يكشف كتاب «السياسة الأخلاقية.. كيف يفكر الليبراليون والمحافظون» لجورج ليكوف ترجمة د. طارق النعمان، أن التعارض السياسي في أمريكا بين المحافظين والتقدميين، هو في جوهره تعارض أخلاقي بامتياز، تعارض حول منظومة القيم التي يحملها كل طرف، وحول ما يمثل الخير والشر بالنسبة لهما.
من خلال التحليل المعرفي للخطاب السياسي يوضح ليكوف أن الاختلافات بين الليبراليين والمحافظين، تنبع من حقيقة أنهما يلتزمان بدرجات مختلفة من القوة باستعارتين مختلفتين حول علاقة الدولة بالمواطنين، فالمحافظون يتمسكون بنموذج يطلق عليه «الأب الصارم» ويجعلون الأسرة مبنية حول أب مسيطر.
ويفترض أَن «الأطفال» (المواطنين) يحتاجون إلى أن يكونوا منضبطين، لكي يصبحوا «راشدين»، والليبراليون يقدمون دعماً لنموذج العائلة «الوالدية» المبني على «قيم الرعاية»، حيث يحافظ الأمهات والآباء على أطفالهم، بعيداً عن التأثيرات المفسدة:التلوث، الظلم الاجتماعي، والفقر.
يرى «ليكوف» أن معظم الناس لديهم مزيج من الاستعارتين، وأن الخطاب السياسي يستدعي هاتين الاستعارتين، ويحفز إحداهما دون الأخرى، كما يكشف أن أحد الأسباب التي جعلت الليبراليين يواجهون صعوبات كبيرة، منذ ثمانينات القرن العشرين، هو أنهم لم يكونوا واعين بالاستعارات التي توجههم، وأنهم كثيراً ما كانوا يستخدمون مصطلحات المحافظين، دون أن يعوا، بما يجعلهم يعززون خطاب الخصم، في الوقت الذي يتصورون فيه أنهم يرفضونه.
إذ إنهم باستخدامهم مثلاً لاستعارات مثل تخفيف الضرائب بدلاً من تخفيض الضرائب يتبنون لغة خصومهم، ومن ثم يبدون وكأنهم يطلقون النار على أقدامهم بأيديهم، وهكذا فإن اللغة ليست بريئة في استخداماتها السياسية، وعلى كل طرف أن يعي جيداً لغته ولغة خصومه، وألا يقع في شراك لغة الخصم.
يمارس «ليكوف» تحليلاته على عشرات الاستعارات المنتمية إلى كل نموذج من النموذجين وآليات عملها، كما يكشف أن النموذجين كثيراً ما يتجاوران.
