«مشروع تسوية» يثير انقساماً في العراق

04:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
يثور سجال سياسي في العراق بين اتحاد القوى البرلمانية وائتلاف الوطنية الذي يقوده نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي من جهة، والتحالف الوطني بقيادة عمار الحكيم حول مشروع «التسوية الوطنية» الذي تقدم به التحالف الحاكم وشرع في تسويقه لدى دول الجوار والإقليم، بانتظار أن تتبنى المشروع بعثة الأمم المتحدة الخاصة بالعراق وعرضها بعدئذ على مجلس النواب كي تصبح نافذة وملزمة لجميع الأطراف الحزبية والسياسية والاجتماعية. وبهذا يسعى التحالف الوطني إلى منح هذا المشروع في حال تمريره مرتبة تماثل الدستور، إذا لم يكن في النية ضم مواد هذا المشروع إلى الدستور.
ينص المشروع على تجريم حمل السلاح وحصر حيازته واستخدامه في الدولة، وعدم السماح بوجود كيانات مسلحة أو ميليشيات خارج إطار الدولة. «ويهدف المشروع حسب واضعيه إلى الحفاظ على العراق كدولة مستقلة ذات سيادة وموحدة وفدرالية وديمقراطية. ويشدد المشروع على ألا عودة ولا حوار ولا تسويات مع حزب البعث أو «داعش» أو أي كيان إرهابي أو تكفيري أو عنصري».
التحفظ الرئيس الذي يسوقه ائتلاف الوطنية على هذا المشروع هو كونه يستند إلى التعامل مع الشعب.. كمكونات، وليس استناداً إلى مبدأ المواطنة، مع تركيز الائتلاف على أهمية العمل على بناء دولة المواطنة، بدل «الذهاب إلى تمزيق النسيج الاجتماعي إلى طوائف وقوميات». ولهذا يرى ائتلاف علاوي أن «المشروع ولد ميتاً».
ورغم هذا التحفظ الشديد فإن التحالف الحاكم يتمسك بالمشروع، ويعتبره بمنزلة تسوية وطنية وتاريخية تضمن أمن البلاد وسيادتها وسلامة المجتمع والأفراد. فيما يعتقد ائتلاف علاوي (21 مقعداً في مجلس النواب) أن مصير البلاد يجب أن يرتبط بالتوافق بين الكتل السياسية والاجتماعية وليس وفقاً لمبدأ الأكثرية. وكان مجلس النواب العراقي قد مرّر في نوفمبر الماضي ما عرف بقانون الحشد الشعبي، ويمنح هذا المشروع الذي بات نافذاً حصانة لزهاء سبعين ميليشياً يتشكل منها الحشد، باعتبار الحشد قد أصبح جزءاً من القوات المسلحة. ومن الملاحظ أن هذه الصيغة لم تؤد إلى حل الميليشيات ودمجها بالجيش، بل على العكس من ذلك فقد تم تشريع هذه الميليشيات، والحفاظ عليها ككيانات مسلحة قائمة على الخضوع لرئيس الوزراء (حيدر العبادي)، وليس لقيادة الجيش كما هي حال كل تشكيل عسكري في الدنيا!.
وقد أريد لمشروع الحشد أن يكون مقدمة لطرح مشروع التسوية الذي يروج له عمار الحكيم. فعدم السماح بوجود كيانات مسلحة في هذا المشروع يعني منع وجود كيانات أخرى غير الكيانات السبعين التي تؤلف الحشد الشعبي، وحيث ينازع الحشد المؤسسة العسكرية في حيازة السلاح واستخدامه، وفي قرارات السلم والحرب والدفاع عن الحدود وعن كل أجزاء الوطن. وقد أدى تمرير المشروع إلى رفض اتحاد القوى البرلماني تسلم نسخة من وثيقة التسوية، والتي يجري الآن الترويج لها. ومن المفارقات أن وثيقة يُراد لها أن تكون بمنزلة ميثاق وطني جامع، قد تم وضعها بين أطراف لون سياسي واجتماعي واحد.
وبينما يلقى المشروع رفض أطراف أساسية، فإن التحالف الوطني الذي يقوده عمار الحكيم يعمل على تسويق المشروع في الخارج، ولدرجة يرغب معها أن تتبنى القمة العربية المقبلة في عمّان هذه الوثيقة.
ومن الواضح أن الانقسام الحاصل في الآراء إزاء هذه الوثيقة هو الانقسام نفسه القائم على أرض الواقع بين القوى السياسية والاجتماعية، إزاء قضايا أساسية مثل هوية الدولة وحقوق المواطنة ومحددات السيادة والمؤسسة العسكرية والقرار المستقل. ويفترض الآن من أجل البرهنة على الجدية والتمسك بالمصلحة الوطنية أن يصار إلى إدارة حوار وطني شامل حول الوثيقة، بحيث يكون الهدف أبعد من الوثيقة، وباتجاه النظر في المشكلات الملموسة التي يتعرض لها العراقيون، وعلى رأسها الانفلات الأمني من طرف ميليشيات معروفة، ومشكلة نزوح مئات الآلاف وعدم تمكنهم من العودة إلى بيوتهم وخاصة في محافظة صلاح الدين في وسط البلاد، ومشكلة المعتقلين بدون محاكمات. وهذه المشكلات قابلة للحل إذا ما تم الاحتكام إلى سيادة القانون وتعميمه على الجميع، والابتعاد كلياً عن منطق التغليب الفئوي، والذهاب نحو دولة وطنية مدنية حافظة لحقوق وواجبات أبنائها بموازين العدل والمساواة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"