حكم المناقصات في الإسلام

03:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

لم تكن المناقصات كعقد من العقود معروفة عند الفقهاء والمتقدمين ولا عند المتأخرين منهم، بل ظهرت كعقد من العقود المعاصرة وأجازتها المجامع الفقهية قياساً على المزايدة لأنها تدخل في باب المنافسة الحرة إذا تمت بشروطها وروعيت فيها الأمانة.
والمناقصة من الفعل ناقص يناقص مناقصة أي أنه استنقص الثمن واستحطه، بمعنى أنه عقد عقداً قائماً على اختيار السعر الأنقص من بين عروض المتقدمين.
والمناقصة تكون عامة مفتوحة لكل من يريد أن يدخل فيها بسعره، وتكون خاصة محدودة ومقتصرة على فئة من المؤهلين المتميزين، ولكل من المناقصتين طريقة للإعلان عنها، فالخاصة يكتفي فيها بتوجيه خطابات إلى من تتوافر فيهم الشروط، وهي مقيدة بفئات معينة كما قلنا.
وعرّفت المناقصة بأكثر من تعريف فقال بعضهم: المناقصة هي طلب الوصول إلى أرخص عطاء لشراء سلعة أو خدمة تقدم فيها الجهة الطالبة لها الدعوة للراغبين إلى تقديم عطاءاتهم وفق شروط ومواصفات محددة.
هكذا عرّفها مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة في الرياض عام 2000.
وتقرر في تلك الدورة أن المناقصة جائزة شرعاً وهي كالمزايدة فتطبق عليها أحكامها سواء أكانت مناقصة عامة أم محددة، داخلية أم خارجية علنية أم سرية.

وبالمقارنة بين المزايدة المصرح بها عند الفقهاء والأقدمين، وبين المناقصة المعاصرة، نجد أن المزايدة هي عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين في المشاركة في المزاد، فيقال بأن البضاعة الفلانية تعرض للمزايدة، فيطرح كل منهم سعراً ويزيد على صاحبه إلى أن يرضى بائع السلعة بسعر معين ولا ينتظر سعراً أعلى فيبرم العقد عندئذ.

والمناقصة بعكسها حيث تطلب الجهة الطالبة لها من الراغبين تقديم عطاءاتهم أي أسعارهم وفق شروط ومواصفات معينة.

والمناقصة بهذه الصورة تحتاج إلى توظيف خبرات وتحمل نفقات، لأنها تحتاج إلى الدراسة وإعداد مشروع تقوم به جهة استشارية، فهي عبارة عن جهود فنية إدارية وتكاليف مالية.
لذلك فإن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة عام 1993 قرر أنه لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول وهو قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد على التكلفة الفعلية.
ويلاحظ على المناقصة أنها مجموعة من الإجراءات، لذلك لم يعدها بعض العلماء عقداً بل إجراءً شكلياً للوصول إلى العقد المتناقص عليه، وهذا هو رأي الشيخ عبدالله المنيع والشيخ علي القره داغي.
وبعضهم قال بأنها عقد بيع وهذا رأي الشيخ الجوهري، وقال الدكتور السالوس: إنها صنو عقد المزايدة وأيده الشيخ رفيق المصري.
وقال بعض آخر: إنها عقد مسابقة وهذا رأي آخر للشيخ رفيق المصري، أو أنها عقد مركب من عقد الضمان ودفتر الشروط.
وقال آخرون بأنها إذا رست على عقد مقاولة فهي تشبه عقد الإجارة وعندئذ تدخل في باب الاستصناع.
ونخلص من هذا العرض إلى أن المناقصة جائزة بشروطها ومواصفاتها، إذ إنها عقد من عقود البيع، والبيع الأصل فيه الحل حتى يرد دليل على الحرمة، قال الله تعالى: «وأحل الله البيع وحرم الربا»، بخلاف العبادات التي الأصل فيها الحرمة حتى يرد فيها دليل صريح على الإباحة.
أقول: وأنا مع الجواز لأن الحاجة في هذه الأيام تقتضي أن نوجد حلاً شرعياً للناس، وإلا انصرفوا إلى الحرام فأباحوه، وديننا الإسلامي جاء ميسراً ولم يكن معسراً في أي زمن لأنه مع مصالح البشر، وأقصد بمصالح البشر المشروعة منها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"