فاروق شوشة.. سيرة لا تنتهي

02:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبد الله البريكي
ملأ الشاعر الراحل فاروق شوشة حياتنا الثقافية إبداعاً وإنتاجاً وحركة، وعلى مدار سنوات عمره كان مثالاً للأديب الجامع، الذي يعتز بقيمه الإنسانية وشاعريته التي تعد من أخصب التجارب العربية، وما زلت أذكر اللقاء الذي جمعني به في معرض الشارقة الدولي للكتاب العام الماضي، حيث كنت معنياً بتقديمه في إحدى الأمسيات، وحضرت يومها قبل الموعد بنصف ساعة، وعندما وجدني أمامه قبل دخوله القاعة تهللت أساريره، ولمحت في وجهه بسمة صافية عهدناها فيه، صافحني بحرارة، وقال لي بحنو جميل، وأدب جم «إنني سعيد جداً لكونك ستقدمني الليلة، ولا أخفي عليك أنني فرحت من قلبي عندما عرفت أنك الاسم الذي سيرافقني في الأمسية، وسيقدمني للجمهور لكونك شاعراً، والشعراء يعرفون كيف يحتفون بالكلمة والإبداع بوجه عام».
رحل فاروق شوشة عملاق الأدب العربي، الذي كان آخر ما جمعني به خلال مشاركتي في مهرجان ربيع الشعر التاسع لمؤسسة عبدالعزيز البابطين بدولة الكويت في شهر مارس/آذار من هذا العام، لكن كلماته بقيت تطن في أذني، وتتردد على مسامعي، فهي في قلبي وفي وجداني أعتز بها وأحمد الله أنني التقيت هذه القامة الإبداعية، فقد مثل الراحل الكبير لي ولجيلي الكثير، وكنت ممن يتابع، عن كثب، برنامجه العظيم «لغتنا الجميلة» الذي قُدر له أن يجمعه في كتاب، فهو كنز للوجود العربي، ونقاط فاصلة ومحطات تبرز القيمة العظيمة للغتنا الخالدة التي كان يتنفسها فاروق شوشة، بحسه وإبداعه وجماله الروحي، شعراً ونقداً وأدباً صافياً، لايزال ماء عذباً للأجيال.
وما من شك في أن لغة القرآن الكريم شكلت ذائقة فاروق شوشة الذي حفظه صغيراً، فكم كنا نستمتع بطريقته الهادئة في الحديث وقدرته الفذة، على تقديم الضيوف في البرامج الثقافية التي كان يقدمها في التلفزيون من مثل: نزار قباني، وأمل دنقل، وعبدالرحمن الأبنودي، وغيرهم من المبدعين الكبار في الشعر العربي بوجهيه الفصيح والدارج، وقد ارتبط الناس بصوته الرخيم في الإذاعة لسنوات طويلة، حيث جمعنا على مفردات اللغة العربية، والمهجور منها والاستخدامات المغلوطة، والصحيح فيها حتى غدت هذه الدفقات هي مصباح اللغة العربية، بكل جمالياتها الناضرة، والجميع كان يعلم أن فاروق شوشة، قدم برامج فذة على مدار رحلته الإبداعية مثل لغتنا الجميلة في الإذاعة، وأمسية ثقافية في التلفزيون، وهما من أهم برامجه التي أسست لطبيعة البرامج الإبداعية الثقافية، فيما بعد، فضلاً عن أنه كان معجماً لغوياً يمشي على الأرض، فهو عضو مجمع اللغة العربية في مصر، ورئيس لجنتي النصوص الإذاعية والتلفزيون، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس لجنة المؤلفين والملحنين.
نعاه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بكلمات من نور، فقيمة فاروق شوشة الإبداعية تتخطى العادي والمألوف، وقد احتفت به إمارة الشارقة متمثلة بصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يقدر الإبداع وأهله ويوليهم اهتماماً خاصاً، ومحبة لا تنتهي، فهو مسيرة طويلة من الشعر الذي هزّ الوجدان ورافق رحلة الجيل الثاني لمدرسة الشعر الحر، وهو صاحب «إلى مسافرة، العيون المحترفة، يقول الدم العربي، هئت لك،» وغيرها من الأعمال التي تمثل القيمة العليا في دنيا الشعر. وشخصياً عشت مع مؤلفات أظهرت انطباع شوشة الجمالي في كتبه الخالدة (أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي؛ وأحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي، عذابات العمر جميل)، وغيرها من المواجد القلبية والصفاء الذهني والإبداع الماثل في حركة الزمن، وقد عُرف فاروق شوشة بأخلاقه العالية وأسلوبه الممتاز في التعامل مع الناس، وكان يفيض عذوبة ومحبة وجمالاً وبهاء، وكان مخلصاً لقضايا وطنه، يلتقي المبدعين الجدد ويدفعهم للعمل والإنتاج، ويكتب عن وجوه جديدة، وهو سيرة لا تنتهي من الجمال والحس الإنساني المبدع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"