تونس ومشكلة الحكومة

02:48 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

بدأ تشكيل الحكومة التونسية المنتظرة برئاسة إلياس الفخفاخ يدخل في التفاصيل الجوهرية بالتعرض لبرنامجها وتركيبتها، لتأمين حزام سياسي لها في البرلمان يمكنها من نيل الثقة، لكن المؤشرات الأولية توحي بصعوبة كبيرة في إيجاد توافق حزبي يمكن أن يتناغم وينسجم، بما يساعد البلاد على تجاوز هذه المرحلة الدقيقة.
وفي إطلالته الإعلامية الأولى، حاول الفخفاخ أن يكون مقنعاً بما يعرضه من أفكار وتصورات، لكن البعض اتهمه بالسقوط في خطأ مبكر، حين أقام فرزاً سياسياً مسبقاً بين من معه ومن ضده. واعتبر أن الأحزاب والتيارات التي وقفت في الانتخابات لصالح رئيس الجمهورية قيس سعيّد، هي الطوق السياسي لحكومته، أما الأطراف التي صوتت لخصمه في الدور الثاني من الرئاسيات، فغير مدعوة إلى المشاورات الحكومية، عارضاً عليها أن تظل في المعارضة. وكان متوقعاً أن يثير هذا الفرز ردود فعل كبيرة، وبقدر ما صدم البعض، اعتبره البعض الآخر غير مساعد على التهدئة؛ لأنه يُقصي مكونات أساسية في المشهد البرلماني، وأساساً حزب «قلب تونس» و«الدستوري الحر»، وغيرهما من الأحزاب الأخرى.
أما «المؤلفة قلوبهم» فتعني حركة «النهضة» الإسلامية، وحركة «الشعب» القومية، و«التيار الديمقراطي»، وهذه الأحزاب لم تتوافق في مفاوضات حكومة حبيب الجملي السابقة، مما أدى لاحقاً إلى فقدانها الثقة البرلمانية واللجوء إلى خيار رئيس الجمهورية بتكليف الشخصية الأقدر ممثلة في إلياس الفخفاخ.
الرهان على تشكيلة حزبية مسبقة، تواجهه تهديدات عدة، منها أن الأحزاب المصطفاة للحكومة قد لا تتوافق في آخر لحظة، ولا ترضى بحصصها من الحقائب الوزارية مثلما حصل في التجربة الأولى، وعندها ستلقى حكومة الفخفاخ مصير حكومة الجملي، بما يُدخل البلاد في أزمة سياسية حادة تُنذر بكثير من المساوئ، منها الذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة يتخوف منها الجميع؛ لأن نتائجها ستكون كارثية على أغلب الأحزاب، وفي أحسن الأحوال ستنتج المشهد نفسه مع بعض الفوارق في عدد المقاعد. أما إذا كانت النتائج مختلفة كلياً، فإن الاستقرار السياسي سيكون في مهب خلافات كبرى، لا سيما أن بعض استطلاعات الرأي المبكرة جداً، تشير إلى احتمالات تغيير عميق لا يصب في صالح الأحزاب المتصدرة للبرلمان الحالي.
يفترض أن تكون الحكومة التونسية برئاسة الفخفاخ حكومة أزمة حقيقية تعالج القضايا المصيرية المطروحة بقوة على الساحة، ويجب ألا تسهم في خلق الأزمات وتصنع من نفسها مشكلة. وأهم شيء في هذه المرحلة أن يكون هناك توافق عريض بين جميع المكونات السياسية لبحث ما يجب فعله في هذه المرحلة، والابتعاد عن كل ما يعكر الوضع ويزيد من تعقيداته، فالديمقراطية الحقيقية هي التي تصنع التغيير وترفع التحديات حتى تنتج مجتمعاً ديمقراطياً تعددياً خلاقاً. أما الفشل الذريع فستكون عاقبته وخيمة وضحاياه كثيرون وأولهم الديمقراطية نفسها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"