايات، لسبب بسيط هو أن الحركة الصهيونية، بكل فعالياتها السياسية والإعلامية، ما فتئت منذ الانطلاق في تنفيذ مشروع الاستيلاء على أرض فلسطين، وتفريغها المتدرج من سكانها، والإحلال المتدرج لموجات الهجرة اليهودية القسرية التي لم تتوقف منذ نهايات القرن التاسع عشر اليها، تعرف تماما بشاعة الصورة السياسية والإعلامية لأي نجاح تنجزه على أرض فلسطين، لأنه يأتي دائما على حساب سكان البلاد الأصليين وأمنهم وحقوقهم الأساسية، فتسعى أولاً بأول، بما لها من خبرة اعلامية وصداقات عالمية (أوروبية وأمريكية) لمحو آثار بشاعات الصورة الإعلامية، كلما ارتكبت مجزرة، وغطتها بأي تمويه تجميلي ممكن.

غير أن تجميل الصورة الإعلامية لإسرائيل، وللحركة الصهيونية، لم يلعب منذ البداية سوى دور مساعد لعملية تجميل أخرى، أشد خطورة وأبعد أثرا، هي عملية التجميل السياسي لدولة إسرائيل، ولمشروعها الصهيوني التوسعي في فلسطين والمنطقة العربية.

أول معالم عملية التجميل كان قرار تقسيم فلسطين، الذي أضفى على المشروع الاستعماري - الصهيوني شرعية دولية فرضها النفوذ الأمريكي فرضا مفضوحا في المحافل الدولية، بعد أن سبق للنفوذ البريطاني فرضها عمليا على أرض فلسطين، طيلة ثلاثة عقود متواصلة من الاستعمار.

الغريب في الأمر، أن ما حصل على أرض فلسطين منذ صدور قرار التقسيم، كان مناقضا للقرار على اكثر من صعيد:

* ارتفعت مساحة الأرض التي احتلتها العصابات الصهيونية من 54% من ارض فلسطين (كما نص قرار التقسيم) الى 78% من ارض فلسطين.

* ارتفعت الأرض المحتلة بعد ذلك (في العام 1967) الى مائة بالمائة من أرض فلسطين، إضافة الى أراض عربية اخرى محيطة بها شمالاً وجنوباً وشرقاً.

* الأبرز من ذلك، أنه في العام الحالي ،2009 اي بعد 62 عاما على صدور قرار التقسيم، لم تقم قائمة للدولة الفلسطينية العربية، كما ينص القرار.

هذه الصورة للجريمة الكاملة، ما زال المجتمع الدولي لا يكتفي فقط بالسكوت عنها، بل يساعد في تجميلها تغطية لدعمها ووصفها بالتعويض العادل عن المحرقة النازية ضد اليهود، بغض نظر كامل (حتى الآن) عما فعلته بارض فلسطين وشعبها. ويطهر عمليات الاحتلال التي يقوم بها وفقا للقانون الدولي والقرارات الدولية (خاصة منذ العام 1967)، من صفة الاحتلال، ويطلق اسما آخر عليه هو أمن إسرائيل، حتى أصبحت كل الدول الكبرى والمتوسطة في المجتمع الدولي (بالذات الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وسواها) تعتبر ان اي مقاومة للاحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة (1967) تهديد لأمن إسرائيل، مرفوض قانونيا، وسبب كاف لمساعدة إسرائيل عسكريا وسياسيا وماليا واعلاميا لقمع اي تحرك يريد مقاومة احتلالها لتلك الأراضي.

ومع الفظاعة السياسية والأخلاقية التي يرتكبها المجتمع الدولي في تجميل الصورة السياسية للمشروع الصهيوني، ولمطامعه التوسعية، فان الشراهة الإسرائيلية لا تكتفي بالتجميل السياسي (على فداحته)، بل تحرص على تغطيته بتجميل اعلامي لصورتها، كما ورد في مطلع هذا المقال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"