ترامب ليس الأسوأ

03:45 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

واحدة من الاتهامات الموجهة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه عدو لدود للصحافة. وهجماته المتكرر على الإعلام بألفاظ حادة وقاسية بل غير لائقة أحياناً تعزز هذه التهمة. وتبدو بالفعل العلاقة بين الرئيس والإعلام غير طيبة، وهناك ود مفقود بينهما لا يخفيه الجانبان. غير أن الحقيقة الثابتة هي أن ترامب ليس أكثر الرؤساء الأمريكيين عداء للإعلام رغم أنه أكثرهم هجوماً عليه وأكثرهم بالطبع تعرضاً للحملات الإعلامية الشرسة.
تسجل صفحات التاريخ الأمريكي مواقف عدائية صارخة لرؤساء سابقين فعلوا بالإعلام ما لم يفعله ترامب، ومع ذلك يبقى الأسوأ من وجهة نظر الكثير من الإعلاميين.
ترامب باندفاعاته الهادرة وانفعالاته المباغتة وجموحه الطائش تفلت منه الكلمات المسمومة كالرصاص ضد الإعلاميين والصحافة التي يعتبرها عدوة الشعب ومروجة الأكاذيب. وهو يعتقد أن 85% من الصحف تعاديه. ومع ذلك فإن ثورة ترامب مجرد كلمات ولم يترجمها إلى أفعال أو إجراءات تعسفية ضد الصحافة. المرة الوحيدة الذي اتخذ فيها إجراء عدائياً كانت خلال نوفمبر الماضي عندما طرد مراسل «سي أن أن» من البيت الأبيض وسحب تصريح دخوله، وقد أعادته له المحكمة بعد أيام.
الرؤساء السابقون فعلوا ما هو أسوأ، أو ما يعتبره دافيد بيتو أستاذ التاريخ في جامعة ألاباما جرائم حقيقية ضد حرية الصحافة. وتصديقاً لهذا الحكم نشر الكاتب الأمريكي فريد لوكاس قائمة تضم سبعة رؤساء اقترفوا الخطايا بحق الإعلام كان آخرهم الرئيس السابق باراك أوباما الذي يعتبره لوكاس الأكثر عداء للصحافة. وفي عهده أجريت تحقيقات مع صحفيين وفقاً لقانون مكافحة التجسس صادر في حقبة الحرب العالمية الأولى.
وتحت حكمه استدعت السلطات صحفيين وطلبت منهم الكشف عن مصادر أخبارهم وتلك كارثة مهنية في الإعلام الأمريكي. اقترفت إدارة أوباما كذلك ما تعتبره الصحف خطيئة كبرى باستغلال الدواعي الأمنية للحصول على تسجيلات وبيانات من هواتف الصحفيين وأسرهم.
تهمة صحفية مختلفة موجهة لرئيس آخر هو ليونيد جونسون وهي السعي لقمع الأصوات المزعجة خلال السباق الرئاسي عام 1964. شيء مماثل فعله الرئيس ريتشارد نيكسون وهو ثالث المتهمين حيث استخدم نفس تكتيكات جونسون لإرهاب وسائل الإعلام في ذروة تغطيتها المكثفة لفضيحة ووترجيت التي أجبرته على الاستقالة في نهاية المطاف.
ولجأ رابع المتهمين وهو الرئيس السابق تيودور روزفلت لسلاح الضرائب لمطاردة الصحف والناشرين من خلال الادعاء بأن إقراراتهم الضريبية بحاجة لإعادة الفحص. وبالطبع اقتصرت الإقرارات المشكوك فيها على تلك التي تقدمها الصحف المشاكسة. وبدوره يعد الرئيس وودرو ويلسون أحد أعداء الصحافة الرئيسيين في التاريخ الأمريكي. جريمته الأساسية ارتكبها بعد دخول بلاده الحرب العالمية الأولى حيث طلب من مجلس النواب منحه سلطة فرض رقابة على الصحافة بحجة ضمان الأمن العام. وعندما رفض الكونجرس أسس ما سمي بلجنة المعلومات العامة وهي وكالة ضخمة عمل بها قرابة 75 ألف شخص في فرع واحد بها هو الإعلام المسموع.
وعند الحديث عن حرية الصحافة لا يذكر الإعلاميون بالخير رئيساً تاريخياً هو إبراهام لينكولن رغم دوره المحوري في الحفاظ على الولايات المتحدة كياناً موحداً. ذلك أنه خلال الحرب الأهلية لم يتدخل لمنع الجيش من إغلاق الصحف المؤيدة للانفصال والمعارضة للحرب. وفي عهده أيضاً تم سجن العديد من الصحفيين.
في ذيل قائمة أعداء الصحافة التي نشرها موقع ديلي سيجنال يقبع الرئيس جون آدمز وجريمته هي إصدار مرسوم عام 1798 يحظر فيه ما سماه بالأخبار الكاذبة والخبيثة والفضائحية المتعلقة بالكونجرس أو الرئيس. تسبب المرسوم في إشعال واحدة من أكبر المعارك في التاريخ الأمريكي بين الصحافة والرئيس الذي بات بمقدوره محاكمة وسجن أي صحفي. وانتهت المواجهة عام 1801 بإسقاط القانون وإصدار الرئيس توماس جيفرسون عفواً عن كل من أدين بمقتضاه.
أين ترامب من كل هذا؟ لم يقترف الرجل أياً من تلك الجرائم بحق الصحافة، ومع ذلك فإن لسانه يجر عليه المتاعب مع مهنة مهمتها الأولى البحث عنها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"