ترامب بريء.. إلى متى؟

03:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
جميل مطر

وسط خيبة أمل الكثيرين برأ المحقق روبرت موللر، الرئيس دونالد ترامب، من تهمة التواطؤ مع روسيا، خلال حملته الانتخابية قبل عامين. هكذا صاغت بعض وسائط الإعلام عنوان نبأ صدور تقرير موللر. كنت أحد الذين اهتموا بتطورات التحقيق وبالأحكام التي صدرت بالفعل، ضد عدد من معاوني المرشح دونالد ترامب في تلك الحملة، تابعت كذلك التحقيقات الأخرى الجارية مع جاسوسة روسية اقتربت من جماعة أنصار حرية حمل السلاح للدفاع عن النفس، باعتبارها إحدى أهم جماعات الضغط الممولة لحملة ترامب.
أعترف بأنني أثناء اهتمامي ومتابعتي لهذه التحقيقات لم أتوقع أن تلحق بالرئيس ترامب إدانة صريحة وقوية بأنه تواطأ مع روسيا ضد هيلاري كلينتون، المرشحة المنافسة له على منصب الرئاسة.
في إحدى جلسات حواراتنا سمعت قائلاً يقول: «سنوات أربع ويرحل الرجل، ويأتي محله من يفعل مثله فيمحو ما فعل ترامب من أفعال». وفي اللحظة التالية سمعت مَن أسرع بالرد على صاحبنا ليبلغنا أن النقاش حول هذا الموضوع يجب أن ينحو منحى آخر ربما أكثر واقعية وبعاطفة أقل. «يجب أن نراعي»، هكذا قال، «حقيقة أن سياسات الدول الكبرى لا تمحى بهذه البساطة. ما فعله ترامب أكثره باق معنا شئنا أم أبينا وشاء مرشحو الحزب الديمقراطي لمنصب الرئاسة أم أبوا».
ذهبنا إلى أبعد مع سؤال كأسئلة المؤامرة، هل كان يمكن للرئيس بوش أن يشن غزوة العراق إذا لم تكن هناك جهة، أو جماعة، أو شلة، ولا أقول مؤسسة، زرعت في عقله فكرة الغزو قبل دخوله إلى البيت الأبيض، أو شجعته على اتخاذها بعد توليه المنصب؟ هل كان يمكن أن يستمر في الحكم بعد انكشاف حدود وحجم المهزلة لو لم يكن هناك في أمريكا تلك الجهة، أو الجماعة، أو الشلة تمنع عنه الساعين لمعاقبته، وكل إدارته على البيانات المزيفة والمعلومات الكاذبة التي استخدموها لتبرير قرار الغزو؟ ألا نلاحظ أنه حتى اليوم، أي بعد مرور ستة عشر عاماً، لم يتقدم أحد بدعوى اعتداء على الدستور من جانب الرئيس بوش وغيره من الرؤساء الذين شنوا حروباً غير مبررة، أو بذرائع مزورة، ولا تقدم أحد بدعوى ضد أشخاص، بينهم قادة عسكريون ودبلوماسيّون، ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في فيتنام، وأفغانستان، والعراق؟
قال محاور «أمريكا العظمى قامت عندما كانت دولة أغلبية سكانها، خاصة طبقتها الحاكمة، من البيض البروتستانت. لن تعود أمريكا دولة عظمى طالما ظلت قوافل المهاجرين من أمريكا الوسطى تزحف على ولايات الجنوب الأمريكي، ولن تعود دولة عظمى والغرب الأبيض في أوروبا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا ينحسر بياضه لمصلحة بشرات سمراء وسوداء وصفراء».
واستطرد صاحب هذا الرأي قائلاً «ليست مصادفة موجة الكراهية العنيفة التي صارت تهيمن على العلاقات بين الأجناس والطوائف والقبائل. يقول الروس إن أوكرانيا تدرب النازيين الجدد على حروب المدن، وتعبئة مشاعر السكان البيض ضد المهاجرين، الذين سكنوا أوروبا في السنوات الأخيرة. ويتحدث إعلاميّون عن تظاهرات وأنواع شتى من الحراك ينظمها ستيف بانون في مدن عدة في غرب أوروبا». ثم أضاف بالقول «الآن فقط أدركنا أن جماعة ما، أو جهة في الولايات المتحدة لم تكن راضية عن سياسات اتخذها رؤساء أمريكيون في مرحلة العولمة، مثل اتفاقيات مناطق التجارة الحرة، ودعم مبادئ حرية التجارة، ونزوح الشركات الصناعية للعمل في دول أخرى، وتحمل أمريكا النصيب الأكبر في موازنة الأمن العالمي، وقريباً جداً سوف نسمع عن مواجهة بين أمريكا واليابان حول تكاليف حمايتها ضد الصين، ومواجهة أشد مع دول أوروبا الغربية حول تكاليف حمايتها
يعتقد صاحب هذا الرأي أن ترامب مبعوث برسالة، وأنه اختير بعناية من أجل إطلاق مرحلة يغمض خلالها الحقوقيون والدستوريون أعينهم، ويسدون آذانهم عن تصرفات متعددة لرئيس «استثنائي».
الدول لا تستعيد ما فقدت من قوة ومنعة ورخاء بالتزام نخبتها الحاكمة الدستور في الداخل واحترام القانون الدولي في الخارج. بمعنى آخر، أمريكا البيضاء، في حاجة متزايدة لشخص بسمات وأخلاق دونالد ترامب. لن تتخلى عنه ببساطة، ولن تتركه بغير حماية حتى ينفذ ما كلف به، وينهي مهمته ويرحل من البيت الأبيض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"